اقتصاد عربي

خبراء: إعفاء شركات الجيش المصري من الضرائب يقتل المنافسة ويعمق الأزمة

الحكومة وافقت على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية باستثناء شركات الجيش- أرشيفية
مررت لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري، على عجل قبل أيام، مشروع قانون إلغاء الإعفاءات من الضرائب والرسوم المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وسط اعتراض بعض النواب على استمرار تضمين القانون استثناءات لشركات الجيش.

مشروع القانون تم تمريره بشكل سريع نظرا لأهميته، وفقا لما أعلنته اللجنة في اجتماع اللجنة، بحسب مصادر تحدثت لموقع "مدى مصر"، التي أشارت إلى أن القانون مطلوب خروجه بشكل سريع؛ باعتباره أحد مطالب صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بالمساواة الضريبية.

نصت المادة الأولى على: "مع عدم الإخلال بالاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية، والإعفاءات المقررة للأعمال والمهام العسكرية ومقتضيات الدفاع عن الدولة وحماية الأمن القومي، وكذلك الإعفاءات المقررة عن أنشطة تقديم الخدمات المرفقية الأساسية، تلغى الإعفاءات المقررة بموجب نصوص القوانين واللوائح والقرارات الصادرة لجهات الدولة، أو الهيئات العامة والأجهزة التي لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية، والكيانات والشركات المملوكة للدولة أو التي تساهم في ملكيتها، وذلك فيما يتعلق بالأنشطة الاقتصادية أو الاستثمارية التي تباشرها وتخضع للقوانين المنظمة لهذه الأنشطة".

اعتراضات نواب على استثناءات مشروع القانون
رغم دعم نواب الحكومة لمشروع القانون، اعترض أمين سر اللجنة، عبد المنعم إمام، على نص المادة الأولى التي لم تشمل عددا من الهيئات التابعة للقوات المسلحة مثل هيئة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع (ينظر إليها باعتبارها قاطرة التصنيع في مصر)، وتساءل إمام عن الخدمات المرفقية المنصوص على استثنائها في القانون.

أما النائب محمد عطية الفيومي، فاعتبر أن "عبارة الأمن القومي الواردة في الجهات التي يتم استثنائها من القانون، هي عبارة مطاطة ويتم التوسع في استخدامها ويدخل تحتها أمور كثيرة"، مشيرا إلى أن الجميع يلجأ للأمر المباشر (إسناد مشروعات الحكومة) هربا من متابعة الأجهزة الرقابية، كما تساءل الفيومي: هل الإعفاءات تشمل الرسوم أيضا أم الضرائب فقط؟

ووصف البرلماني المصري السوق بأنه "منفلت"، ولا توجد آليات له أو منافسة حقيقية، ومصر هي البلد الوحيد الذي ترتفع فيه الأسعار ولا تنخفض، وأكد أن الإسناد المباشر يسبب مشكلات ويجب التعامل معه وتعديل قانونه.

قانون لا يستوفي الغرض منه

من جهته؛ أعرب الخبير الاقتصادي الأممي، إبراهيم نوار، عن اعتقاده بأن القانون لا يحقق الهدف منه كاملا، وقال: للأسف، لا أظن أن مشروع القانون يستوفي الغرض منه، وهو تحرير السوق وإطلاق المنافسة على أرض مستوية بين جميع الكيانات الاقتصادية في البلاد، من الأفراد إلى الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "وأظن أن "الإعفاءات المقررة بقانون"، هي أقل القليل من الإعفاءات المعمول بها عرفيا لصالح هيئات وأجهزة تتصرف خارج القانون. وهناك ما هو أخطر من الإعفاءات، ألا وهو ترسية العقود بالأمر المباشر، والمبالغات الخطيرة في تقدير تكاليف المشروعات خارج نطاق المنافسة والمراجعة، وفي ظل الانعدام التام للشفافية".

واختتم حديثه بالقول؛ "إن وزيرة التخطيط تحدثت عما يسمونه الحياد التنافسي، وتحقيق الحياد التنافسي يتطلب تحرير السوق من أي استثناءات (..)، والديباجة المعروضة تحتوي على استثناءات، ولا تقدم تعريفا مانعا جامعا للجهات المعنية".


أثر القانون ومصير الإعفاءات السابقة

وتنص المادة الثانية على استمرار التعاقدات التي أبرمت قبل العمل بأحكام هذا القانون، خاضعة للقوانين واللوائح التي تمت في ظلها إلى حين إتمام تنفيذها، ويلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون.

وعن الأثر المالي لتطبيق القانون، أشار نواب إلى دراسة من صندوق النقد الدولي، قدرت أن تزيد الضرائب في السنة الأولى 250 مليار جنيه، وستستمر في التصاعد لتصل بعد 5 سنوات إلى حوالي 180% من الحصيلة الضريبية الحالية، (الدولار يساوي 30.9 جنيها).

وكانت الحكومة المصرية وافقت نهاية الشهر الماضي على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، دون أن توضح الجهات والمؤسسات التي سوف يشملها مشروع القانون الجديد.

ووفقا لبيان الحكومة، تأتي هذه الخطوة، في إطار حرص الدولة على تحسين مناخ الاستثمار، ودعم مشاركة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية، وتكريس وترسيخ للتوجه الخاص بكفالة فرص عادلة لمختلف الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية في المعاملات المالية المنظمة لها.

تشوهات المنافسة مستمرة

بدوره، اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أحمد ذكر الله، أن "مثل مشروع قانون إلغاء الإعفاءات من الضرائب والرسوم المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، ولكن ما هو المقصود بالاقتصاد الوطني؟ هل هو اقتصاد الدولة والقوات المسلحة أم اقتصاد الدولة ككل متضمنا القطاع الخاص؟".

وأضاف لـ"عربي21": "طوال السنوات الماضية، تم إزاحة شركات القطاع الخاص من معظم المشروعات الكبيرة، التي بدأت الدولة في تنفيذها تحت مسمى المشروعات القومية، وضخت فيها عشرات مليارات الدولارات، وكان نصيب شركات القوات المسلحة والدولة هو نصيب الأسد منها؛ ما أحدث تشوهات في الاقتصاد المصري نعاني من تبعاته إلى اليوم".

وتابع: "إلى جانب سياسة الإرساء بالأمر المباشر دون منافسة حقيقية، ووسط غياب الشفافية حول جدوى المشروعات التي يتم تنفيذها وتكلفتها والعائد منها وطريقة صيانتها ومتابعتها، فإنه لا توجد جهات رقابية تقيم أو تراجع أو تحاسب، وكانت الشكوى دائما من انعدام العدالة والتمييز الذي كان يصب في صالح شركات الدولة، ولا أعتقد أن القانون قادر على معالجة جميع التشوهات السابقة".

انتقادات دولية للإعفاءات والاستثناءات
منذ عام 2015 كشفت البيانات الحكومية الرسمية تحقيق الشركات المملوكة للدولة أرباحا قوية وازدهرت بشكل قوي، ولكنها دفعت القطاع الخاص إلى الظل، وانحسر الاستثمار في القطاع الخاص.

وانتقد البنك وصندوق النقد الدوليين دعم الدولة لشركاتها، مشيرين إلى أن الشركات المملوكة للدولة تتلقى أحيانا استثناءات ضريبية خاصة، وبيئة تنظيمية تميل لصالح الشركات القائمة، مما يجعل نشاط مستثمري القطاع الخاص في انحسار.

وانتقد البنك الدولي التأثير السلبي لهذا التوجه الأحادي، وأكد أنه "يؤثر الوجود الواسع للشركات المملوكة للدولة في جميع مناحي الاقتصاد على المنافسة، كما ينتج عنه تشوهات في الأسواق".