قال الكاتب كينان مالك، بمقال في
صحيفة الغارديان؛ إن الاتحاد الأوروبي يقدم المال لمليشيات مسلحة في أفريقيا، من أجل منع موجات
المهاجرين من الوصول إلى
دوله، لافتا إلى أن
بريطانيا تريد أن تحذو حذوه.
وأشار في مقاله الذي ترجمته "عربي21" إلى أن الصحفية سالي
هايدن، المختصة بشؤون المهاجرين المعتقلين في ليبيا، تلقت رسالة تفيد بأن شخصا
أحرق نفسه، بعد هربه من الصومال، واعتقاله في سجن طريق السكة سيئ السمعة في
العاصمة الليبية طرابلس.
وأوضح مالك أن الاتحاد الأوروبي يدفع للمليشيات ملايين اليوروهات لاحتجاز
أي شخص يعتقد أنه مهاجر إلى
أوروبا. ومثل بقية السجون في ليبيا، فطريق السكة هو
مكان الجوع والمرض والضرب والاغتصاب والتعذيب والموت.
وأضاف: "الموت جوعا، الموت ضربا، الموت شنقا، الموت انتحارا. وبعد
تسعة أشهر في الاعتقال، شعر عبد العزيز أنه
فقد الأمل، فأمسك بعبوة من البترول تستخدم لتغذية المولد الكهربائي وصبها على نفسه
وأشعل عود الثقاب، وكانت هايدن الصحفية الوحيدة التي غطت قصة موته.
وتابع: "لا أعرف إن كان وزير الهجرة البريطاني روبرت جينريك يعرف عن
عبد العزيز. فقد زار في الأسبوع الماضي دولا على الجانب الآخر من البحر المتوسط،
لم تكن ليبيا واحدة منها، لإقناع القادة السياسيين هناك لاتخاذ إجراءات قوية ضد
طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط.
وقال؛ إنه سعى لإقناع حكومات شمال أفريقيا لـ "لوقف القوارب" بعيدا
آلاف الأميال عن المياه البريطانية". وكان جينريك يتبع ساسة الاتحاد الأوروبي
الذين عقدوا، منذ أكثر من عقد، صفقات مع كل قوة تخطر بالبال بالمنطقة، بدون
النظر إلى طبيعتها، سواء كانت رجعية أو مثيرة للتقزز، ويقدمون المال بسخاء مقابل سجن
المهاجرين المحتملين ومنعهم من الوصول إلى أوروبا.
ولم تؤد الصفقات لتفكيك عصابات التهريب، وكانت كارثية على طالبي اللجوء
والمهاجرين ومنطقة شمال أفريقيا والساحل. وجسم عبد العزيز المتفحم هو تذكير بثمن
هذه الصفقات.
ويقدم الكاتب قائمة بالاتفاقيات التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع دول
المنطقة لمحاربة الهجرة غير الشرعية، من المعاهدة في 2010 مع العقيد معمر القذافي، إلى الاتفاقيات اللاحقة مع الجماعات المسلحة وأمراء الحرب، بعد التدخل الغربي الذي
مزق ليبيا، وإنشاء الاتحاد الأوروبي صندوق تمويل الطوارئ لأفريقيا الذي أنشئ في
عام 2015، حيث بدأت الحرب السورية بدفع المهاجرين وسببت فزعا في العواصم
الأوروبية، إلى عملية الخرطوم التي كانت تهدف لضم دول المنطقة مثل إثيوبيا
وإريتريا ويوغندا وجنوب السودان، إلى الصفقات الثنائية مع تركيا والنيجر.
فقد وزع الاتحاد الأوروبي مليارات
اليورو في محاولة لإقناع الدول غير الأوروبية للتحرك كشرطي منفذ لسياسات الهجرة، وكانت
النتيجة هي إنشاء صناعة كبيرة للخطف والاحتجاز من المحيط الأطلنطي إلى البحر
الأحمر ومن البحر المتوسط إلى الساحل. وتم استخدام السجون والمخازن وحتى حدائق
الحيوانات أعيد استخدام اقفاصها لسجن المهاجرين.
وفي مذكرة داخلية تعود إلى عام 2020، اعترفت أن ملاحقة المهاجرين والقبض
عليهم "أصبح نموذجا تجاريا مربحا".
ففي ليبيا يقوم المسلحون والمهربون ممن يعتبرون أنفسهم "خفر
السواحل"، وتم تدريبهم وتمويلهم من الاتحاد الأوروبي، بالقبض على المهاجرين في
البحر ودفعهم بالقوة إلى مراكز الاحتجاز الليبية.
وفي سجن طريق السكة وغيرها من مراكز الاحتجاز، لاحظ تقرير شاجب للأمم
المتحدة، أنه " ترتكب أفعال من القتل والاسترقاق والتعذيب والاغتصاب، وغيرها من الأفعال
ضد المهاجرين"؛ "تعزيزا لسياسة الدولة".
ويعلق مالك: "يعرف القادة الأوروبيون بهذا، لكنهم قرروا إغلاق أعينهم
عن الحقيقة وما تفعله سياساتهم، وتظاهروا كما يفعل الساسة في بريطانيا بأنهم
أصحاب رسالة أخلاقية يتحدون شرور المهربين".
والاتحاد الأوروبي هو المنظمة التي منحت المال لعمر البشير الرئيس السوداني
السابق لـ "السيطرة على الهجرة". وتحولت عصابات الجنجويد التي مارست
سياسة إبادة في دار فور، وأصبحت قوات الدعم السريع هي من تلاحق المهاجرين للاتحاد
الأوروبي وليس المتمردين.
وكان نهج الاتحاد الأوروبي كارثيا على السكان المحليين، فتحول سياسة الهجرة
الأوروبية إلى خارجية، أدى لتفكيك اقتصاد المناطق وتحطيم المجتمعات وخلق فرص لتهريب
البشر، وللجماعات الإسلامية المتشددة وتقويض الثقة بالسلطات المنتخبة. وتحولت النيجر
المحاذية لليبيا التي تعد من أفقر عشر دول في العالم، إلى "مختبر الهجرة
لأوروبا". ومن ناحية عدد السكان، فهي أكبر متلق للدعم الأوروبي، مقابل تغيير
النيجر لسياساتها من أجل أن تتناسب مع السياسة الأوروبية من الهجرة، بما في ذلك
تبني قانون 2015 ضد مهربي المهاجرين.
وتظل الهجرة جزءا من النسيج الاجتماعي لدول الساحل، وقبل أن تشعر أوروبا
بالتهديد؛ فإن معظم اقتصاد دوله متجذرة في حركة السكان؛ فسياسة بروكسل لم تؤد إلى
منع حركة السكان بين الدول، بل جعلتها صعبة داخل النيجر، ودمرت السياسة سبل المعيشة
للكثيرين الذين كانوا يتعيشون على طرق الهجرة بدون خلق بدائل لهم، ومن المفارقة
أنها ساعدت على خلق صناعة جديدة للاتجار بالبشر.
وأدت المطالب الأوروبية لتآكل الثقة العامة بالسلطات الحاكمة في هذه
البلدان، وقادت البعض للتساؤل"نعمل للاتحاد الأوروبي وليس من أجلهم، أي الناس
الذين انتخبونا". وهو سؤال يعبر عما قالته الممثلة الأوروبية السابقة للاتحاد
الأوروبي في منطقة الساحل، أنجيلا لوسادا: "حدود أوروبا الأمامية".
وهذه مفارقة؛ فالساسة الذين يؤكدون فكرة "الدفاع عن السيادة"
و"حماية الحدود"، لا يبالون عندما يدوسون على سيادة الدول الفقيرة، ولا
يحترمون الحدود طالما "أوقفت القوارب".
وزعم جينريك في تصريحات لصحيفة "التايمز"، أن مطالبة شمال أفريقيا
ودول الساحل وقف القوارب هو جزء من "نقل المعركة ضد مهربي البشر"، ولحماية المهاجرين و"منعهم من القيام برحلات خطيرة وغير ضرورية". وربما
كان هذا مقبولا أخلاقيا، لكن هدف جينريك هو دفع الدول الأخرى للعمل كشرطي لبريطانيا.
وربما تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، إلا أن عقلية الاتحاد الأوروبي من الهجرة
لا تزال مغروسة في السياسة البريطانية.