سياسة تركية

كليتشدار أوغلو يتعهد بإلغاء التأشيرة الأوروبية للأتراك.. ما واقعية ذلك؟

تسعى تركيا منذ 2005 إلى اللحاق بالعائلة الأوروبية- الأناضول
وعد مرشح المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو، المواطنين الأتراك بالسفر دون تأشيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي "شنغن"، إذا فاز في الانتخابات الرئاسية في 14 أيار/ مايو الجاري، في تلميح لإعادة تفعيل ملف عضوية أنقرة في تكتل الدول الأوروبية.

وفي مقابلة أجراها قبل أيام مع قناة تلفزيونية تركية، تعهد كليتشدار أوغلو بـ"حل مشاكل التأشيرة"، قائلا إن "الأتراك سيتمكنون في غضون ثلاثة أشهر من السفر إلى الاتحاد الأوروبي دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة شنغن". إلا أن مرشح المعارضة لم يقدم المزيد من التفاصيل حول الطرق التي سيسلكها للقيام بذلك.

ويُعتبر كمال كليتشدار أوغلو أبرز مرشحي المعارضة التركية لمنافسة الرئيس رجب الطيب أردوغان، الطامح إلى الفوز بفترة رئاسية جديدة في 14 أيار/ مايو الجاري.

هل يمكن للمواطنين الأتراك السفر إلى أوروبا؟

وتركيا حتى اليوم، ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي أو من دول فضاء "شنغن"، لذا فإنه يتعين على من يحمل جواز سفر تركي ويقرر السفر إلى دول التكتل التقدم بطلب للحصول على تأشيرة شنغن.

وتعتبر منطقة شنغن أكبر منطقة سفر حر في العالم، وتضم حاليا 27 دولة بما في ذلك 22 دولة في الاتحاد الأوروبي وآيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا.

وتسعى تركيا منذ 2005 إلى اللحاق بالعائلة الأوروبية، فيما قرر الاتحاد الأوروبي تعليق ملف انضمام أنقرة بسبب اختلاف في السياسات مع بروكسل، لا سيما في ما يتعلق بملف المهاجرين.

والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عملية طويلة الأمد، تشمل مواءمة تشريعات الدولة المرشحة مع القانون الأوروبي، كما أنها تتطلب مفاوضات معقدة حول العديد من الموضوعات والمعايير التي يصعب الوفاء بها بالنسبة لدولة في حالة حرب، مثل الاستقرار السياسي.

"انهيار مشروع الاستقلال التركي"

وفي تعليق، قال الصحفي والباحث في الشأن الأوروبي وسام أبو الهيجاء إن "منافسي الرئيس أردوغان يسعون لاستمالة الناخبين من خلال إطلاق وعود انتخابية تلامس تطلعات شريحة واسعة من الأتراك وعلى رأسها الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي في حال الفوز بالانتخابات، وهي وعود بعيدة المنال من الناحية العملية بالنظر إلى تعثر مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب جوهرية وأخرى تتعلق بالتوترات السياسية بين أنقرة وغالبية العواصم الأوروبية".

وأضاف في حديث لـ"عربي21": "علاوة على الإصلاحات التي يشترطها الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ"معايير كوبنهاغن" على أنقرة كشرط لقبول عضويتها في المنظومة الأوروبية، وهي معايير تتعلق بملفات حقوق الإنسان وحماية الأقليات والالتزام بالمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون".

وتابع أبو الهيجاء قائلا: "فإنه حدث ما هو غير متوقع ووصلت أحزاب المعارضة إلى سدة الحكم وظفرت بالأغلبية البرلمانية، ومن المتوقع أن نشهد انهيار مشروع الاستقلال التركي عن أوروبا والذي وصل إلى ذروته خلال فترة حكم الرئيس أردوغان، وبالتالي تجاوز بعض العقبات في مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث ستقدم المعارضة على تقديم تنازلات مجانية على الصعيدين الداخلي والجيوسياسي من شأنها إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل خروج أنقرة من التبعية الأوروبية".

وعن علاقة الرئيس التركي بالاتحاد الأوروبي، اعتبر أن "أوروبا تتمتع بالبراغماتية الكافية للتعامل مع شخص الرئيس أردوغان عندما يتعلق الأمر بمصالحها الحيوية والاستراتيجية رغم الخلافات الحادة التي سادت بين الطرفين خلال سنوات حكمه، لكنها تفتقر إلى الشجاعة الكافية لتجاوز مسألة الهوية الثقافية والدينية لتركيا لقبول دخولها إلى النادي الأوروبي، وهي مسألة جوهرية يدرك الرئيس أردوغان والأوروبيون على حد سواء استحالة تجاوزها نتيجة النزعة القومية السائدة في أوروبا".

وقال وسام أبو الهيجاء: "لذلك، فإن الحديث من قبل أحزاب المعارضة أو حتى الرئيس أردوغان حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يعد مجرد خطابات للاستهلاك الداخلي، حيث أصبحت الاتفاقات الثنائية بين الطرفين حلاً وسطاً يلبي احتياجاتهما ويخدم مصالحهما الحيوية، فيما باتت أنقرة زاهدة في عضوية الاتحاد الأوروبي لوجود قرار استراتيجي بالتوجه نحو آسيا والانضمام إلى تكتلات اقتصادية وسياسية وأمنية أكثر مرونة وأسرع نمواً كمنظمة شنغهاي للتعاون، وهو تكتل أوراسي طموح ما زالت أوروبا منقسمة حوله بسبب المخاوف من الهيمنة الصينية".

وأضاف: "في ضوء المتغيرات الجيوسياسية التي فرضتها الحرب على أوكرانيا في ما يتعلق بإمدادات الطاقة من سواحل البحر الأسود ومن العراق عبر تركيا إلى أوروبا، وبالنظر إلى الثقل العسكري الذي تمثله تركيا داخل حلف الناتو في ظل تنامي فرص الانزلاق بمواجهة عسكرية غربية متعددة الساحات مع روسيا، فقد باتت أوروبا أكثر انفتاحاً على انضمام تركيا إلى المنظومة الأوروبية وأكثر تقبلاً لهويتها الثقافية والدينية، وأصبحت أوروبا أكثر تقبلاً للتعاون مع الرئيس أردوغان بعد تبنيه سياسية تصفير الأزمات في البحر المتوسط وشمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط قبل عام ونصف".

وختم الباحث في شؤون الاتحاد الأوروبي بالقول إنه "من غير المستبعد أن تتخلى أوروبا عن سياسة المواجهة مع تركيا في حال فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي عودة المفاوضات بين الجانبين حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وفق أسس جديدة ومسار واضح".

عضوية تركيا

بدأ طموح تركيا بالانضمام إلى العائلة الأوروبية منذ عام 1963، حيث وقعت أنقرة وما كان يعرف بالجماعة الاقتصادية الأوروبية (تكونت حينها من ستة بلدان عام 1957، وكانت هذه الدول هي فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) اتفاقية اتحاد جمركي.

وكان من المفترض أن يكون الاتفاق بداية للانضمام الفعلي إلى الجماعة، وهي واحدة من المنظمات الأساسية التي أدت إلى تكوين الاتحاد الأوروبي لاحقا، خاصة مع توقيع بروتوكول إضافي عام 1970 وازدهار التبادل التجاري بين الطرفين، غير أن الحال بقي كما هو عليه، قبل تجميد عضوية تركيا بعد وقوع انقلاب عسكري فيها عام 1980.

وفي عام 1992، أصبحت تركيا عضوا منتسبا إلى اتحاد أوروبا الغربية وبقيت فيه حتى عام 2011. وفي عام 1995، أمضت تركيا على اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي واعتُرف بها رسميًا مرشحًا للعضوية الكاملة في قمة هلسنكي للمجلس الأوروبي التي عُقدت في 12 كانون الأول/ ديسمبر عام 1999.

وبصفة رسمية، بدأت المفاوضات بشأن عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي في 3 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2005، حيث اتسمت العملية بالبطء الشديد، إذ فُتح ستة عشر فصلًا فقط من بين الفصول الخمسة والثلاثين اللازمة لإكمال عملية الانضمام للاتحاد، وأُغلق واحد منها بحلول أيار/ مايو عام 2016.

وفي آذار/ مارس 2016، وعقب سلسلة من الاجتماعات، وقعت تركيا والاتحاد الأوروبي خطة عمل من أجل وقف موجات الهجرة غير الشرعية الكثيفة، التي تمر عبر تركيا براً وبحراً في طريقها إلى أوروبا. وكان المقصد من تلك الاتفاقية تسريع المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا إلى الاتحاد بعد فترة طويلة من الركود، والسماح للأتراك بالسفر عبر أوروبا دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة دخول.

لكن تعطلت المفاوضات خلال العامين اللذين تبعا التوقيع على اتفاقية المهاجرين، إلى أن صرح مجلس الشؤون العامة في الاتحاد الأوروبي في 26 حزيران/ يونيو عام 2018، بأن "المجلسَ يلاحظ تحرك تركيا بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي. ومن ثم فإن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى طريق مسدود، ولا يمكن النظر في فتح أي فصول أخرى من الفصول اللازمة لإكمال عملية الانضمام إلى الاتحاد أو حتى إغلاق أي منها، ومن غير المتوقع بذل المزيد من الجهود الخاصة لتجديد اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا".

اهتمامات الناخب التركي

ورغم طرح مرشح المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو نقطة السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن اهتمامات الناخب التركي تبدو بعيدة كل البعد عن التفكير بشأن ذلك.

وأظهر استطلاع للرأي، أعدته مؤسسة "ميتروبول" التركية الرائدة في المجال، أن 56.1 بالمئة من الناخبين الأتراك يعطون أولوية للملف الاقتصادي على حساب بقية القضايا في الانتخابات المزمع عقدها منتصف الشهر الجاري.


وقال الاستطلاع، الذي شمل 2610 شخصا في 26 محافظة تركية بين 1 و3 نيسان/ أبريل الماضي، إن الناخبين الأتراك مهتمون كذلك بسياسات الحكومة والعدالة والزلزال والتعليم والبطالة والإرهاب والمهاجرين.

وقال 6.8 بالمئة من المستجوبين إنهم يفكرون بأشياء أخرى مخالفة لما عرضه استطلاع الرأي، فيما اعتبر 3.1 بالمئة منهم أنهم ليست لهم مشاكل، و3 بالمئة لم يقدموا أجوبة.

في المقابل، خلت نقطة عضوية الاتحاد الأوروبي من اهتمامات الناخبين بحسب استطلاع الرأي الذي تم نشره في 25 نيسان/ أبريل الماضي، بهامش خطأ 1.8 بالمئة.