اتهمت
صحيفة "
إندبندنت" الحكومة البريطانية بالفشل في إجلاء مواطنيها من
السودان.
وتساءلت
في افتتاحيتها عن المطلوب من الحكومة لكي تظهر أنها تهتم بالمواطنين البريطانيين ونقلهم
من السودان وقد علقوا به بسبب الحرب بين جنرالين يحاول كل منهما فرض إرادته على شعب
تعداده 45 مليون نسمة.
وقالت
إن الجواب وللأسف لا يمكن الدفاع عنه ويعتمد "على الحال" وما إن كان المواطن
موظفا في السفارة البريطانية أو على علاقة بشخص يعمل بها أم لا. وقالت إن وزير الخارجية
هو الشخص المسؤول عن الأزمة التي تتكشف إن لم تكن "كارثة". وأخبر الوزير آندرو ميتشل مجلس العموم بأن الحكومة مسؤولة عن حماية المواطنين، وباهتمام خاص للذين
يعملون في الدولة.
وهذا
كلام لا يطمئن لأن الدولة تتحمل مسؤولية تقديم العناية، في الحد الأدنى للجميع بعيدا
عن الجهة التي يعملون لها عندما تتعرض حياتهم للخطر.
وفي
هذه اللحظة يختبئ مواطنون بريطانيون خوفا في الخرطوم وأم درمان ودار فور والأماكن الأخرى
التي انزلقت نحو الحرب وتحولت إلى محاور حرب. وهم بدون طعام ولا ماء ولا خدمات هاتف
والإنترنت لم يعد تعمل بشكل جيد. وكان عليهم التخلص من حيواناتهم الأليفة حتى لا
يموتوا جوعا. وهذه لحظة لا ينفع فيها الاختيار وتقرير من يجب إنقاذه وعدم إنقاذه، وهذا
بالضبط ما يحدث.
وقام
حوالي 1,200 نفر من كتيبة قتالية في البحرية البريطانية وسلاح الجو إلى جانب مركز الأزمة
في وزارة الخارجية بإخراج العاملين في السفارة وعوائلهم. وكانت عملية مثيرة للإعجاب،
لكن لا تفسير قدم عن سبب استبعاد البريطانيين الآخرين ونقلهم إلى الخارج.
وتقوم
القوات البريطانية من داخل السودان بعملية أخرى لنقل الذين تركوا في الوراء. وتقول
الصحيفة إن هذا مثير للحيرة ويذكر بعمليات الجلاء الكارثية من كابول عام 2021، وبخاصة
أن بقية الدول استطاعت إخراج مواطنيها- 700 من فرنسا وألمانيا و 350 أردنيا و 150 سعوديا
وإيطاليا وغير ذلك.
بل وأنقذ
الفرنسيون مواطنين بريطانيين نيابة عن حكومة لندن. وكل ما فعلته وزارة الخارجية هو
إرسال رسائل نصية للمواطنين البريطانيين في السودان تطالبهم بالتزام بيوتهم، ولكن كيف
سيعثرون على الطعام والماء.. هذا أمر غير واضح.
وقبل
أسبوع أكد ميتشل أن "أولويتنا هي حماية المواطنين البريطانيين العالقين وسط العنف"،
لكن لم يحصل كل المواطنين على الحماية. وبطريقة عرضية قال ميتشل إن على البريطانيين
الذين علقوا وسط النيران "اتخاذ قرارهم" وإن أرادوا الخروج من البلد فهم
يفعلون بناء على مسؤوليتهم، وهذا أمر ليس كافيا كما تقول الصحيفة. طبعا الظروف في السودان
مختلفة عن كابول 2021 عندما رفض وزير الخارجية في حينه دومينك راب تلقي مكالمة من رئيس
وزراء أفغانستان وبقي يستمتع بإجازته في جزيرة كريت.
ولا
توجد هناك قوات بريطانية في السودان ولا حكومة لتقديم الحماية لعملية إجلاء المواطنين،
فالوضع خطير واقتضى إجلاء طاقم السفارة.
وبلا
شك يقوم الدبلوماسيون البريطانيون بالعمل عبر صلاتهم المحلية والدولية لوقف النار،
لكن هذه مهمة حظها من النجاح قليل.
ويشعر
الواحد بعدم الراحة أنه لم يتم تعلم دروس كابول، وقد استطاعت دول بقدرات عسكرية صغيرة
مثل إيرلندا القيام بواجبها تجاه مواطنيها. ومن المخجل أن يكون السفير البريطاني ونائبه
غائبين عندما كانت الأزمة تتخمر وتم ترك الأمور لمدير الشؤون الدولية.
وتتحول
عملية الإجلاء من الخرطوم إلى قصة مدهشة عن التواطؤ والعجز بل والخيانة. والآن وقد
وصلت قوات سلاح الجو إلى ميناء بورتسودان، تقول وزارة الدفاع إنها تدرس مزيدا من الخيارات
العسكرية. وتقول الصحيفة إن رئيس الوزراء ريشي سوناك ترأس مجلس "كوبرا" للأمن
القومي وعليه التحرك بسرعة وإلا تحولت هذه العملية إلى فشل بتداعيات خطيرة.