منذ أيام قليلة أعلنت الحكومة
المصرية موافقة رأس النظام في الدولة على الإصدار
النهائي لوثيقة سياسة ملكية الدولة، وقد تم تناول مسودتها كأحد الموضوعات المهمة فيما
أطلق عليه الحوار الوطني، ثم انتهت إلى ما تم الإعلان عن إصداره في 29 كانون الأول/
ديسمبر عام 2022.
قرأت الوثيقة وقرأت الوثائق المتعلقة بها سواء قوانين أو لوائح تنفيذية أو قرارات
وزارية، وقرأت أيضا بعض تحليلات الخبراء والمتخصصين حولها.
وهأنذا لي على الوثيقة وما حولها عدة تساؤلات نابعة من حرص على دولة كانت يوما
أم الدنيا بالفعل، وكانت يوما يُعمل لها مليون حساب في التحركات الإقليمية والدولية،
وكانت يوما مصدر إلهام لكثير من الدول في شتى مجالات الحياة، فإذا بها الآن في حال
يرثى له وتسر العدو وتحزن الصديق.
أولا: ملاحظات عامة
ما صدر عبارة قرار من رئاسة مجلس الوزراء وما صدر بقرار يمكن إلغاؤه أو تعديله بقرار دون الحاجة لإجراءات قد تصعب الأمر على من يريد إلغائه، ويمكن أيضا إلغاؤه بحكم قضائي، وبهذا فتصبح الوثيقة ليست ذات قيمة معتبرة إلا بقدر اعتبار من وراءها سواء كانت الجهات أو الدول المقرضة أو المانحة أو أباطرة المستفيدين من الداخل والخارج
- وثيقة السياسات مصطلح متداول في المؤسسات الدولية مثل البنك
الدولي وصندوق النقد الدولي، ولم يتم إصدار المقصود منه في صورة قانون له أدوات وآثار
إصداره، وبالتالي فما صدر عبارة قرار من رئاسة مجلس الوزراء وما صدر بقرار يمكن إلغاؤه
أو تعديله بقرار دون الحاجة لإجراءات قد تصعب الأمر على من يريد إلغائه، ويمكن أيضا
إلغاؤه بحكم قضائي، وبهذا فتصبح الوثيقة ليست ذات قيمة معتبرة إلا بقدر اعتبار من وراءها
سواء كانت الجهات أو الدول المقرضة أو المانحة أو أباطرة المستفيدين من الداخل والخارج.
- كثير من النصوص الواردة بالوثيقة تعتبر أماني وأحلاما لدغدغة
مشاعر وكسب ود الرأي العام المصري، ولا تستند إلى واقع تعليمي أو ثقافي أو بيئي أو
إداري أو سياسي أو اقتصادي، مثال ذلك ما ورد في صفحتي 14 و15 من الوثيقة.
تساؤلات حول المبادئ الحاكمة لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي
ورد في الوثيقة عنوان المبادئ الحاكمة لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، ولي
عليه عدة تساؤلات:
- هل سيسترشد بالمبادي
التوجيهية بشأن حوكمة الشركات المملوكة للدولة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي
والتنمية، والتي تمثل مرجعية دولية للحكومات فعلا أم لاستكمال ديكور الوثيقة؟
- هل هي مبادئ حاكمة أم عرض لتمنيات وأحلام الشعب؟؟ وهل سيتم الانضباط
بها عند التنفيذ والتحاكم لها عند المخالفة؟؟
- هل يعتبر مبرر وجود الدولة كمالك أحد المبادئ الحاكمة لسياسة ملكية
الدولة للأصول، وهو العنوان الأول من هذه المبادئ؟؟
- ما مدى إلزامية هذه المبادئ؟ وماذا لو تم اختراق هذه المبادئ؟؟ ومن
الذي سيسائل ممثل الدولة (الصندوق السيادي أو غيره) على تنفيذ هذه المبادئ الحاكمة،
خاصة مع خلو قانون الصندوق السيادي من أي فرصة للرقابة الشعبية أو القضائية أو البرلمانية؟؟
تساؤلات حول الصندوق السيادي ودوره في سياسة ملكية الدولة
ذكرت الوثيقة أن صندوق مصر السيادي يلعب دورا مهما في تنفيذ سياسة ملكية الدولة
للأصول بما يتمشى مع أهداف الصندوق لجذب
استثمارات تعظم العائد للأجيال القادمة، وإذا
كان هذا هو دور الصندوق السيادي المصري ووفقا لما ورد في قانونه ونظامه الأساسي لي
عليه عدة تساؤلات.
- هل يمكن تعريف صندوق
مصر السيادي كما عرَّفه معهد
صناديق الثروة السيادية (SWFI) بأنه صندوق
أو كيان استثماري مملوك للدولة يتم إنشاؤه عادة من فوائض ميزان المدفوعات، وريع عمليات
الخصخصة، والعملات الأجنبية، ومدفوعات التحويل الحكومية، والفوائض المالية، أو المتحصلات
الناتجة عن صادرات الموارد؟
- من أي نوع يا ترى
صندوق مصر السيادي وفق أنواع وأغراض الصناديق السيادية التي حددتها نشرة صندوق النقد
الدولي؟؟
لماذا تم تنظيمه لأن تكون أمواله من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة وليست عامة، مما يحرمه من حصانة الأموال العامة التي تمنع من الاستيلاء أو الحجز أو وضع اليد عليها أو تملكها بالتقادم؟؟
- هل تم تنظيم صندوق مصر السيادي بما يحقق أغراض الصناديق السيادية
وفق توصيات صندوق النقد الدولي؟ وهل مشاركة الصندوق في تنفيذ سياسة ملكية الدولة للأصول
يحقق الأهداف الخاصة بالسياسة موضوع الوثيقة؟؟
- لماذا تم تنظيمه لأن تكون أمواله من الأموال
المملوكة للدولة ملكية خاصة وليست عامة، مما يحرمه من حصانة الأموال العامة التي تمنع
من الاستيلاء أو الحجز أو وضع اليد عليها أو تملكها بالتقادم؟؟
- ما المبرر لعدم تقيّد الصندوق بالقواعد والنظم
الحكومية؟ وأعتقد أن قواعد التعاقدات والرقابة هي المقصودة. هل تحرر الصندوق من القواعد
والنظم الحكومية لتوفير المرونة في اتخاذ القرارات التي تحقق أهدافه؟؟ أم لسهولة اتخاذ
القرارات التي تخرجه عن أهدافه؟
- ما علاقة البرلمان
المصري بغرفتيه بالصندوق السيادي؟ حيث لم يرد في قانون الصندوق أي إشارة لدور البرلمان
في الصندوق سواء بالمشاركة في تعيين أو انتخاب المجالس القيادية للصندوق أو حتى للرقابة
عليه، غير إمكانية أن يشارك مراجع حسابات من الجهاز في مراجعة وتقديم تقرير لمحلس إدارة
الصندوق فقط.
- لماذا استبعد
القانون رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على الصندوق؟؟ وما أثر ذلك على تحقيق الصندوق
لأغراض إنشائه؟ ولعل هذا من آثار كون الصندوق جهة خاصة وأمواله ليست أموالا عامة.
- ماذا تعني مشاركة
مراجع من الجهاز المركزي للمحاسبات في مراجعة حسابات الصندوق، ثم تقدم التقارير لمجلس
إدارة الصندوق فقط، الذي بدوره يقدمها للجمعية العمومية للصندوق التي بدورها تقدمها
لرئيس الجمهورية الذي بدوره يعين الجميع؟؟
- لما لا يشارك مراجعو الجهاز المركزي للمحاسبات في مراجعة
الصناديق الفرعية التي ينشئها الصندوق السيادي، رغم صورية المراجعة وعدم وصولها لمستوى
الرقابة الفعالة؟؟
لماذا تُحرم أجهزة الرقابة في الدولة سواء الشعبية أو قوى المجتمع المدني أو الحكومية أو القضائية من الرقابة على قرارات نقل ملكية الأصول للصندوق، ويقلص هذا الحق ليكون فقط لطرفي العملية وهما الصندوق السيادي والجهة المالكة للأصول؟؟
- لماذا يكون لرئيس الجمهورية قرار نقل ملكية أي أصل من
أصول الدولة
المستغلة أو غير المستغلة لملكية الصندوق، وله بطبيعة الحال كامل الصلاحية لإصدار قرارات
بإزالة النفع العام عن هذه الأصول، وقد يكون الأصل المنقول على درجة كبيرة من العلاقة
بأمن المواطن المالي أو الاجتماعي التي لا ينبغي معه إزالة صفة النفع العام عنه؟؟
- لماذا تُحرم أجهزة الرقابة في الدولة سواء الشعبية أو قوى المجتمع
المدني أو الحكومية أو القضائية من الرقابة على قرارات نقل ملكية الأصول للصندوق، ويقلص
هذا الحق ليكون فقط لطرفي العملية وهما الصندوق السيادي والجهة المالكة للأصول؟؟ هل
لذلك علاقة بما حدث في عملية جزيرتي تيران وصنافير؟؟
- لم هذه الحرية المطلقة لمجلس الإدارة في التصرف في أموال الصندوق
بأي كيفية يراها ولا يحدها سوى ضمير وخبرة القائمين عليه؟؟ مع خطورة التصرف في بعض
الأصول ذات البعد الاستراتيجي الأمني القومي.
- لماذا لم يراع القانون ضوابط الاستثمار الأجنبي في أصول الصندوق التي
هي أصول الدولة وتركها مطلقة، لا يحدها أيضا إلا خبرة وضمير القائمين على إدارة الصندوق؟؟
- ماذا عن تصفية الصندوق السيادي؟؟ كيف تتم؟؟ ولمن تؤول نتائج التصفية؟
أما عن تساؤلات حول جوهر الوثيقة ففي المقالات التالية بعون
الله.