استبعد الدكتور ديدي ولد السالك أستاذ العلوم السياسية بالجامعات
الموريتانية ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية أن تنخرط نواكشوط في محور
إقليمي مع الجزائر وإيران وروسيا في مقابل محور خليجي يضم المغرب أيضا والولايات
المتحدة.
وأوضح ولد السالك في حديث مع
"عربي21"، أن
زيارة وفد
إيراني رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية أمير عبد اللهيان إلى
موريتانيا ولقائه
بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، تأتي في سياق مسعى إيراني للتمدد في أفريقيا، وأن تتخذ من موريتانيا جسرا لذلك.
وقال: "لا شك أن موريتانيا تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران
التي استطاعت أن تتغلغل في أفريقيا الغربية في السنوات الأخيرة، وبالتأكيد فإن
موقع موريتانيا يساعدها على دعم هذا النفوذ".
لكن ولد السالك، أكد أن نواكشوط تتعامل مع المسعى الإيراني لتوطيد
العلاقات معها بحذر شديد، لثلاثة أسباب الأول هو الخوف من نشر التشيع في موريتانيا
وتهديد الوحدة الدينية الموريتانية، حيث تتغلغل إيران في غرب أفريقيا منذ عدة
سنوات عبر وسائل متعددة، والثاني أن إيران على عداء قوي مع المغرب ونواكشوط معنية
بعلاقات مستقرة مع الرباط، والسبب الثالث هو عداء إيران لدول الخليج الذين هم
حلفاء لولد الغزواني وداعمون له.
وأضاف: "الدليل على تحفظ نواكشوط وحذرها، هو عدم تحديدها لموعد
زيارة الرئيس ولد الغزواني إلى إيران على الرغم من رغبة إيران في ذلك".
وعما إذا كانت نواكشوط في وارد أن تخضع لضغوط جزائرية بتوطيد العلاقة
مع طهران لمواجهة المغرب بسبب تطبيعه مع إسرائيل، قال ولد السالك: "موريتانيا
معنية بالعلاقات مع الجزائر لسببين اثنين: الأول أن تكون العلاقات متوازنة مع
علاقات موريتانيا مع المغرب والثاني لجهة العلاقات الثنائية وخصوصا منها الجانبان
الأمني والاقتصادي، أما أن تكون العلاقات مدخلا لدخول موريتانيا في محاور إقليمية
فهو ما لا يمكن لنواكشوط أن تقدم عليه لظروفها الخاصة ولأهمية علاقاتها مع جميع
الأطراف"، وفق تعبيره.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، قد أعلن دعم
بلاده لأمن واستقرار أفريقيا والعمل من أجل "عالم آمن ومستقر".
جاء ذلك في تصريح نقلته "الأناضول"، عقب مباحثات أجراها
الوزير الإيراني مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في نواكشوط، أول
أمس الثلاثاء.
وأفاد أمير عبد اللهيان، أن إيران "تأتي في الخط الأمامي
لمكافحة الإرهاب وتدعم استقرار وأمن القارة الأفريقية".
وذكر أنه أجرى مباحثات مثمرة مع الرئيس الموريتاني أتاحت له
"التعرف على آرائه (الرئيس الموريتاني) حول مختلف القضايا الثنائية
والإقليمية والدولية".
واستطاعت نواكشوط الحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقرة مع طهران، دون
أن يؤثر ذلك على علاقتها مع حليفها الرئيسي السعودية.
ومع أنه لا وجود لأرقام دقيقة حول حجم التعاون بين الجانبين، إلا أن
مسؤولي البلدين يؤكدون، في مناسبات متواترة، أن علاقاتهما الثنائية قوية وتتجه نحو
مزيد من التطوّر.
وفي الرباط رأى رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد
سالم عبد الفتاح أن الزيارة الإيرانية إلى موريتانيا، تعد مصدرا للعديد من
التأويلات، ومنها إمكانية فتح نفوذ جديد بالمنطقة لإيران، والذي سيشكل تهديدا
أمنيا جديدا للمملكة المغربية.
وقال سالم عبد الفتاح، في تصريحات نقلتها صحيفة "الأيام24"
المغربية: "إن هاته الزيارة الإيرانية تأتي تحت سعي طهران للتوغل في المنطقة
المغاربية، عبر استغلالها للتحالف القوي الذي يجمعها مع الجزائر".
وأضاف سالم عبد الفتاح: "إن إيران بتحالفها مع الجزائر، نجحت في
وضع قدم لميليشياتها الإرهابية بمنطقة تيندوف، وذلك عبر تقديم التدريب العسكري
لنظيرتها من البوليساريو، إضافة إلى أن ميليشيات إيران توغلت أيضا بفضل الجزائر في
منطقة الساحل والصحراء".
وأشار رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إلى أن "موريتانيا
توجد ضمن أولويات الأجندات الجزائرية ـ الإيرانية، وذلك باعتبار أهميتها
الاستراتيجية في المنطقة"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "نواكشوط بالرغم من
الضغوط التي تواجهها من طهران والجزائر إلى أنها لا تزال عصية عن هذا التحالف،
والذي يستخدم جميع أشكال الابتزاز والإغراء".
ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن "التوازن الذي تعتمده
موريتانيا في سياستها الخارجية، يمكنها من تجاوز المحاولات الإيرانية، خاصة وأنها
تعلم حجم الشراكة والتعاون الذي يقدمه المغرب".
وخلص سالم عبد الفتاح إلى أن "التحالف الإيراني ـ الجزائري، يجد
فرصا كبيرة للتوغل في منطقة الساحل والصحراء بالنظر إلى الأزمات التي تعرفها
المنطقة، غير أنه سيجد صعوبة في تحقيق ذلك في موريتانيا بالنظر إلى عمق الوجود
المغربي بنواكشوط والذي يتأسس على منطق رابح ـ رابح، وبعيدا عن التدخل الأمني"،
وفق تعبيره.
وتأتي مخاوف المغرب من التمدد الإيراني في شمال أفريقيا في ظل توتر
متصاعد في العلاقات بين الرباط والجزائر، وصل حد قطع العلاقات الديبلوماسية بين
البلدين، وإقدام الجزائر على إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران المغربي بشكل تام.
يذكر أن الرباط كانت قد قطعت علاقاتها مع طهران في 1 أيار (مايو)
2018 بسبب اتهامات تفيد بتسهيل عمليات إرسال الأسلحة والدعم العسكري من جانب طهران
لجبهة "البوليساريو"، التي تسعى لاستقلال الصحراء. وهو ما نفته الخارجية
الإيرانية في حين دعمت قرار المغرب عدد من الدول الخليجية.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا
موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير
المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات الآلاف من لاجئي الإقليم.