أثارت
زيارة مدير وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، ويليام بيرنز، لطرابلس
وبنغازي نقاشا واسعا وصارت مادة حوار لفضائيات ليبية وعربية وكتب حولها كثير من
المهتمين بالشأن الليبي من الداخل والخارج، وحق لهم أن يفعلوا، ذلك أن هذه الزيارة
تشي بتغير في السياسة الأمريكية تجاه
ليبيا.
ويليام بيرنز شخصية لها وزنها في الوسط السياسي والدبلوماسي
الأمريكي، فهو من المقربين للرئيس جو بايدن، وله تاريخه في
العلاقات الخارجية
والسياسية الأمريكية خاصة في الشرق الأوسط، وهو ليس بجديد على الملف الليبي، غير
إن الإضافة هو أنه لم يعد موظفا ضمن الخارجية، بل هو اليوم على رأس وكالة المخابرات
الأمريكية، أكبر وأخطر أجهزة المخابرات في العالم.
وصل بيرنز إلى ليبيا بوزنه السياسي وخبرته كرجل دولة ولكن ليس بصفته
دبلوماسيا، بل كونه مدير الـ CIA، وهذا يرجح القول بأن واشنطن سلمت الملف
الليبي للمخابرات، وما يعزز هذا المذهب هو تناول بيرنز في لقائه مع حكومة الوحدة
الوطنية مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تهم الإدارة الأمريكية،
ولم يقتصر حديثه على مسائل في صلب العمل الأمني والمخابراتي.
أسباب هذا التحول المحتمل جدا في مقاربة واشنطن للملف الليبي عديدة
منها أن تكليف مسؤولين في البيت الأبيض أو الخارجية يعني اعترافا كاملا بشرعية
ادبيبة وحفتر، وهذا ما لا ترغبه الإدارة الأمريكية بإطلاق، وعندما يكون المسؤول
أمني فهذا لا يعني اعترافا كليا، وهو سلوك معروف في العلاقات الدولية.
من ناحية أخرى، فإن اتجاه الأزمة الليبية والذي عنوانه الأبرز النزاع
والصراع وتداخل فواعل محلية فيه تتحفظ عليهم الولايات المتحدة الأمريكية يتطلب أن
يكون في الواجهة جهازا أمنيا.
أضف إلى ما سبق التدخلات الخارجية والتي أخذت منعطفا حادا انتهى
بوجود عسكري ومخابراتي لأطراف إقليمية ودولية بعضها يهدد المصالح الأمريكية
كالوجود الروسي في ليبيا تحت غطاء قوات الفاغنر، والذي كان السبب الرئيسي في زيادة
الولايات المتحدة اهتمامها بليبيا خلال الأعوام الثلاث الماضية، والقوات التركية،
والتي وإن حقق تدخلها توازنا ترغبه واشنطن، إلا إن تعاظم النفوذ التركي العسكري في
الغرب الليبي يقلق الولايات المتحدة بلا ريب.
وصل بيرنز إلى ليبيا بوزنه السياسي وخبرته كرجل دولة ولكن ليس بصفته دبلوماسيا، بل كونه مدير الـ CIA، وهذا يرجح القول بأن واشنطن سلمت الملف الليبي للمخابرات، وما يعزز هذا المذهب هو تناول بيرنز في لقائه مع حكومة الوحدة الوطنية مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تهم الإدارة الأمريكية، ولم يقتصر حديثه على مسائل في صلب العمل الأمني والمخابراتي.
اختيار عبدالحميد ادبيبة وخليفة حفتر ليكونا نظيرا بيرنز في
المحادثات له دلالته المهمة، فقد يكون ذلك تعبيرا عن تحفظ أمريكي على السلطات
الأخرى، خاصة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ذلك أن حالة السخط الدولي تجاهها
إلى تصاعد، وعبر عن ذلك سفراء الدول الغربية صراحة في بياناتهم الأخيرة، ولم يتردد
مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن مؤخرا من اتهام المسؤولين في هذه الأجسام
بتكييف المسار السياسي والأساس الدستوري لصالح أشخاص بعينهم.
إلا إن الأهم في تقديم ادبيبة وحفتر هو الاعتقاد بأنهم أصحاب النفوذ
في مناطقهم، في الغرب والشرق، وأن طبيعة المرحلة بالنسبة لواشنطن ووكليها مدير الـ CIA طبيعة
عملية تتطلب قرارات تنفيذية لا يتمتع بها رؤوساء مجالس النواب والأعلى للدولة
والرئاسي.
هذا الاتجاه في التحليل يدفع إلى البحث حول الملفات والقضايا التي
حملها بيرنز طرابلس وبنغازي، ولأن المعلومات شحيحة جدا بالخصوص، فإن الأرجح في
التحليل البحث في أولويات الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الأزمة الليبية، والتي
يمكن أن تكون:
ـ الوجود الأجنبي، الروسي أولا، والتركي ثانيا.
ـ المجموعات المتشددة.
ـ المصالح الاقتصادية التي تمثلها الشركات الأمريكية العاملة في مجال
النفط.
ـ ضبط وتيرة التحول في البلاد بما لا يهدد مصالح والولايات المتحدة
وحلفائها.
بقي السؤال حول التوجه الأمريكي حيال الأزمة الليبية والنزاع الراهن
بعد زيارة بيرنز لطرابلس وبنغازي، وهنا يمكن القول أن بيرنز قد يكون ضمَّن بأجندة
الزيارة الحاجة إلى التوافق لإنجاح الانتخابات وأن واشنطن باتت موقنة بأن القطبين
القادرين على عرقلة الانتخابات هما ادبيبة في الغرب وحفتر في الشرق وأن ضمان سير
العملية السياسية وتحقيق التوافق لن يكون إلا بالضغط المباشر عليهما.