واصل
البنك المركزي المصري رفع أسعار
الفائدة ليتصدر قائمة البنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر زيادة في أسعار الفائدة، وفاجأ الأسواق بعد اجتماعه الأخير برفع سعر الفائدة 3 بالمئة.
وجاء قرار المركزي المصري، الخميس الماضي، بإقرار أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ 5 سنوات، مخالفا للتوقعات التي كانت تتراوح ما بين 1بالمئة و2 بالمئة؛ من أجل السيطرة على
التضخم وغلاء الأسعار في البلاد.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، للمرة الرابعة هذا العام من بين ثمانية اجتماعات عقدتها، رفع سعر الفائدة إلى 16.25٪ في حال الإيداع، و17.25٪ على الإقراض، بإجمالي 8 بالمئة وسط توقعات باستمرار رفع الفائدة.
ويهدف البنك المركزي من رفع الفائدة إلى تقليل معدلات التضخم بعد تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب في الآونة الأخيرة، وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى، وفي ارتفاع أسعار العديد من بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية.
قفزة بمعدلات التضخم والفائدة
في المقابل، استمر المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر في الارتفاع بدرجة أكبر خلال الربع الأخير من عام 2022، مسجلا 18.7% في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 وهو أعلى معدل له منذ كانون الأول/ ديسمبر 2017.
وبالمثل، استمر المعدل السنوي للتضخم الأساسي في الارتفاع منذ أكثر من عام ليسجل 21.5% في تشرين ثاني/ نوفمبر 2022 وهو أعلى معدل له منذ تشرين ثاني/نوفمبر 2017، وقد تأثر معدل التضخم بانخفاض قيمة الجنيه المصري، وزيادة المعروض النقدي بالإضافة إلى استمرار الآثار السلبية الناجمة عن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بحسب بيان المركزي.
الأعلى في تاريخ مصر
انتهج البنك المركزي في عهد رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، سياسة رفع الفائدة بوتيرة أسرع وبنسبة أعلى من الأسواق المجاورة من أجل جذب الأموال الساخنة للاستثمار في أدوات الدين الحكومية وتوفير موارد دولارية لمشروعاته الضخمة.
كانت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض قبل تولي السيسي السلطة 8.25% و9.25%، وهي ذات المعدلات تقريبا منذ عام 2010 لكن عقب تقلده مقاليد الحكم رفع البنك المركزي أسعار الفائدة 1% إلى 9.25% و10.25%.
ومنذ ذلك الحين واصل المركزي المصري رفع أسعار الفائدة في السنوات التالية ووصلت إلى مستويات جديدة عام 2016 حيث قرر رفع الفائدة أكثر من مرة ورفعها 300 نقطة 3% لتصل إلى 14.75 بالمئة و15.75 بالمئة على التوالي بعد تعويم الجنيه في تشرين ثاني/ نوفمبر 2016.
لم يتوقف المركزي عن رفع الفائدة، وفي عام 2017 قفزت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض 400 نقطة أساس 4% إلى 18.75% و19.97% على التوالي، وواكب ذلك ارتفاع التضخم إلى مستوى تاريخي ولامس 35%، وحافظت معدلات الفائدة على ارتفاعها طوال عام 2018.
منذ عام 2019 بدأت أسعار الفائدة في التراجع حتى عام 2020 و2021 عندما هبطت إلى 8.25% و9.25 للإيداع والإقراض ولكنه كان تراجعا مؤقتا مرهونا باستمرار تدفق الأموال الساخنة من الخارج وتثبيت سعر الجنيه أمام الدولار بدلا من تركه للعرض والطلب مع تراجع التضخم إلى خانة الآحاد.
لكن مع بداية عام 2022 عاد المركزي المصري إلى سياسة رفع الفائدة وقام برفع الفائدة 4 مرات بإجمالي 800 نقطة أساس 8% في محاولة لاحتواء التضخم الذي من المتوقع أن يصل إلى 25% قريبا ما يعني المزيد من الأعباء وغلاء الأسعار وتآكل مدخرات المصريين.
أعلى نسبة تضخم في مصر
كما
قفزت معدلات التضخم نتيجة تلك السياسات إلى أعلى مستوى لها في عهد السيسي، حيث أعلن البنك المركزي المصري في آب/ أغسطس 2017 عن ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 35.26 في المائة من 8.76% في حزيران/ يونيو 2014 أي أنه تضاعف 4 مرات في أقل من 3 سنوات.
وتسببت الارتفاعات القياسية في معدلات التضخم في حدوث طفرة سعرية وصفها البعض بـ "الفجوة الزمنية" في الأسعار ما بين عصرين في أقل من 36 شهرا، وباتت أسعار ما قبل 2014 من الماضي بعد أن تضاعفت أكثر من مرة إلى جانب تآكل مدخرات المصريين من جهة، وغلاء أسعار جميع السلع والمواد من جهة أخرى بما يشبه وضع الكماشة والمواطن في منتصفها.
الأموال الساخنة
نجحت سياسة زيادة أسعار الفائدة بشكل مستمر في جذب أموال ساخنة إلى أدوات الدين الحكومية وانتعش السوق المصري بتلك التدفقات بشكل تدريجي منذ عام 2017 ولكنه ظل متذبذبا بين الصعود والهبوط حتى بداية عام 2020 ومجيء فيروس كورونا للعالم.
ومنذ ذلك التاريخ انقلبت حسابات الحكومة المصرية رأسا على عقب؛ حيث هربت الأموال الساخنة بشكل مفاجئ وأسرع من المتوقع وخسر السوق في أول 3 شهور من عام 2020 أكثر من 10 مليارات دولار من الأموال الساخنة.
استمر هروب الأموال طوال العام التالي 2021 و2022 وقدر رئيس وزراء مصر حجم الأموال الساخنة الهاربة في الشهور الأولى من 2022 بأكثر من 20 مليار دولار ما جعل الجنيه المصري تحت ضغوط شديدة وخسر نحو 60% من قيمته، وعادت الأسعار للغلاء والفائدة للارتفاع مع توقف كبير لعجلة الإنتاج وتآكل استثمارات ومدخرات المصريين والشركات والمصانع.
أدت تلك السياسات إلى تكبد الاقتصاد المصري أكبر دين في تاريخه واحتلت قائمة الدول الأكثر اقتراضا في المنطقة بعد أن سجل 155.7 مليار دولار في نهاية حزيران/ يونيو الماضي.
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لحجم ديون مصر بنهاية عام 2022 إلى 172.1 مليار دولار بدلا من 142 مليار دولار مقدّرة في نيسان/ إبريل الماضي، بزيادة قدرها 30 مليار دولار ما يعني تحميل الموازنة أعباء إضافية والمواطنين بمزيد من الضرائب لتمويل العجز المتفاقم.
توقعات مخيفة
بشأن دلالة تلك الخطوة يرى الخبير المصرفي شريف عثمان أن "استمرار ارتفاع معدلات الفائدة يعني التضخم خلال الشهور المقبلة"، مشيرا إلى أن "التضخم سوف يصل إلى أعلى مستوى له العام الجديد 2023 مع استمرار أزمة نقص النقد الأجنبي".
يعتقد عثمان في حديثه لـ"عربي21" أن "السبب الحقيقي وراء رفع أسعار الفائدة، ليس فقط مواجهة معدلات التضخم المرتفعة كما يقول المركزي المصري، بل هو البحث عن الأموال الساخنة مجددا، أي الاستثمار غير المباشر في سندات وأدوات الدين بعائد مرتفع".
وأكد أن "المركزي المصري يضع نصب عينيه في المقام الأول توفير حصيلة من العملة الأجنبية تسمح له بالتدخل في الأسواق مع التعويم المنتظر، حيث يترقب صندوق النقد الدولي اعتماد نظام صرف مرن دائم، ولا يجد سبيلا لذلك إلا من خلال الأموال الساخنة".
الدولار يذكي الفائدة والتضخم
أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية، مصطفى شاهين، قال إن "التضخم المرتفع الذي يصل إلى 21.5% لا يعوضه حتى الآن زيادة أسعار الفائدة البالغة 16.25%، وبالتالي فإن معدلات الفائدة الجديدة غير جاذبة لأموال المودعين لأنها ستحقق لهم خسائر في الفرق بين التضخم وسعر الفائدة".
وأكد لـ"عربي21" "أن رفع أسعار الفائدة هو مسكن؛ الحكومة لديها التزامات كبيرة سواء ناحية سداد فواتير الاستيراد وسداد فوائد القروض"، مشيرا إلى أن "تهدئة المخاوف بشأن مستقبل الجنيه وانخفاض التضخم مرهون بقدرة الحكومة المصرية على توفير العملة الصعبة اللازمة وإلا فسوف تصبح في أزمة كبيرة وأبرز مظاهرها عودة الدولار للارتفاع مجددا أمام الجنيه المصري".