التصريحات النارية للنظام
السوري، التي تتكرر كل أسبوع وكل يوم على مدار العام، عن مواجهته الغارات
الإسرائيلية على الأراضي السورية والتي أصبحت "اعتيادية" مع بيانات
محفوظة عن ظهر قلب بخصوص "تصدي وسائط دفاعنا الجوي" للصواريخ المعادية منذ
زمن بعيد، أسست لحالة تشاؤم ويأس أكثر من ذي قبل.
ولأن التفاؤل لم يترجم على
أرض الواقع الذي يعول عليه النظام السوري إلا في بث روح الإحباط داخل المجتمع
السوري، وفرض الخذلان عليه، تَظهر مجدداً معزوفة إغداق الصفات الحميدة والمناقب
الرشيدة على نظام
الأسد، بنبرةً تعلو أصوات ضحاياه، من حناجر الأسد العربية
المحتارة في كيفية المضي بالحكم وبالمقاومة دون تكاتف الأسد معها، تصدح بوجوب
التكاتف لما تتعرض له السيادة السورية من اختراق وعدوان "إسرائيلي"؛ دون
غيره من اعتداءات استهدفت ملايين السوريين قتلى ومهجرين ومعتقلين ونازحين، كذريعة
تبرر التخلي عن ضحايا والتمييز بينهم، فكل من وقع تحت ضربات النظام لا يجوز
الاقتراب من معاناته.
العدوان الإسرائيلي المُتكرر
على الأرض السورية، يلقى تساهلا كبيرا؛ ليس من المجتمع الدولي المنافق مع قضايا
عربية كثيرة في مقدمتها قضية فلسطين، بل من النظام نفسه الذي يعتبر أن هذا العدوان
لا يهدد استقرار النظام واستمراره، بل يمنح النظام الكثير والكثير من السواتر التي
تؤمن له الاستمرارية في استخدام "المؤامرة" والعدوان وما إلى ذلك، كي
يفتح جبهته الداخلية على المجتمع السوري ويوقع بها ما أوقع من خسائر لا تستطيع
المؤسسة الصهيونية إحداثها في حرب المواجهة؛ إن وقعت مع "الجيش والشعب السوري"
أو إذا كان يجهز نفسه لدرء العدوان واستعادة أرضه المحتلة.
لكن الاحتلال الإسرائيلي كل
مرة، ومع كل ذريعة لجيشه بعد كل غارة، يعلن أن الهدف من وراء العدوان "أذرع إيران
وقواعدها"، وهي رسالة مبطنة للنظام "أنت في أمان". وكما نقل موقع واللا
العبري بعد آخر غارة قبل أيام، فإن "إسرائيل تمكنت في السنوات الأخيرة من صد
وإحباط كل القدرات الإيرانية تقريباً، لنقل وتهريب أسلحة في
سوريا إلى حزب الله في
لبنان، بالإضافة إلى محاولات قدرة إيران على إنتاج السلاح في سوريا وإقامة قواعد
لمليشيات تابعة لها، وذلك بفعل العمليات والهجمات التي شنّها الجيش الإسرائيلي في
سوريا ضمن ما تسمى "المعركة بين الحروب"، وهو الاسم الذي اختارته
إسرائيل للغارات والهجمات التي تشنها دائماً في سوريا".
جردة الحساب الإسرائيلية من
وراء العدوان على سوريا، وفيرة قياساً برد النظام السوري على العدوان، والخلو من
أي خطط عسكرية وأمنية واقتصادية تعني خوض المواجهة؛ ليس في الرد على الغارات فقط،
بل لأن الاحتلال يغتصب جزءا من الأرض السورية، ولأن وجوده ككيان مغتصب لأرض فلسطين
ومشروعه الاستعماري يشكل خطراً وجوديا على المجتمعات العربية حسب أدبيات النظام
السوري و"عقيدته السياسية والعسكرية"، التي باتت فارغة من هذه المضامين
المستعاض عنها دوماً بشن حرب التحطيم على المجتمع السوري تحت نفس العقيدة؛ لكن
المستهدف فقط الشعب السوري الذي خبر قوة مؤسسته العسكرية والأمنية على أجساد أبنائه
وحُطام مدنه كـ"ردٍ مزلزل" على أوكار الحياة، بطائرات وصواريخ ودبابات
بوصلتها قطب وحيد نحو الداخل السوري لتأمين وجود النظام واستمراره.
إذن المسألة المنهاجية
المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على الأرض السورية، تكمن في تحديد العدو الواضح
لغاراته. النظام خارج دائرة الأهداف، وترسانته العسكرية والأمنية وخططه الاقتصادية
والاجتماعية منذ أكثر من خمسة عقود؛ غرقت وتلاشت في الإمعان بحاضر سوريا الذي حولته
تلك الترسانة لمؤسسة قادرة على بسط سيطرتها الأمنية الوحشية على المجتمع، ويكفينا
ما سمعناه وشاهدناه وعايشناه على مدار العقد الماضي بثقل المذابح والجرائم، ومن
قدرةٍ لجيش الأسد تعجز صواريخ العدو من الوصول إليها وتحقيق نتائجها، كما اتضح
المقصود من "المقاومة والممانعة" التي ما إن ذُكرت مفردتها على مسامع
الإنسان العربي حتى يحيلك المستمع لملايين الشواهد والمواقف المناقضة لها، وتلك من
الغلال الوفيرة التي يحصدها المحتل في عدوانه ويستخدمها المُعتدى عليه في سقوطه
ليتمرغ أكثر في الوحل.
twitter.com/nizar_sahli