أعلنت كل من لبنان وإسرائيل الأسبوع المنصرم توصلّهما الى إتفاق يقضي بترسيم حدودها البحرية وذلك بعد عدّة جولات من المفاوضات التي تمّت من خلال الوسيط الأمريكي. وتمّ هذا الاتفاق في ربع الساعة الأخيرة كما يُقال، قبيل إنتهاء ولاية الرئيس اللبناني من الناحية الدستورية في نهاية الشهر المنصرم. ويقضي الاتفاق بشكل مقتضب باحتفاظ إسرائيل بشكل كامل بحقل كاريش الذي يقع شطر منه شمال الخط 29 باتجاه الخط 23، وحصول لبنان على حقل قانا كاملاً رغم أنّ جزءاً بسيطاً منه يقع جنوب الخط 23 باتجاه الخط 29، على أن يتم دفع جزء من عائدات استخراج الغاز من القسم الجنوبي من حقل قانا في حال وجود غاز من قبل الشركة التي تعمل فيه الى إسرائيل.
الجانبان يقولان إنّ الاتفاق ضمن حقوقهما كاملة وسيحقق الاستقرار في المنطقة ويتيح استثمار الموارد بشكل فوري. رئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد قال انّ الاتفاق يضمن كامل مصالح البلاد السياسية والإقتصادية والأمنية وأنّه يحقق الاستقرار ويخفف من إحتمال اندلاع صراع. الرئيس اللبناني ميشال عون المحسوب على حزب الله، قال انّ الاتفاق إنجاز تاريخي وأنّ الجانب اللبناني حصل على حقوقه كاملة ولم يتنازل عن واحد كلم من مياهه وانّه أضاف إليها حقل قانا كاملاً.
وتحدّث الطرفان عن ضمانات تم الحصول عليها لإنجاز الاتفاق، فيما وصف الجانب الأمريكي، الذي قام بجهود مضنية إمتدّت في الجولة الأخيرة من المفاوضات عدّة أشهر، الاتفاق بالتاريخي، مشيراً الى انّه سيجلب موارد طاقة جديدة ليس للبلدين فحسب، وإنما للأسواق الدولية أيضاً. كما هنّأ الرئيس الأمريكي الطرفين على التوصل لهذا الاتفاق مُبدياً دعمه لهما.
تعرّض الإتّفاق لإنتقاد شديد من قبل جهات داخلية لدى الطرفين. في لبنان، بدت شريحة واسعة من اللبنانيين غير مؤيّدة لهذا الاتفاق على إعتبار أنّه يقر بتنازل السلطات اللبنانية وداعميهم (حزب الله) عن مساحة من مناطق سيادية لبنانية تمتد حتى الخطط 29، وخسارة لبنان الاشتباك مع حقل كاريش وعشرات إن لم يكن مئات مليارات الدولارات. في إسرائيل، اعتبر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو أنّ حكومة جديدة برئاسته لن تلتزم بهذا الإتفاق أو تحترمه، وهو بمثابة تخلي ورضوخ لرئيس حكومة ضعيف تم بموجبها التنازل عمّا أسماه حقوق إسرائيل دون مناقشة في الكنيسيت أو تفويض قانوني.
الاتفاق من شأنه أن يسمح للطرفين بالعمل بشكل فوري على جهود استخراج وتصدير الغاز، وهو ما سيخلق في حال حصوله مصلحة مشتركة في تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحدودية التي ستُعدُّ بمثابة مصدر أساسي للطاقة والعملة الصعبة للبلدين. وبالرغم من نفي السلطات اللبنانية وداعميها ان يكون الاتفاق مدخلاً للتطبيع مع إسرائيل، إلا أنّ اعترافاً بترسيم حدود بحرية مع تل أبيب هو اعتراف قانوني بوجودها، وقد يفتح ذلك بالضرورة الباب مستقبلاً أمام ترسيم برّي مشابه.
يعتقد البعض أنّ موافقة حزب الله على الاتفاق كانت بسبب حاجته الماسة إلى الحصول على جزء من الكعكة، وحاجته إلى إعادة تأهيل لبنان كي يستطيع الحزب بدوره أن يعود إلى لعبته القديمة التي تقوم على تقديم نفسه كحامٍ لبنان في وجه إسرائيل.
الاتفاق قد يسرّع من جهود ترسيم الحدود بين أطراف مختلفة شرق البحر المتوسط أملاً في إستثمارٍ أسرع للثروات. الرئيس اللبناني دعا بالفعل الى ترسيم للحدود مع سوريا حيث يتواجد نزاع مسابه بين بيروت ودمشق يطّلع جهود البلدين في الإستثمار الأمثل في المناطق البحرية المتنازع عليها والمجاورة لها. علاوةً على ذلك، سيكون من مصلحة لبنان إجراء ترسيم للحدود البحرية مع قبرص. في المقابل، قد يترك الاتفاق آثاراه أيضاً على أي تفاوض محتمل مستقبلاً بين تركيا واليونان حيث فشل الطرفان حتى الآن في حلّ خلافهما بسبب مطالب اليونانية التوسّعية ودعم أمريكا والاتحاد الأوروبي الكامل لها وعدم التفاوض على صيغة مقبولة للحل.
الاتفاق سيقوّي من علاقة إسرائيل مع مصر فيما يتعلق بتسييل وتصدير الغاز، فبسبب زيارة قدرة إسرائيل على إستخراج وتصدير المزيد من الغاز، سيكون هناك حاجة الى قدرة أكبر على التسييل عبر المنصّات المصرّية. لكن في المقابل، قد يسرّع هذا الاتفاق من التفاوض حول إعادة تفعيل مشروع خط أنابيب إسرائيل- تركيا عبر قبرص وذلك لانّ الاعتماد الكامل على مصر للتسييل هو أكثر كلفة من الناحية المالية واكثر استهلاكاً للوقت. وفي حال تفعيل التفاوض على هذا الخط، فسيُعدّ ذلك بمثابة ضربة قاضية لمشروع إيست ميد اليوناني.
هناك خلاف فيما يتعلق بتفسير وقع الاتفاق على حزب الله والعلاقة بين حزب الله وإيران. هناك من يشير بأنّ حصول الاتفاق بموافقة ورضى ودعم من حزب الله هو بحد ذاته ضربة للحزب ولسرديّته الرافضة لإسرائيل نظراً لإقرار الاتفاق بإسرائيل من جهة، ومصادقة الحزب على التنازل عن حقوق لبنان من جهة أخرى. الجانب الإسرائيلي يعتقد انّ حصول لبنان على المال جراء إستخراج او تصدير الغاز سيضعف من العلاقة بين حزب الله وإيران، وهو إفتراض قد لا يصح على الأرجح.
في المقابل، يعتقد البعض أنّ موافقة حزب الله على الاتفاق كانت بسبب حاجته الماسة إلى الحصول على جزء من الكعكة، وحاجته إلى إعادة تأهيل لبنان كي يستطيع الحزب بدوره أن يعود إلى لعبته القديمة التي تقوم على تقديم نفسه كحامٍ للبنان في وجه إسرائيل. لكن موقع ودور حزب الله الوظيفي في لبنان قد يضعف على الأرجح لانّه يكون قد استهلك كل أوراقه ولم يعد بإمكانه التسويق لحرب ضد إسرائيل كما كان عليه الأمر سابقاً من جهة، ولأنّ هذا الاتفاق يخلق مصالح مشتركة مستقبلاً بين لبنان وإسرائيل ليس أقلّها آلية الاتفاق على الترسيم وتصدير الغاز مستقبلاً والذي لا بد انّه سيكون على الأرجح من خلال إسرائيل.
وطنيون وخونة وأكاذيب رسمية.. (أكفر بكم ـ 5)
الاتفاقية الليبية مع تركيا في عمق الصراع السياسي