كان "يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة" هكذا كان يصف نفسه، صاحب أسرع وأقوى وأخف لكمة في العالم، وكان يفضل أن يلقب بـ "الأعظم" في الملاكمة.
توج بلقب "رياضي القرن" و"أعظم لاعب في القرن" متفوقا على العديد من الرياضيين ومنهم مارادونا وبيليه ومايكل جوردان وغيرهم.
الملاكم الأكثر جاذبية في تاريخ هذه الرياضة، وصاحب مواهب فريدة، وشخصية مثيرة للجدل تطاردها وتحبها الصحافة والإعلام في كل مكان.
نشأ محمد علي المولود عام 1942 في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي باسم كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور، على المذهب المعمداني، وبعد أن اعتنق الإسلام في عام 1964 غير اسمه إلى محمد علي.
فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات على مدى عشرين عاما في أعوام 1964 و1974 و1978.
وخاض مسيرة حافلة تضمنت 56 فوزا منها 37 بالضربة القاضية و5 هزائم، وفي عام 2000 أقر "الكونغرس" الأمريكي قانونا عرف بـ"قانون علي" من أجل حماية حقوق الملاكمين.
كانت بدايته في عالم الملاكمة بمحض الصدفة حين كان في سن 12 عاما حيث كان يطارد لصا سرق دراجته. وحقق عدة ألقاب على المستويين المحلي والوطني وهو دون سن 18 عاما، ونال الميدالية الذهبية لأولمبياد روما عام 1960 عن فئة وزن الخفيف الثقيل.
اتجه في عام 1960 إلى عالم الاحتراف، حيث خاض خلال السنوات الثلاث التالية 19 نزالا فاز فيها جميعا، من بينها 15 بالضربة القاضية، كما حقق المفاجأة في عام 1964 بهزيمته لبطل العالم في الملاكمة آنذاك سوني ليستون، وفاز بلقب بطولة العالم لملاكمة المحترفين للوزن الثقيل للمرة الأولى، وكان عمره 22 عاما.
في تلك الفترة أشهر إسلامه وانضم إلى جماعة "أمة الإسلام" بتأثير من قائدها إليجاه محمد، وحبا برفيقه مالكوم أكس. ولم يستمر انضمام محمد علي إلى جماعة "أمة الإسلام" طويلا حيث اختلف معهم في الكثير من أفكارهم، فأنشأ أعماله الخيرية والدعوية محاولا تصحيح الصورة الخاطئة التي رسخت في أذهان الغرب عن الإسلام والمسلمين.
في عام 1964 رسب محمد علي في الاختبارات المؤهلة للالتحاق بالجيش الأمريكي لأن مهاراته الكتابية واللغوية كانت "دون المستوى" بحسب الفحص. لكن بعد عامين تمت مراجعة الاختبارات وصنف بأنه مؤهل للالتحاق بالقوات المسلحة في أوج حرب أمريكا في فيتنام، فأعلن رفضه الخدمة في الجيش واعتبر نفسه معارضا للحرب.
وقال يومها: "هذه الحرب ضد تعاليم القرآن، وليس من المفترض أن نخوض حروبا إلا إذا كانت في سبيل الله". كما أعلن في عام 1966: "لن أحاربهم فهم لم يلقبوني بالزنجي".
وردا على موقفه وفي قمة انتصاراته في عالم الملاكمة، سحب لقب البطولة منه، فاضطر للسفر إلى أوروبا وكندا لخوض مباريات ضد ملاكمين معروفين في ذلك الوقت.
وأصدرت المحكمة الأمريكية العليا قرارا بإلغاء إدانة علي بالإجماع عام 1971، وقد جعلت القضية منه رمزا بالنسبة لجيل الثقافة المضادة الذين تعاطفوا مع آرائه المناهضة للحرب والتجنيد والمدافع عن حقوق السود.
وفور عودته إلى الولايات المتحدة انطلق علي لملاقاة كليفلاند ويليامز في مدينة هيوستن في عام 1966. ولفتت هذه المباراة الأنظار بعد أن حطمت رقما قياسيا في تعداد الحضور داخل القاعة المغلقة والذي وصل إلى 35 ألف مشجع، واستطاع أن يسيطر على المباراة والفوز بالضربة القاضية حيث يعتبرها البعض أفضل أداء له على مدار مهنته.
وفي نفس المدينة خاض قتالا عنيفا جدا ضد الملاكم إيرني تيريل وهو ملاكم لم يهزم على مدار خمس سنوات، وقبل المباراة استفز تيريل، محمد علي في وسائل الإعلام مناديا إياه باسمه القديم "كاسياس كلاي" بهدف إزعاجه، وأضاف: "أريد تعذيبه بالضربة القاضية".
مما استفز علي الذي قرر الانتقام منه ووجه لتيريل جملته الشهيرة في إحدى اللقاءات التليفزيونية "لم لا تناديني باسمي يا رجل؟ لم أقل لك إن اسمي هو كاسياس كلاي وإنما اسمي هو محمد علي، سأعاقبك وأجعلك تنطق اسمي الحقيقي داخل الحلبة بعد المنازلة إن لم تنطقه الآن".
وبالفعل وفي الجولة السابعة من المباراة بدأت الدماء تسيل من وجه تيريل، وفي الجولة الثامنة، سخر علي من تيريل، وصاح به "ما هو اسمي، ما هو اسمي؟" وفاز علي بتلك المباراة وأجبر الجميع على احترام اسمه الجديد. ووصف النقاد المباراة بأنها "واحدة من أبشع معارك الملاكمة". كما كتب النقاد "لقد كانت مظاهرة رائعة من مهارة الملاكمة وعرض البربرية الوحشية." ونفى علي الاتهامات الموجهة له بالقسوة على خصمه قائلا: "أنا لم أكرهه، لم أحبه ولكني لم أكرهه، ولكنه لم يكن يمزح بشأن اسمي، كان يتعمد الإهانة وأنا لا أقبل الهزل فيما يخص ديني واسمي".
ومن المباريات التي تؤرخ في الملاكمة المواجهة التي وقعت عام 1970 وسميت بـ "مباراة القرن" ضد جو فريزر حيث لم يهزم فريزر وعلي في أي مباراة من قبل، وكانت المباراة واحدة من 3 مباريات متفرقة فاز محمد علي باثنتين منها.
وفي عام 1974 هزم علي الملاكم القوي جورج فورمان في واحدة من أقوى المباريات في تاريخ الملاكمة والتي أقيمت في غابة في زائير بأفريقيا لذلك سميت بـ"ملاكمة الغابة" و"مواجهة الغابة". وبتكتيك مدهش استطاع علي الانتصار على فورمان والحصول على اللقب، وكانت المواجهة موضوعا للفيلم الوثائقي "حين كنا ملوكا" الفائز بجائزة الأوسكار للأفلام الوثائقية عام 1996 وصنفت المباراة بأنها سابع أعظم لحظة رياضية في التاريخ.
خسر محمد علي 5 مرات فقط في مسيرته الرياضية، أولها أمام جو فريزر عام 1971، وأمام كين نورتون عام 1973، وليون سبينكس عام 1978، ولاري هولمز عام 1980، والخامسة أمام تريفور بربيك عام 1981.
على الصعيد الشخصي تزوج محمد علي أربع مرات ولديه سبع بنات وولدان، واعتزل الملاكمة عام 1981 وقد كان عمره 39 عاما، ولم يلبث أن أعلن عن إصابته في عام 1984 بداء "باركنسون" أو ما يعرف بـ"الشلل الرعاشي"، والذي أثر على طريقة كلامه وجعله شبه مسجون في جسده، وتدهورت حالته الصحية في عام 2005 بشكل ملحوظ، وتوالت بعدها نكساته الصحية.
وفي الثالث من حزيران/ يونيو عام 2016 أعلنت وفاته بعد معاناته من مشاكل صحية في القنوات التنفسية.
كان ملاكما استثنائيا ومدافعا عتيدا وعنيدا عن مبادئه حتى وإن كلفه ذلك لقب البطولة و3 سنوات من حياته المهنية.
وخلال مسيرته الرياضية لم تغب صورة الإسلام عن ذهنه ففي أحد لقاءاته، قال: "قريبا سأصبح رجلا متقدما في السن، وقد يدركني الموت في أي لحظة، فالله سبحانه وتعالى جعلني أفضل رياضي، وأشهر إنسان في العالم، وسوف أستخدم هذه الشعبية الكبيرة التي منَّ الله علي بها، من أجل نشر تعاليم الدين الإسلامي في كل مكان".
ومن المواقف السياسية التي لا زالت حاضرة توسطه لدى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لإطلاق سراح نحو 5 آلاف أجنبي احتجزوا كرهائن في بغداد عام 1990، وقد نجحت وساطته وأطلق سراح أغلب أولئك الرهائن.
ومن أقواله التي ألهمت الملايين "طلبت من الله الثروة فأعطاني الإسلام. لا يهم ما إذا كنت مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، عندما تؤمن بالله ينبغي أن تعتقد أن جميع الناس جزء من عائلة".
لا يزال رغم توقفه عن الرياضة منذ عام 1981 ومرور 6 سنوات على رحيله يتوج بلقب أهم رياضي في القرن الماضي، فقد حقق مسيرة رياضية استثنائية في مسار مواز لجميع الأحداث السياسية التي شهدتها تلك الفترة، وربما سيبقى كذلك لأجيال قادمة.