"طالما أنا رئيس الحكومة لن يكون هناك (تطبيق لاتفاق) أوسلو".. بهذا الموقف أعاد رئيس وزراء
الاحتلال نفتالي بينيت قبل أيام؛ التأكيد على موقف حكومات
إسرائيل من عملية "السلام" والعلاقة مع الجانب
الفلسطيني، ورفضه لقاء أي من مسؤولي السلطة الفلسطينية للتفاوض على أي قضية سياسية.
وضوح الموقف الإسرائيلي ليس بحاجة لشرح بقدر ما يشكل إضافة ثقيلة إلى الأوهام العربية والفلسطينية من المناورة التعيسة المتصلة بمستقبل قضية فلسطين، كما أثبتت التجربة غير مرة في مرحلة ما بعد أوسلو.
ومن هنا يمكن النظر إلى مواقف حكومة نفتالي بينيت الأخيرة، على أنها ذات "قيمة استرتيجية" تترك بصماتها على مستقبل العلاقة مع الجانب الفلسطيني والعربي، والتي حُددت بالمفهوم الاقتصادي والأمني الذي يصب في مصلحة السياسة الاستعمارية لإسرائيل على الأرض، خصوصاً أن كل المساعي الفلسطينية والعربية والدولية اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي المُؤيد بالتشجيع والدعم الأمريكي للسياسات العدوانية الإسرائيلية، إضافة إلى نجاح المؤسسة الصهيونية في اكتساب عنصر السلامة والأمن بفضل
التطبيع مع أنظمة عربية ومع السلطة الفلسطينية، وما انطوت عليه هذه المكاسب من أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية؛ شكلت العمود الفقري لاستكمال مراحل تهويد القدس وطرد سكانها من منازلهم، ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان والعدوان على الفلسطينيين في أرضهم وتاريخهم وتراثهم ومقدساتهم.
يوم إسرائيل العربي
صحيح أن العالم العربي شهد تبدلات كثيرة في العقد الأخير مع اندلاع الثورات العربية، وانكشاف عرى التحالف بين أنظمة الاستبداد العربي والمؤسسة الصهيونية، لكن هذه التبدلات كشفت عن حقائق ثابتة ساهمت في خلق مناخ أكثر مؤاتاة لإسرائيل في حصد نتائج استثمار النظام العربي للسلطة والأمن، وما خلفه هذا الاستثمار من دمار وتحطيم على المجتمعات العربية، وخلق تغييرات مهمة تشير بوضوح ودقة إلى أن الدعم الحثيث والقوي للمشروع الاستعماري للحركة الصهيونية لا يقتصر على دور"قوى الإمبريالية" العالمية؛ بقدر ارتكازه على قوى الطغيان العربي ودور الاستبداد في رفد هذا المشروع بكل سبل البقاء والقوة، وهو نابع بالأساس من هذا التحالف، القائم على تقوية الأنظمة العربية التي تسعى إلى نظام عربي قائم على الأمن والبطش والعسكرة، وتسعى للاحتفاء بـ"يوم إسرائيل" في عواصم عربية.
غيبوبة فلسطينية
فالأصوات العربية والفلسطينية التي كانت تدعو بنبرة خفيضة بالسر إلى شيء من القبول بإسرائيل متغيرة، بحيث تصبح أكثر اعتدالا وجنوحا نحو السلام، أصبحت تجهر بقبول ودعم مشاريعها الاستعمارية وتثني عليها، وترفع راياتها وتعزف نشيدها مقابل ممارسة الضغوط على الضحايا ومحاصرتهم وشيطنتهم وفق الرواية الصهيونية، ورفع الجدل بازدراء عن جدوى نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني لهذه السياسات والمشاريع الاستعمارية. كما حرص الجانب الفلسطيني الرسمي على مدار ثلاثة عقود على رفع وتيرة هذا الجدل غداة اتفاق أوسلو، الذي أفضى إلى فشل عملية تجميل بشاعة الاحتلال عربياً وفلسطينياً، وقاد في الوقت عينه إلى إعادة تكوين كلي لمفهوم إسرائيل عن السلام، مع غياب كلي لمفهوم فلسطيني وعربي يراجع سياسة الأوهام التي ينبغي أن تكون أحدثت تبدلا جذريا وحاسما في طبيعة الرؤية التي طرأت على "الدولة الفلسطينية" الموعدة في أوهام أوسلو، من الناحية السياسية والديمغرافية والاقتصادية.
هناك إنكار صهيوني مطلق ومستمر لهذه الدولة أو الكيان المنتظر منحه من محتل يجهر ليل نهار بسياسة العدوان، ويمارس سياسة نفض الأوهام عن عقلية دخلت في غيبوبة لم تنهض منها رغم كل زلازل العدوان التي تحاصرها.
الحاسم والملحّ في هذه اللحظة، نعي كل فرضيات التسوية القائمة على رغبة ونية تبديل المواقف الإسرائيلية وكبح المشاريع الاستعمارية، بالنوايا القائمة على الدونية والانبطاح المتكرر أمام الاحتلال، أو من خلال جلسات سرية ليلية ونهارية تفشل في زيارة أسير حياته مهددة بالموت بفعل الإهمال، وفشلت في منع هدم بيوت الفلسطينيين، لكنها نجحت بالقبض على من يُشك في عدائه للمحتل.
من البيّن أن السياسة العربية الرسمية لم ولن تتغير في لفظياتها المتعلقة بقضية فلسطين، ولا ينبغي افتراض أن حالة فلسطينية رسمية بواقعها الحالي الممزق سياسياً وجغرافياً هي الفاصلة والمؤثرة في تغيير معادلات الصراع، في ظل غياب استراتيجية فلسطينية وطنية بعيدة عن المجاملات القاتلة والمدمرة لقضية فلسطين؛ مع النظام العربي ومع الاحتلال نفسه، ستعمل على إنقاذ ما تبقى من الأرض وتحمي الشعب الفلسطيني.
أخيراً، يبقى الإخفاق الرسمي العربي والفشل الفلسطيني هما الفرضية الكامنة وراء خط "الإنجازات" الإسرائيلي في الاختراق والتطبيع وتحقيق مكاسب السيطرة المتسعة على الأرض. وباعتبار هذا الفشل يقدم دليلاً ساطعاً على هذه الرهانات التي يعترف بفشلها البعض العربي والفلسطيني في لفظيات لا تقوم على مراجعة حقيقية ونقدية للسياسات، فإن رئيس كيان الاحتلال يتسحاق هرتسوغ لن يكتفي بالاحتفاء من أبو ظبي "بيوم إسرائيل"، كما ابتهج أسلافه بعلاقة إسرائيل مع أنظمة عربية مختلفة، بعد الاحتفاء بإذعان السلطة الفلسطينية للضغوط الإسرائيلية وتنسيقها الأمني وتعاونها وبالعلاقة الحميمية التي تربطه معها، خصوصاً بعد الاحتفاء الكبير "بالنصر" الذي حققه طغاة عرب على شعوبهم في السنوات الأخيرة في دمشق والقاهرة.
رسائل المحتل يقرأها الفلسطيني والعربي بدلالة كافية لتبديد أوهامه، لكنها لا تنعش غيبوبة فلسطينية وعربية تتوهم أن الإسرائيلي منقذ أبدي لها.
twitter.com/nizar_sahli