بالنسبة لي كانت سنة
2021 سنة كبيسة وإن لم تتجاوز 365 يوما، أي وبتصنيف السنين كان من المفترض أن تكون سنة بسيطة ولكنها ومن فرط ما فيها أحسبها كبيسة بامتياز، لماذا؟
لقد كانت البداية في السادس من كانون الثاني/ يناير حين تعرضت أعتى الديمقراطيات وأرسخها على وجه الأرض لهزة عنيفة؛ كادت أن تودي بها إلى هاوية سحيقة ما لها من قرار، كتلك التي رست فيها بلدان العالم الثالث منذ عقود، وهي محاولة الانقلاب التي لم تسم هكذا واكتفى الأمريكيون حرجا بتسميتها اقتحام مبنى الكونجرس المعروف بالكابيتول هيل.
لقد وقعت الواقعة وبتدبير تكشف عنه التحقيقات تباعا؛ على غرار ما جرى في بلدان عربية من تأجير بلطجية ومواطنين شرفاء، وأعطى ترامب لهم إشارة البدء وندد بكل من لا يوافق على تحرك الجماهير الغاضبة - كما سماها - لاقتحام الكونجرس، متهما أعضاءه بأنهم يقفون وراء عملية تزوير الانتخابات التي لم تثبت التحقيقات حدوثها.
هذه الحادثة التي افتتح بها العام 2021 جعلت الشكوك تتزايد حول الديمقراطية وإمكانية استمراريتها كأفضل طريقة للحكم وتداول السلطة. وقد كتب عشرات الأكاديميين والصحفيين الأمريكيين والأوربيين مقالات قبل أعوام عن مستقبل الديمقراطية بشكلها ونمطها الغربي الراهن
هذه الحادثة ستظل محفورة في الضمير الأمريكي وفي ضمير الشعوب التي كانت تعتقد أن
الديمقراطية عملية مضمونة ومصونة مائة في المائة، وأنه يستحيل على دول صغيرة لديها المال أن تعبث بالداخل الأمريكي، وهو أمر ثبت عدم صحته، وهناك تحقيقات تدور حول دور المال العربي وتحديدا الخليجي وبشكل أدق المال الإماراتي؛ في العملية السياسية، وهو ما تسبب في غضب الديمقراطيين من حاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد. وأظن أن غضبهم سوف يستمر عبر تواصل التحقيقات، ولن يتركوه وشأنه قبل عملية تأديب سياسية وإن أخذت شكلا قانونيا.
هذه الحادثة التي افتتح بها العام 2021 جعلت الشكوك تتزايد حول الديمقراطية وإمكانية استمراريتها كأفضل طريقة للحكم وتداول السلطة. وقد كتب عشرات الأكاديميين والصحفيين الأمريكيين والأوربيين مقالات قبل أعوام عن مستقبل الديمقراطية بشكلها ونمطها الغربي الراهن، خصوصا مع تصاعد تيار الشعبوية في أمريكا وبعض من أجزاء أوروبا.
وهناك عناوين كاشفة لهذا الأمر مثل "كيف تموت الديمقراطيات؟" (This how democracies die?) للكاتبين ستيفن ليفنتسكي ودانيال زيبلات والمنشور في الجارديان البريطانية في 21 كانون الثاني/ يناير 2018، أي بعد وصول ترامب إلى السلطة بعام واحد، وتلته مقالات كما سبقته كتب ومؤلفات حول مستقبل الديمقراطية الغربية؛ لعل أبرز كتابها فريد زكريا (Fareed Zakaria)، المفكر والمعلق السياسي الأمريكي من أصول هندية، وهو مقدم برنامج سياسي على قناة CNN الأمريكية الشهيرة.
لا بل وصل الأمر إلى أن يتوقع أحد الكتاب، وهو سبنسر بوكات لندل، في مقال لصحيفة نيويورك تايمز في 30 أيلول/ سبتمبر من العام المنصرم بعنوان "
هل سيكون عام 2024 عام موت الديمقراطية الأمريكية؟".
وقد ناقش كاتب المقال، وهو عضو هيئة التحرير في الصحيفة، ورقة بحثية كتبها أستاذ في العلوم السياسية جاء فيها: "إن أمريكا تواجه مخاطر حقيقية في انتخابات الرئاسة في عام 2024، وإن الانتخابات الأخرى القادمة بعدها سوف لن تكون نزيهة ومن يصلون إلى المناصب أو السلطة سوف لن يكونوا معبرين عن خيارات الناخبين كما جرت العادة في السابق".
هذه الواقعة كفيلة بأن تجعل سنة 2021 سنة كبيسة من الناحية السياسية ومن ناحية فقدان الأمل في نشر الديمقراطية، أو على الأقل ستؤثر سلبا على نظرة الشعوب العربية ودول العالم الثالث إلى الديمقراطية بصفتها حلا أو طريقا للحل للخروج من تحت سيطرة الحكم الديكتاتوري
هذه الواقعة كفيلة بأن تجعل سنة 2021 سنة كبيسة من الناحية السياسية ومن ناحية فقدان الأمل في نشر الديمقراطية، أو على الأقل ستؤثر سلبا على نظرة الشعوب العربية ودول العالم الثالث إلى الديمقراطية بصفتها حلا أو طريقا للحل للخروج من تحت سيطرة الحكم الديكتاتوري، إذ تبين أن من صنعوا تمثال العجوة بدأوا في تحطيمه وإن لم يأكلوه بعد. كما أن حادثة اقتحام الكونجرس أعطت للنظم الديكتاتورية المبرر لفرض المزيد من السيطرة والهيمنة واتخاذ أقسى الإجراءات وأعنفها ضد مخالفيهم أو معارضيهم، أو حتى فريق من مؤيديهم الذين لهم وجهة نظر مختلفة في الحكم والنظام السياسي وإن كانوا جزءا منه.
كما منحت هذه الحادثة بعض النظم الديمقراطية الجديدة، مثل الهند، الفرصة لتطوير أداة قمع ضد مخالفيها وخصوصا المسلمين، تحت شعار مكافحة الإرهاب. وإذا كانت الصين تفعل ذلك فهي دولة شيوعية شديدة العداء للدين بشكل عام وللإسلام على وجه الخصوص، ولكن الهند من المفترض أن تحمي الديمقراطية فيها الأقليات والعرقيات وتحول دون التصفية والفصل العنصري، ولكن ما أسميه "وباء ترامب" المعدي وصل إلى حدود الهند، بعدما مر وترك أثره في عالمنا العربي وبعض دول أوروبا؛ ومنها فرنسا التي باتت أشد عنصرية على المسلمين في أوروبا كما لم يحدث من قبل. ولم يكن ماكرون أول من فعل ذلك، بل سبقه إلى ذلك ساركوزي، وكان من الواضح أن المال العربي وراء هذه الحملات المسعورة داخل الديمقراطيات الغربية العتيدة.
أما الحادثة الثقيلة الأخرى والتي لا تقل عن محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في أمريكا، فهي الحرب على غزة، وكيف سيكون لها تأثيرها على الواقع السياسي والعسكري في المنطقة. وسوف أتناول الموضوع بالتفصيل في المقال المقبل إن شاء الله.