تقارير

مسجد النصر ببيت حانون شيد قبل 8 قرون تخليدا لهزيمة الصليبيين

مسجد النصر ببيت حانون.. معلم أثري وأحد معالم الهوية الفلسطينية

تحتضن بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة واحدا من أهم وأقدم المساجد التاريخية الذي بني قبل حوالي ثمانية قرون تخليدا لانتصارات المسلين على الصليبيين، وتم تدميره عدة مرات من قبل قوات الاحتلال لطمس معالم هذه الانتصارات في محاولة منها لطمس الهوية الفلسطينية.

ويعتبر "مسجد النصر" أقدم المساجد في بلدة بيت حانون الحدودية الذي عده أبناء هذه البلدة مركزهم وملتقاهم فكان مصدر إشعاع نور النبوة، والتئام صف الأمة، ليصبح واسطة العقد التي تزينها وتتلألأ في وسطه مُباهية بنفسها، وقد حقّ لها التباهي.

ويعد هذا المسجد شاهدا على انتصارات المسلمين على الصليبين في عديد المعارك التي خاضوها على أرض فلسطين، لذلك فقد انتقم منه الاحتلال بتدميره عدة مرات لطمس معالم الانتصار.

ويروي الدكتور محمد خلة، الوكيل المساعد في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية لـ "عربي21" حكاية هذا المسجد التاريخي وكيف صمد على مدار نحو 8 عقود في وجه الاحتلال وأسباب بنائه.

وقال خلة: "يقع مسجد النصر وسط بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، وقد بناه الأمير شمس الدين سنقر (سنة 637هـ/1240م)، تخليداً لذكرى انتصار المسلمين على الصليبيين في معركة أم النصر خلال العصر الأيوبي".

 

           محمد خلة الوكيل المساعد في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية

ويؤكد أن الحجر التأسيسي المحفور الذي كان على باب المسجد، بخط النسخ الأيوبي أعلى محراب المسجد، كانت الآية القرآنية:" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"؛ تدلل على انه يعود للعصر الأيوبي.

وأوضح أن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تكرس جهودها لترسيخ الوجود الحضاري الفلسطيني وتجذر المواطن بأرضه والانتماء لها وتعزيز حفظ الموروث الثقافي التاريخي للأجيال المتعاقبة، إضافة إلى تعزيز إدراك جمهور المواطنين بأهمية المواقع الأثرية والمحافظة عليها من الاندثار والتعدي.

وفي مجال تعزيز المعرفة العلمية للمواطنين والباحثين عن حضارة فلسطين وغزة أكد أن الوزارة عاكفة على إنتاج الدليل الأثري السياحي "غزة هاشم التاريخ المصور" لتسليط الضوء على الإرث الحضاري لفلسطين خاصة الديني وعلى رأسه المساجد الأثرية والمقامات.

وقال خلة: "يُعد مسجد النصر نموذجاً فريداً للعمارة الأيوبية، وقد تميز بسقفه ذو العقود المروحية، وفي وسطها قبة ضحلة، وله إيوان ينتهي شرقاً بغرفة مغطاة بقبة محمولة على مثلثات كروية، أما باقي مباني المسجد فهي حديثة". 

وأضاف: "تعرض المسجد للكثير من الاعتداءات والتي كان أبرزها في تشرين ثاني/ نوفمبر 2006م، أثناء اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي البلدة الذي استمر لمدة 6 أيام قام خلالها بحصار المدينة وتركيز اعتداءاته على المسجد ومحيطه، حيث تعرض المسجد للقصف العنيف من ثم تعرض للهدم الكلي ولم يتبقى حينها سوا مأذنته".

وتابع: "بعد إعادة بناءه قامت طائرات الاحتلال ومدفعيته بقصفه من جيد في عدوان 2014 على غزة".
وأكد خلة على أهمية المسجد العظيمة في نشر الدعوة منذ بدء انطلاقها، فمنه تخرج للعالم قادة وعلماء لم يكن لهم نظير في أي عصر من العصور على الإطلاق.

ومن جهته أكد المؤرخ الدكتور عبد اللطيف أبو هاشم مدير المخطوطات والآثار بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية وصاحب عدة مؤلفات حول معالم غزة التاريخية ومساجدها؛ على أن مسجد النصر هو مسجد أثري بناه الأمير شمس الدين سنقر سنة 637هـ عندما انتصر على الإفرنج، وسماه مسجد النصر كما هو مدون على البلاطة الأثرية الموجودة في المسجد - أي قبل سبعة قرون ونصف. وبجواره قبور من استشهد من أصحابه في الموقعة. 

وأوضح أبو هاشم في حديثه لـ "عربي21" أن المؤرخ عثمان الطبّاع (1882م- 1950م) ذكر جامع النصر بصدد حديثه عن بلدة بيت حانون وعن سبب بنائه.

 



وأكد على أن بلدة بيت حانون كان لها مجد تليد في عصور ما قبل الميلاد، حيث كان يطلق على حاكمها الملك "هانون" الذي أوقع هزيمة كبيرة بالجيش المصري في رفح جنوبي قطاع غزة.

وقال: "جرت في بيت حانون وقائع حربية وحصلت بنواحيها معارك دموية لأنها باب غزة من الجهة الشمالية، وذكر في معجم الأدباء: أن (أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ)، وهو (أبو المظفر الكناني الكلبي) الملقب (بمؤيد الدولة) استشهد على باب غزة في شهر رمضان سنة 545هـ في حرب الإفرنج لعنهم الله، وكانت تقطر به فرسه على باب غزة واستعلى الإفرنج على أصحابه فانكشفوا عنه وبقي في المعركة فقتل وجرت عندها وقعة كبيرة انتصر فيها المسلمون على الإفرنج فأسس المجاهدون الأبطال بها مسجداً شكراً لله على النصر والظفر وتذكاراً لمن استشهد منهم ودفن بتلك الجهة التي عنده وقد دمر وتجدد".

وأوضح أبو هاشم أنه منقوش على باب المسجد بعد البسملة: "أمر بإنشاء هذا المسجد المبارك الأمير الأسفهسلار الأجل الكبير الغازي المجاهد المرابط شمس الدين سنقر المماثل للركاب الملكي الكاملي العادلي عند كسره الإفرنج خذلهم الله في بيت حانون يوم الأحد النصف من ربيع الآخر سنة 637هـ، وسماه مسجد النصر، وعنده من استشهد من أصحابه في الموقعة عمره ابتغاء وجه الله رحم الله من قرأه ودعا له بالرحمة والمغفرة ولجميع المسلمين، ولكاتبه الفقير إلى الله محمد بن أحمد".

وأكد أن ذلك كان في أواخر أيام أبي بكر سيف الدين الملقب بـ(الملك العادل الأصغر) المتوفى بمصر سنة 637هـ، وهو ابن الملك الكامل المتوفى بدمشق سنة 635هـ، ابن الملك العادل ابن أيوب المتوفى سنة 615هـ.

وأوضح أن قطعة أرض كبيرة أوقفت للمسجد لإقامة الشعائر فيه، مشيرا إلى أنه لم يكن في بلدة بيت حانون غيره كموقع أثري تاريخي.

ودعا أبو هاشم إلى المحافظة على هذا المسجد والعناية به وإقامة الشعائر الدينية فيه والتحري على قبور أولئك الشهداء الأبرار الذين دفنوا بجواره تذكاراً لمن تخضبت الأرض بدمائهم، ودافعوا عن الوطن العزيز بأنفسهم وأموالهم حتى استشهدوا في هذا السبيل.

وقال: "لم يبق من آثار المسجد على ما يدل على أنه أثري إلا بناءه من الداخل من حيث القيم المعمارية الإسلامية والبلاطة الأثرية المتبقية".

وأضاف: "يجب نقيم لهؤلاء الشهداء الذين دافعوا عن أرض الرباط بكل ما أوتوا من قوة في مواجهة المحتل الصليبي، فهذا المسجد وتلك المقبرة هي تذكار".

وتابع: "كان ينبغي أن تقوم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بإنشائه على الطراز المعماري المملوكي ومن ثم كمعلم أثري في غزة هاشم وبيت حانون".

ومن جانبه بين الكاتب والصحفي سامر الزعانين: "أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في فضح انتهاكات الاحتلال في كل المجالات".

وقال الزعانين لـ "عربي21": "في الحديث عن الانتهاكات ضد دور العبادة، فان الاحتلال في كل مرة يمعن أكثر في استهداف بيوت العبادة لاسيما بيوت العبادة القديمة التي تعد موروث ديني يستقطب إليه الشيوخ والشباب".

 

                          سامر الزعانين.. صحفي فلسطيني

وأضاف: "وقوع مسجد النصر وسط بلدة بيت حانون الذي ولد وترعرع فيه جل أشبال وشباب البلدة لم يقف حاجزا عن تعرضه للاعتداء مرات عديدة".

وبين الزعانين أن الاحتلال يحاول طمس أي أرث تاريخي في غزة، ليزيل أي ارتباط فلسطيني بأرضه وتاريخيه، في مسعى بتزوير الحقائق.

وأكد أن التغطية الإعلامية لدور العبادة ودرها الذي تقوم به غير كافية لان التغطية والتركيز على مثل هذه الانتهاكات يكون وفقاً للأحداث فقط.

وأوضح أن دور الإعلام يكمن في إبراز هذه الانتهاكات وتسليط الضوء عليها لنقلها عبر مساحة أوسع في الإعلام المحلي والدولي أيضاً.

ويرى الكاتب والصحفي أن التقصير الإعلامي تجاه دور العبادة غير مبرر لأن الأحداث مستمرة بشكل دائم، وانتهاكات الاحتلال لا تتوقف على مكان أثري واحد فحسب، فانتهاكات الاحتلال تتصاعد، وتتسع.