قالت صحيفة "ديلي تلغراف" إن إثيوبيا التي كان
ينظر إليها أنها أمل قارة أفريقيا، باتت اليوم مهددة بالتفكك والدمار.
وأضافت الصحيفة في تقرير أعده مراسلها للشؤون الأفريقية،
ترجمته "عربي21"، إن جيش المتمردين من التيغراي بات لا يبعد سوى 200 ميل
عن العاصمة أديس أبابا ما يثير مخاوف من كارثة إنسانية.
وأضافت الصحيفة أن المقاتلين الأشداء التابعين لجماعات التمرد
يدفعون باتجاه العاصمة من أجل الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، الحائز على جائزة
نوبل للسلام والشخصية المحبوبة في الغرب، حتى وقت قريب.
ويبدو أن المعركة على العاصمة هي معركة قاتل أو مقتول.. مع
أن المعركة الأخيرة قد تحتاج إلى أسآبيع إن لم تكن أياما.
ومن ناحية أخرى، فإنه يمكن أن يتعرض المتمردون الذين أصبح خط إمداداتهم
بعيدا عنهم لهزيمة ساحقة.. وأيا كانت النتيجة فالكارثة الإنسانية هي حصيلة القتال بالإضافة
إلى دولة متشرذمة عرقيا والتي كانت حتى وقت قريب واحدة من أسرع الاقتصاديات نموا في
العالم.
وهناك مخاوف من أن يتحول البلد البالغ عدد سكانه 110 ملايين
نسمة إلى حالة انهيار على الطريقة اليوغسلافية، بشكل سيطلق العنان لكارثة إنسانية سيتردد
صداها في شرق أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
ووصلت إثيوبيا إلى الحضيض عندما عملت الديكتاتورية الماركسية
أو ما عرف بالمجلس العسكري "ديرغ" على جر البلاد نحو مجاعة ماحقة. وكان تقرير
مايكل بيرغ لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" سببا في لفت انتباه العالم إلى حجم المجاعة وقاد إلى حملة "لايف إيد".
وقامت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي مع تحالف من الحركات
المتمردة بالإطاحة بالنظام الماركسي بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وعرقية التيغراي هي واحدة من 80 عرقا في إثيوبيا، ورغم صغر
حجمها إلا أنها لعبت دورا مهما في تاريخ البلد الحديث وهيمنت على السياسة في البلد
مدة 30 عاما وحتى عام 2018.
ونمت إثيوبيا خلال هذه الفترة بمعدلات سريعة، وبمستوى
9.4% في العام وخلال العقد الماضي. وساعدت قوتها العاملة الضخمة، ومواردها من المواقع
السياحية الدينية القديمة وتصدير القهوة والزهور في تقدم البلد. ومع ذلك فقد ظلت من أفقر
الدول على وجه الكرة الأرضية وبمعدل 850 دولارا سنويا للفرد، بحسب أرقام البنك الدولي.
واستفاد البلد بشكل كبير من الدعم الغربي -وبخاصة البريطاني
والأمريكي- مع تفضيل الحكومة الديكتاتورية التي هيمن عليها التيغراي أكثر من نظام
المجلس العسكري "ديرغ". وأنفقت بريطانيا في الفترة 2010– 2015، نحو
1.3 مليار جنيه مساعدات في إثيوبيا.
لكن انتهاكات السلطة مثل سياسة "واحد لكل خمسة"،
وهي تجسس شخص متطوع على خمسة أشخاص آخرين في المجتمع، أدت إلى التمرد. وقادت موجة من الاحتجاجات
رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد إلى السلطة عام 2018.
ووعد أحمد الشاب المتحدث اللبق والذي عمل سابقا مديرا للمخابرات على تحرير المجتمع والاقتصاد، وأطلق سراح آلاف من المعتقلين السياسيين ورفع الحظر عن الإعلام.
وعشق الغرب الزعيم الإثيوبي الجديد ومنحته لجنة نوبل جائزتها للسلام عام 2019، لأنه
أنهى الحرب الطويلة بين إثيوبيا وأريتريا التي قتل فيها أكثر من 100,000 شخص.
اقرأ أيضا: ندوة "عربي21": جذور التشظي الإثيوبي وسر قوة التيغراي
وبدأ المستثمرون من الولايات المتحدة والصين بالنظر إلى إثيوبيا
على أنها المركز المقبل للتصنيع في العالم في وقت تحدث فيه المعلقون عن بلد يقود المنطقة
نحو التقدم.
وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 انهار كل شيء، فقد تحول
نزاع على السلطة بين حكومة آبي أحمد الفيدرالية والنخبة السياسية القديمة من التيغراي
إلى حرب شاملة. وتعاون أحمد مع الديكتاتور الأريتري إسياس أفورقي لسحق التمرد. ولكن
الحركة التي خسرت التيغراي ظلت تخوض حربا مرة على مدى الأشهر الـ12 الماضية.
وقتل الآلاف إن لم
يكن عشرات الآلاف في الحرب وأصبح الملايين على حافة المجاعة.
ويرى الكثيرون الآن في آبي أحمد شخصا مصابا بجنون العظمة
وتدفعه الحماسة الدينية، فقد قال في الفترة الأخيرة: "سندفن هذا العدو بدمنا وعظامنا"
للدفاع عن إثيوبيا المجيدة. لكن مقاتلي التيغراي استطاعوا تجنب العاصفة وخاضوا حرب عصابات
بدا وأنها قصمت ظهر أكبر جيشين في أفريقيا. وتكبد الجيش الإثيوبي والمليشيات من منطقة
أمهرا القريبة خسائر فادحة. ورغم عدم السماح للصحافة بالدخول إلى محور الحرب إلا أن
هناك إشارات عن تداعي الدفاعات الحكومية. وباتت القوة الرئيسية للمتمردين على بعد
200 ميل من العاصمة، وعلى الطريق الحيوي الذي يربط إثيوبيا بدولة جيبوتي التي تصل إليها
نسبة 90% من التجارة إلى إثيوبيا، نظرا لعدم وجود منفذ لها على البحر.
ومع تقدم المتمردين جنوبا، فإنهم قاموا بتشكيل تحالف مع ثماني جماعات
أخرى للإطاحة بآبي أحمد. وتحاول بريطانيا وأمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي
وقف تقدم المتمردين، ولكن أشهرا من الجوع والانتهاكات البشعة والخطاب الجنوبي، تشي
بأن الدبلوماسية ليس أمامها إلا فرصة ضعيفة. فقد حشر المتمردون التيغراي في الزاوية
بالشمال وتحاصرهم مجموعة كبيرة من المجندين الأريتريين. وفي الجنوب سيواجهون جيشا فيدراليا
ومليشيات تقوم بمنع المساعدات الإنسانية العاجلة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في المتمردين بداية الشهر، قوله إنه
إن لم يتم رفع الحصار عن التيغراي، فإن القوات ستجد نفسها أمام خيار الدفع باتجاه كسره
والإطاحة بأحمد أو الموت والجوع البطيء.
وتحسبا لهجوم قريب على أديس أبابا، فقد طالبت الولايات المتحدة رعاياها بمغادرة البلاد وفي أقرب فرصة ممكنة وبدأت بتخفيض عدد العاملين في السفارة
الأمريكية بأديس أبابا. وتبع المسؤولون البريطانيون واشنطن وأخبروا الرعايا البريطانيين
بضرورة مغادرة البلاد على الرحلات التجارية وهي متوفرة الآن. وأعادت عددا من العاملين
في الطاقم الدبلوماسي غير الضروري إلى لندن.
وكان المبعوث الأمريكي
الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، قد حذر قبل ستة أشهر من توسع الحرب الأهلية في
الشمال بشكل سيجعل من الحرب الأهلية في سوريا "كلعبة أطفال". وحتى يتم جمع
كل أطراف الحرب ودفعهم للتفاوض، فقد تصبح هذه الكلمات صحيحة، وربما فات الوقت.
FP: دبلوماسية الجزرة الأمريكية بأفريقيا فشلت وتحتاج للعصا
إيكونوميست: يجب التحرك فورا لتجنب حمام دم في إثيوبيا