آراء ثقافية

هل ستسامح الفتيات شركة ديزني؟

اعتادت الحكاية التقليدية رسم صورة سطحية للبطلة الأنثى بما يتسق مع الصورة النمطية للمرأة- بيكسل

تعتبر ديزني الحضن الذي ضم أشهر الحكايات الشعبية والعالمية، وقد أولت عناية خاصة بتلك الحكايات التي كان أبطالها من الجنس اللطيف، فقامت باحتوائهن، وجعلت منهن أميرات، يُعرفن بأميرات ديزني، حيث أنتجت الشركة من الحكايات الشهيرة التي كنا نقرأها ونسمعها أفلامًا مبهرة، مجسدة بطلاتها، فقامت بذلك بتوحيد الصورة الشكلية لبطلة الحكاية وصور الشخصيات التي ترافقها في أذهان المتلقين، وسرعان ما أصبحن الأميرات، أو بطلات الحكايات، أيقونات على مستوى عالمي، ونماذج يُحتذى بها، وصارت الفتيات، الصغيرات خصوصا، يتسابقن لاقتناء أزيائهن وصورهن المنتشرة حتى على الأدوات المدرسية! لكن ما الذي يميز هذه الشخصيات؟ وما الذي يجعل منهن أميرات؟ 

اعتادت الحكاية التقليدية رسم صورة سطحية للبطلة الأنثى، بما يتسق مع الصورة النمطية للمرأة، وبما يتوافق مع العادات والتقاليد، ويحرص على عدم زعزعة النظام الأخلاقي المتعارف عليه، فكانت الشخصية البطلة مرسومة بدقة عالية وحذر شديد، رغم بساطتها، فالأميرة في الخيال الحكائي هي الفتاة الرزينة، والتي غالبا ما تنحدر من أصل برجوازي أو تحمل عرقا ملكيا نبيلا، كما تتميز بالذكاء والجمال، ترتدي ثيابًا بهية، وتمتلك صفات تجعلها محبوبة من قبل الجميع، كالصدق والعطف والتضحية، وهذا ما يجعلها تصطدم مع إحدى الشخصيات الشريرة، والتي تقل عنها جمالًا وقبولًا لدى الآخرين، فتسعى للتخلص من الأميرة الطيبة الرقيقة، وتخلق لها المتاعب، مما يجعل القصة قائمة على صراع بين الخير والشر. 

حرصت ديزني في البداية على عدم المساس بتلك الحكايات، ولا بطبيعة البطلة الأنثى، فالأميرة، على الرغم من كونها بطلة القصة، فإن ذلك لا يمنحها امتيازًا حقيقيًا، ولا يجعل منها شخصية متفردة، فأميرة الحكاية أو بطلتها تواجه حربًا لم تخترها، لكنها شنت ضدها إما بسبب جمالها أو كونها طيبة القلب ومحبوبة، كما أن الأميرة في الحكاية التقليدية لا تمتلك روحًا قتالية ولا رغبة انتقامية حتى بعد انتصارها، وبالمناسبة، فإن تفوق البطلة وهزيمة الشر الذي يحيط بها غالبًا ما يتم بأمرين، هما العصا السحرية، والأمير الشجاع، كما في حكاية سندريلا، والتي تقبلت كل أنواع الذل والإهانة من زوجة أبيها وبناتها دون أدنى مقاومة، وكان السحر وسيلة خلاصها ودخولها قلب الأمير، أو كبطلة حكاية الأميرة النائمة التي لا تقوى حتى على تحريك جسدها، وحياتها مرهونة بقبلة أمير يستطيع كسر الأسوار وهزيمة الساحرة الشريرة! 

أعتقد بأن ديزني أصبحت تخجل من ماضيها الذي روّج حكايات كهذه خصوصا في عصرنا الحالي، وبالأخص بوجود حركات نسوية، إذ لا بد وأنها اعتبرت ذلك خطأ كبيرًا لا بد من التكفير عنه، فقامت بإعادة سرد الحكايات بما يتلاءم مع فكرٍ مستنير متحضر يؤمن بالمرأة فاعلًا ومؤثرًا، فأعادت رسم خط سير الأحداث والعمل على إيجاد شخصية تقوم بدور بطولة حقيقي دون الحاجة لقوى خارجية تحدد لها مصيرها، لتجعل البطلات أكثر استحقاقًا لمكانتهن لدى معجباتهن من الفتيات اللواتي رأين فيهن مرايا تعكس هوياتهن، ورمزًا يعبر عنهن. 


اقرأ أيضا: متى تفكر ديزني خارج صندوقها؟


اتخذت ديزني على الفور خطوات جادة، لكن دون أن تحدث تغييرًا مفاجئًا أو كبيرًا، فقامت بوضع لمسات صغيرة لكنها عميقة التأثير على شخصية البطلة الفتاة، واستحضرت حكايات يمكن أن تجعل من شخصيتها الرئيسية بطلة دون مبالغة، ودون الحاجة لتفكيك عناصر القصة وفرض الدور البطولي، فبعد أفلام سندريلا وبياض الثلج أو الأميرة النائمة، خاضت ديزني رحلة للبحث عن بطلات يمكن الاعتماد عليهن لإنتاج فيلم تمتلك بطلته قدرة على التغيير وتسعى له، ولا يكون الحب جزء رئيسيًا في الحكاية، بل جانبًا ثانويًا يثري القصة ويساند أركانها، فاختارت شخصية بوكاهنتس الأميرة الهندية التي تسعى لنشر المحبة والسلام، ببشرتها السمراء وثيابها المتواضعة، فتمردت على تقاليد القبيلة وخاضت مغامرتها الخاصة، وسلطت ديزني كذلك الضوء على شخصية مولان الصينية، تلك الفتاة الشجاعة التي أنقذت والدها المريض من التجنيد الإجباري والتحقت بالجيش متنكرة بزي الرجال، وأمضت أعوامًا فيه دون أن يتعرف أحد على حقيقتها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت مولان تحقق انتصارات عديدة واستلمت العديد من المناصب القيادية! 

نالت هذه الحكايات إعجابًا كبيرًا، وبقيت ديزني على الجانب الآمن دون أن تضطر إلى المساس بالموروث الحكائي والأسطوري، وسحرت البطلات عقول الفتيات اللواتي وجدن فيهن القوة والجرأة على المغامرة، فبعد أن كانت البطلة جميلة ورقيقة، ومغلوب على أمرها، وتقع في حب أول شخص تصادفه، ظهر على الشاشة الكبيرة فتاة تمتلك زمام إرادتها، تمسك بالسيف وترفض زواجًا تفرضه العائلة كبطلة فيلم brave  وعادت ياسمينة في فيلم علاء الدين الصادر مؤخرًا، ولم تكن متمردة وصاحبة قرار وتجهر بأرائها فحسب، بل هي الآن أكثر طموحًا وتسعى لتكون سلطانة للبلاد بعد والدها! 

لقد كونت ديزني توليفة رائعة، تضم بطلات من الشرق والغرب، فصارت السلسلة الأنثوية أكثر تنوعا وثراء، وقد عملت الشركة على تصوير نسخ بشرية للحكايات، كفيلم الجميلة والوحش، رغم أنها لم تغير الكثير في طبيعة الشخصية، ولم تكن بحاجة لذلك طالما أن البطلة تفي بالغرض، فمعروف عنها الذكاء وحبها للقراءة، ولم تقبل بالزواج من رجل ساذج لمجرد أنه وسيم وعضلاته مفتولة، كما امتلكت فضيلة التضحية بإنقاذها لوالدها، ووقعت في حب الوحش دون أن تعبأ بشكله! ومن الجدير ذكر حسن اختيار ديزني للممثلة ايما واتسون لتقوم بهذا الدور، فهي تشبه الشخصية إلى حد كبير، فإيما الجميلة ناشطة في حقوق المرأة، وخريجة كلية القانون، ودائما ما تترك خلفها كتابًا في المرافق والأماكن العامة! 

يمكن اعتبار فيلم ملليفسنت، بطولة أنجلينا جولي، أكثر الأعمال خطورة وجرأة، حيث أقدمت ديزني على تغيير أحداث الحكاية، فالأميرة النائمة باتفاقنا لم تعتد تستحق البطولة، لذا فقد مُنح هذا الامتياز للساحرة الشريرة، ولجعل الأمر يبدو مقبولًا لدى المشاهدين، كان على الأحداث أن تبرر الشر الذي يكمن لدى ملليفسنت، وإظهار السبب الحقيقي الذي جعلها تلقي باللعنة الشيطانية على الأميرة الصغيرة، ولأن الفتيات توقفن عن انتظار الأمير، ولم يعد الحب الصادق منطقيا لمجرد إعجاب الأمير بجمال النائمة، كان لا بد من استبدال قبلة الرفيقة التي رعتها كما لو كانت أمها بقبلة الأمير القادم للتو لتكون قبلة الحياة والنجاة.. وقد كان ذلك تمهيدًا لحذف ذلك الجزء المتعلق بالحب والزواج، فقد ضاقت قصص ديزني للفتيات ذرعا بالرجال بوصفهم أبطالا لهن، فأصبحت قصصهن تخلو من ذلك الجزء، وأدى ذلك إلى إنتاج حكايات لبطلات يخضن مغامرات أكثر تشويقًا وغرابة، تقوم على البحث عن الذات وتقدس الحب الأخوي وتتغنى بدفء العائلة وتخبئ في قلبها الذكريات كشيء ثمين، كما في فيلم فروزن وبطلته المتجمدة إيلسا.

على الرغم من أن البطلة غالبًا ما تمتلك قوى خارقة، إلا أن عناصر الحكاية وأحداثها ترتكز بشكلٍ أساسي على ما تمتلكه البطلة من ذكاء وقدرة على التحمل ومواجهة الصعاب، وأن ما ينقذها بالفعل الحب الصادق لعائلتها والإيمان بنفسها، وهو بالتحديد ما يجعلها بطلة وأميرة بل ملكة حقيقية!