قالت صحيفة "
واشنطن بوست" إن هناك مشهدا في
فيلم "American Sniper" لعام 2014 يلخص شهوة الحرب في البلاد بعد هجمات 11 أيلول/
سبتمبر لكنها طرحت تساؤلات حول وضع العراق كيف سيكون اليوم لو لم تقم أمريكا
بغزوه.
وتصف الصحيفة الوضع بعد الهجمات في تقرير ترجمته
"عربي21" بالقول: "كريس كايل، جندي البحرية الأمريكية الراحل الذي
لعب دوره برادلي كوبر، يشاهد نشرة أخبار عن انهيار برجي البحرية أمام عينيه. تم
تثبيت الكاميرا على وجه كايل الصلب ولكن المذهول وهو يمسك بزوجته المصدومة، قبل أن
يظهر الفيلم صورة له وهو يرتدي معدات عسكرية كاملة، وهو يحدق من خلال منظار بندقية
القنص الخاصة به في وسط مدينة عراقية. (حيث يقوم بقتل امرأة تساعد العراقيين)".
الفيلم، الذي انتقده البعض على أنه دعاية فاشية
بدائية، لا يقضي أي وقت في التحقيق في هذه الصلة الضمنية بين أحداث 11 أيلول/ سبتمبر
والقرار الأمريكي بغزو العراق "استباقيا" بعد أقل من عامين من الإطاحة
بنظام الدكتاتور العراقي صدام حسين. لم تفعل الكثير من المؤسسات العامة أو
السياسية الأمريكية التي انجرفت في اندفاع إدارة جورج بوش الإبن لمعاقبة
"الأشرار". فقد وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست"
في أيلول/ سبتمبر 2003، أن ما يقرب من 7 من كل 10 أمريكيين يعتقدون أنه من المحتمل
على الأقل أن يكون صدام حسين متورطا بشكل مباشر في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وقال إنه قد ثبت أن هذا بالطبع غير معقول، كما كان
الحال في كثير من الأحيان التي أثارها بوش وحلفاؤه بشأن التهديد الوشيك الذي تشكله
أسلحة الدمار الشامل الوهمية للنظام العراقي. بدافع من حماس المحافظين الجدد
للإطاحة بالأنظمة المعادية وممارسة القوة الأمريكية للتصحيح - وبدون عوائق من قبل
الجزء الأكبر من السلك الصحفي في واشنطن - أغرقت إدارة بوش أمريكا وشركاءها في
التحالف في حرب واحتلال في نهاية المطاف من شأنه أن يعيد تشكيل الساحة السياسية.
خريطة الشرق الأوسط، يصرف الانتباه عن التدخل الأمريكي الموازي في أفغانستان ويثير
حلقات جديدة من الفوضى والعنف.
قال ولي نصر، أستاذ الشؤون الدولية في كلية الدراسات
الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، لواشنطن بوست إن أول عامين بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر كانت بمثابة
"حقبة ارتكبت فيها أمريكا أخطاء استراتيجية كبيرة.. فقد تشوشت رؤيتها بسبب الغضب
والرغبة في الانتقام".
ولكن ماذا لو اختارت أمريكا عدم
غزو العراق؟ كان قرار
الإطاحة بصدام حسين، أكثر من غزو أفغانستان في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر
مباشرة، حربا اختيارية غير مبررة، فمن ناحية، أغلقت مجموعة من الخيارات السياسية
الأخرى المتاحة لاستراتيجيي واشنطن، ومن ناحية أخرى، أطلقت الأحداث التي غيرت
المنطقة بشكل جذري. من المستحيل التراجع عن ما أطلقته إدارة بوش، ولكن تركت لنا أن
نحير بالتحليل من خلال بعض العناصر فقط من هذا الاقتراح المضاد.
أولا وقبل كل شيء، هناك عدد القتلى العراقيين. بحسب
معهد واتسون في جامعة براون فقد تم قتل ما بين 184382 إلى 207156 مدنيا عراقيا
بشكل مباشر في أعمال عنف مرتبطة بالحرب بين بداية الغزو الأمريكي في آذار/ مارس
2003 حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2019. لكن الباحثين يشيرون إلى أن الرقم الحقيقي قد
يكون أعلى عدة مرات.
وقال سنان أنطون، الشاعر والمؤلف العراقي المقيم في
نيويورك، إنه حتى بالنظر إلى سجل حسين الطويل من الوحشية، من الصعب تصور مستقبل
أكثر معاناة للشعب العراقي لو لم تطح به أمريكا من السلطة.
وقال: "بغض النظر عن أي شيء - وأنا أقول هذا
كشخص عارض نظام صدام منذ الطفولة وكتب روايته الأولى عن الحياة في ظل الديكتاتورية
- لو ظل النظام في السلطة، لكان عشرات الآلاف من العراقيين على قيد الحياة اليوم، ولما
ولد الأطفال في الفلوجة بعيوب خلقية كل يوم"، في إشارة إلى تأثير استخدام
القوات الأمريكية المزعوم لذخيرة تحتوي على اليورانيوم المنضب في معاركها في جميع أنحاء العراق.
وأضاف أنطون أننا أيضا ما كنا لنشهد صعود الدولة
الإسلامية لو لم تغز أمريكا - وهي قناعة يشاطره إياها الرئيس السابق باراك أوباما
ورددها عدد لا يحصى من الخبراء. كتب عالما العلاقات الدولية هال براندز وبيتر فيفر
في دراسة أجريت عام 2017: "على المدى القريب، ربما لم يكن النظام السياسي
العراقي لينهار ويخلق فراغا يمكن أن يملأه الفاعلون من غير الدول أو شبه الدول".
وتابع: "كان الانقسام السني الشيعي الذي جعل
العراق من الصعب جدا أن يحكم سيبقى موجودا.. لكن بدون العنف والفوضى السياسية
والتهميش السني في فترة ما بعد الغزو، كان هذا الانقسام سيبقى في حالة أقل قابلية للاشتعال، والجماعات الإرهابية مثل
القاعدة في العراق والدولة الإسلامية لم تكن لتجد مثل هذه الأرض الخصبة للتجنيد".
وأضافت الصحيفة: كانت المسارات الأخرى ممكنة ففي عام
2002، كان شبلي تلحمي، خبير استطلاعات الرأي المخضرم المنتسب إلى معهد بروكينغز
وأستاذ في جامعة ميريلاند، جزءا من مجموعة من علماء الشرق الأوسط المقيمين في أمريكا
الذين عارضوا قرع إدارة بوش لطبول الحرب في العراق.
وقال تلحمي لصحيفة واشنطن بوست: "كان لدى بوش
فرصة لبناء تحالفات عالمية، وتعزيز الأعراف والمؤسسات الدولية، والتركيز على
التهديد من القاعدة، وإعادة تشكيل العلاقات في منطقة الخليج واستخدام الدعم المحلي
والدولي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي كان قبل 11 أيلول/ سبتمبر، المظلومية
المركزية ضد أمريكا في الشرق الأوسط".
وأضاف أنه بدلا من ذلك، "اختار بوش سياسة
الأحادية"، في متابعة حرب عصفت بالبلد الشرق أوسطي، وأججت العنف الطائفي
والتشدد المتطرف و"أنهت ميزان القوى بين إيران والعراق". وقال تلحمي إن
مكاسب إيران من سقوط خصمها القديم في بغداد، أعاد بدوره الحسابات الجيوسياسية لدول
الخليج العربية، التي أصبحت "غير آمنة لدرجة أنها شرعت في سياسات زعزعة
الاستقرار الخاصة بها، بما في ذلك حرب اليمن".
في عام 2003، كان النظام العراقي لا يزال يواجه
عقوبات دولية خانقة. لو ضعفت هذه العقوبات في نهاية المطاف - كانت دول مختلفة
باستثناء أمريكا حريصة على إخراج العراق من هذه الحالة - لكان شباب البلاد مرتبطين
بشكل أفضل بالعالم وكان من الممكن أن يواجه النظام الراسخ انتفاضة الربيع العربي
الخاصة به.