آراء ثقافية

موسوعة العرب للأرقام القياسية: الرماية

أرشيفية

أول موسوعة على كوكب الأرض هي فهرست ابن النديم، لكن العرب حفظوا أرقامهم القياسية قبله في الأمثال، وكانوا من أحفظ الناس، ومن أصفاهم فكرًا، وأسرعهم حفظًا، قالت العرب في الأرقام القياسية كثيرًا، وعندهم الأوائل والأوليات، فالحرث بن ذي شداد الحميري كان ملكًا في الجاهلية الجهلاء، وهو أول من دخل أرض الأعاجم ودوّخها، وكان جذيمة أول من احتذى النعال ورمى بالمنجنيق ورُفع له الشمع، وأول من ركب الخيل إسماعيل بن إبراهيم، وأنّ ابن خذام هو أول من بكى في الديار، وقيل امرؤ القيس، وأوّل من قُرعت له العصا سعد بن مالك الكناني (المثل يضرب لمن إذا نُبِّه انتبه)، وأول من ألقى القناع بعكاظ طريف بن تميم بن نامية، وكان يسمى ملقي القناع، وأول من حاس الحيس سويد ابن هرمّ، (الحيس تمرٌ وأَقِطٌ وسمنٌ تُخلَط وتُعجَن وتُسوَّى كالثَّريد والأقط الدقيق) وأول من عمل الحديد من العرب: الهالك بن عمرو بن أسد بن خزيمة، أما في الإسلام فقد حفظ المسلمون آلاف الأوليات. وفي السبق على صيغة التفضيل، قالت العرب في الموسوعة المحفوظة: أسخى من حاتم، وأشجع من ربيعة بن مكدّم، وأدهى من قيس بن زهير، وأعزّ من كليب بن وائل. وأوفى من السّموأل. وأزكن من إياس بن معاوية. وأسود من قيس بن عاصم. وأمنع من الحارث بن ظالم. وأبلغ من سحبان ابن وائل. وأحلم من الأحنف بن قيس، وأصدق من أبي ذرّ الغفاريّ، وأكذب من مسيلمة الحنفي، وأعيا من بأقل، وأمضى من سليك المقانب، وأنعم من خريم الناعم، وأحمق من هبنّقة، وأفتك من البرّاض ...ولهم في ذلك كثير.

سنذكر هذا المثال قصة من قصص العرب في الرماية، وبطلها ليس بمثال في الرمي، وغير مذكور في الأوائل والسابقين، فأبطال القصة من غير المشاهير الذي ضرب بهم الأمثال، جاءت القصة في أكثر من مصدر مثل الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، وننقلها من التذكرة الحمدونية للبغدادي:

زيد الخيل

جاء في  كتاب التذكرة الحمدونية : حدّث شيخ من بني نبهان قال: أصابت بني شيبان سنة ذهبت بالأموال، فخرج منهم رجل بعياله حتى أنزلهم الحيرة، وقال لهم: كونوا قريبًا من الملك يصبكنّ من خيره حتى أرجع إليكنّ، وآلى أليّة لا يرجع حتى يكسبهن خيرًا أو يموت؛ فتزود زادًا ثم مشى [يومًا] إلى الليل فإذا هو بمهر مقيّد يدور حول خباء، فقال: هذا أول الغنيمة، فذهب يحلّه ويركبه، فنودي خلِّ عنه واغنم نفسك، فتركه ومضى، فمشى سبعة أيّام حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطفيل الشمس (غروبها) وإذا خباء عظيم وقبة أدم، قال: فقلت في نفسي: ما لهذا الخباء بدّ من أهل، وما لهذه القبة بدّ من ربّ، وما لهذا العطن بدّ من إبل، فنظرت في الخباء فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه كأنه نسر، [قال]: فجلست خلفه، فلما وجبت الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قطّ أعظم منه، ولا أجسم، على فرس مشرف، ومعه أسودان يمشيان جنبيه، وإذا مائة من الإبل مع فحلها، فبرك الفحل وبركن حوله، فقال لأحد عبديه احلب فلانة ثم اسق الشيخ، فحلب في عسّ حتى ملأه ووضعه بين يدي الشيخ وتنحّى، فكرع فيه الشيخ مرة أو مرتين ثم نزع، وثرت إليه فشربته، فرجع إليه العبد فقال: يا مولاي شربه حتى أتى على آخره، ففرح بذلك وقال: احلب له فلانة، فحلبها ثم وضع العسّ بين يدي الشيخ، فكرع فيه كرعة ثم نزع، فثرت إليه فشربت نصفه وكرهت أن آتي على آخره فأتّهم، فجاء العبد وأخذه وقال لمولاه: قد شرب وروي: قال: دعه، ثم أمر بشاة فذبحت وشوى للشيخ منها، وأكل هو وعبداه، فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته، فاندفع بي وتبعته الإبل، فمشيت ليلتي حتى الصباح، فلما أصبحت نظرت فلم أر أحدًا، فشللتها إذن شلًّا عنيفًا حتى تعالى النهار، ثم التفتّ التفاتة فإذا بشيء كأنه طائر، فما زال يدنو حتى تبيّنته، فإذا فارس على فرس، وإذا هو صاحبي بالأمس، فعقلت الفحل ونثلت كنانتي، ووقفت بينه وبين الإبل، فقال: احلل عقاله، فقلت: كلا والله، لقد خلّفت نسيّات (نسوة) بالحيرة وآليت أليّة ألا أرجع أو أفيدهنّ خيرًا أو أموت، قال: فإنك ميت، حلّ عقاله لا أمّ لك، قلت: هو ما قلت لك.

كأنه وضع السهم بيده في العقد

قال: إنك لمغرور، انصب لي خطامه وانصب خمس عجر (عقد)، ففعلت فقال: أين تحبّ أن أضع سهمي، فقلت: في هذا الموضع، فكأنما وضعه بيده، ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمس بخمسة أسهم، فرددت نبلي وحططت قوسي، ووقفت له مستسلمًا فدنا مني، فأخذ السيف والقوس ثم قال: ارتدف خلفي، وعرف أني الذي شربت عنده اللبن، فقال: ما ظنّك بي؟ قلت: أحسن الظنّ، قال: وكيف ذاك؟ قلت: لما لقيت من تعب ليلتك وقد أظفرك الله بي، فقال: أترانا نهيجك وقد بتّ تنادم مهلهلًا؟ فقلت: أزيد الخيل أنت؟ قال: نعم، فقلت: كن خير آخذ، فقال: ليس عليك بأس، فمضى إلى موضعه الذي كان به ثم قال: أما لو كانت هذه الإبل لي لسلّمتها إليك ولكنها لبنت مهلهل، فأقم عليّ فإني على شرف غارة، فأقمت أيامًا، فمضى فأغار على بني نمير بالملح، فأصاب مائة بعير فقال: هذه أحبّ إليك أم تلك؟ قلت: بل هذه، قال: دونها، وبعث معي خفراء من ماء إلى ماء حتى وردت الحيرة، فلقيني نبطيّ فقال:
أيسرّك أنّ لك بإبلك هذه بكلّ بعير منها بستانًا من هذه البساتين؟

 فقلت: وكيف ذلك؟

 قال: هذا قرب مخرج نبيّ يخرج فيملك هذه الأرض ويحول بين أربابها وبينها حتى إنّ أحدكم ليبتاع البستان من هذه البساتين بثمن بعير.

 

اقرأ أيضا: هَيْضَةُ الملائكة

 قال: فاحتملت بأهلي حتى انتهيت إلى مواطننا، فبينا نحن في الشيطين على ماء لنا وقد كان الحوفزان بن شريك أغار على بني تميم، فجاءنا خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمنا فما مضت أيّام حتى اشتريت بثمن بعير من إبلي بستانًا بالحيرة.
لقد انتهت قصة صاحب الإبل بالإسلام، وقصة إسلام زيد الخيل أجمل، وقد صدق النبي عليه الصلاة والسلام في تسميته فكان زيد الخير قبل الإسلام وبعده، ويبدو من القصة أنّ الرجل المغير يعرف زيد الخيل، فهو "سوبر ستار" في الجزيرة العربية، وأنه من أرمى الناس، وقد أكرم الرجلَ المغير، مرتين مرّة بالعفو عنه وتحذيره بالسهام التي عقد لها خمس عقد فأصابها من مسافة، ومرّة بهديته له، وهي مائة من الإبل من غارة أصابها من أجله، وكان يمكن أن يموت فيها.

أرمى العرب

 قيل هو الحَكم بن عبد يَغوث المِنقَري. وكان أرْمَى أهل زمانه، وهو صاحب المثل رُبَّ رَمْيَةٍ من غَيْرِ رَامٍ فذهبت مثلًا.

 ومن الرماة؛ عمرو بن عبد المسبّح. كان أرمى العرب، وقال فيه امرؤ القيس شعرًا، وقيل في الأمثال: أرمى من ابْن تقن، وقيل أرمى من فطْرَة، وهو رجل مَعْرُوف بالإصابة فِي الرَّمْي، وذكر المفضّل أنّ القارة (اسم قبيلة) أربعون رجلًا كانت مرسومين بحراسة ملوك اليمن ليلًا، وكانوا أرمى النّاس، فأحسّوا في ليلة سوداء بحسّ، فأصغوا إليه، فرموا نحوه، فسكن الحسّ، فوجدوا هرّة فيها أربعون سهمًا، وهناك رماة مشاهير آخرون.


بهرام جور الظالم

ومن مشاهير الرماة بهرام جور، يضْرب بِهِ الْمثل في الرمي وأولى أن يرمى في الجور أيضًا؛ (رمى بهْرَام)  لِأَنَّهُ لم يكن في الْعَجم أرمى مِنْهُ وَهُوَ بهْرَام جور الْملك وَمن قصَّته المصورة في الْقُصُور أَنه خرج ذَات يَوْم إِلَى الصَّيْد على جمل وَقد أرْدف جَارِيَة لَهُ يتعشقها فعرضت لَهُ ظباء فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ في أي مَوضِع تريدين أَن أَضَع السهْم من هَذِه الظباء فَقَالَت أُرِيد أَن تشبه ذكرانها بالإناث وإناثها بالذكران فَرمى ظَبْيًا ذكرًا بنشابه ذَات شعبتين فاقتلع قرنيه وَرمى ظَبْيَة بنشابتين أثبتهما في مَوضِع القرنين، ثمَّ سَأَلته أَن يجمع ظلف الظبى وَأذنه بنشابة وَاحِدَة فَرمى أصل أذن الظبى بِقِطْعَة سهم فَلَمَّا أَهْوى بِيَدِهِ إِلَى أُذُنه ليحتك رَمَاه بنشابة فوصل أُذُنه بظلفة ثمَّ أَهْوى إِلَى الْجَارِيَة مَعَ هَوَاهُ لَهَا فَرمى بهَا إِلَى الأَرْض وأوطأها الْجمل وَقَالَ لشد مَا شططت عليَّ وَأَرَدْت إِظْهَار عجزى فَلم تلبث أَن مَاتَت.

ويظهر من القصة إنه رام ليس به من مروءة الفرسان شيء.

 أخيل فارس الإغريق الأول

هو أحد الأبطال الأسطوريين في الميثولوجيا الإغريقية، هو ابن بيليوس ملك فثيا من حورية البحر ثيتس حفيدة التيتانية تيثيس ابنة أورانوس وغايا بطل حرب طروادة التي دارت أحداثها بين الإغريق وأهل طروادة. وهو البطل المركزي في إلياذة هوميروس. نصف إله نصف بشر، نكرته أمه بثوب أنثى حتى تجنبه قدر الموت الذي تنبأ العراف، ويمكن أن نجد في التنكير بأنثى أثر عمليات تحويل الجنس العالمية حاليًا، غمسته أمه في مياه نهر ستيك المخلدة، ونجد في المياه قرينةً على قدسية التعميد المسيحي، فكان كعبه المكان الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماء، ونقطة ضعفه. تنبأ أحد العرافين للملك وزوجته أن ابنهما سيقتل في معركة طروادة. أرسله والداه إلى لوكوميدس، ملك جزيرة سيكاروس، ليعيش معه في قصره متنكرًا كإحدى بناته، لكنه تعلم فنون القتال ونفر من العبادة في المعبد. تقول الأسطورة: إن نقطة ضعفه كانت في قدمه، ولكن الحق أن نقطعه ضعفه كانت في المرأة مثل باريس.

 بقي أن نذكر في هذه المقاربة والمقارنة أنَّ غينيس اسم الموسوعة التي انطلقت في سنة 1955، وهي من أكثر الكتب مبيعًا حتى إنها تفوق الكتاب المقدس في الغرب بيعًا، فهو كتاب الغرب المقدس ويبلغ عدد النسخ المباعة مائة مليون سنويًا، وإن اسمها عربي، فهو من الجنِّ. ويعني في اللاتينية العبقرية والنجابة.

أبطال الإغريق المخاريق أنصاف آلهة، أما أبطال العرب في الجاهلية فبشر يعبدون الآلهة وينحرون لها، ويكرمون الضيف، ويغيرون على بعضهم فتلك هي حياة العرب، لكنهم أكرم من آلهة الإغريق السفهاء الذين يثيرون الحروب بين البشر، ويسعون بالفساد، فكأنها شياطين وليست آلهة. قال فيهم أخيل أشهر أقواله: الآلهة تحسدنا لأننا لسنا خالدين، ونعيش حياتنا وكأنها أخر لحظة لنا.