لقيت إقامة الحمّامات في الحضارات القديمة اهتماما كبيرا، حيث ارتبطت بالحياة الدينية وأمور الطهارة لديها، فوجد الحمّام بشكل منفصل أو في الأديرة أو القصور الكبيرة والنُزل.
وفي العصر الإسلامي كان للحمّامات دور بارز في الحياة الاجتماعية، حيث يرتبط بدعوة الإسلام للطهارة والنظافة وكان جزءا من إكرام الضيف الزائر للبلد بعد طول سفر.
وقد أنشئت في غزة العديد من الحمامات العامة في العصور الإسلامية المختلفة لخدمة الناس في المدينة وغيرهم من المسافرين والتجار، حيث كانت مصدراً لثراء العديد من الأمراء أو السلاطين أو كبار التجار وتنافسوا جميعا في بنائها لجذب الناس إليها، تعددت مساحاتها وكان بناؤها من الحجر الرخامي لمقاومة رطوبة الماء العالية في المكان.
ولم يتبق من هذه الحمامات في غزة سوى "حمام السمرة" الذي يقع في حي الزيتون بالبلدة القديمة في غزة، حيث يعد نموذجاً رائعا للحمامات المتكاملة ويبقى يعمل حتى يومنا هذا، ويرتاده يوميا عشرات الرجال والنساء.
ويعود تاريخ بناء حمام السمرة إلى عام (700هـ-1300م )، وقد استمر العمل به وتم تجديده خلال عهد الحكم العثماني وتواصل إلى يومنا هذا، بحسب أستاذ التاريخ الدكتور غسان الشامي.
وأوضح الشامي في حديثه لـ"عربي21" أن حمّام السمرة سمي بهذا الاسم نسبة إلى مجموعة (طائفة اليهود السامريين) الذين عملوا به مدة من الزمن ويقال إنهم تملكوه بعد مدة فسمي "حمام السمرة" على اسمهم، ثم باعوه وانتقلوا للعيش في نابلس وانتهى به الأمر إلى (آل رضوان) خلال العصر العثماني.
وأشار إلى وجود حمّام بنفس الاسم في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.
واعتبر أستاذ التاريخ حمّام السمرة أحد النماذج الرائعة للحمامات العثمانية في فلسطين، مشيرا إلى أنه الحمام الوحيد الباقي حتى الآن في مدينة غزة.
وأكد على أن الحمام يتكون من الفراغات المتكاملة التي تبدأ بمدخل خارجي يؤدي إلى ممر يشبه الدهليز معقود بعقد نصف برميلي يقود إلى قاعة تحتوي على نافورة مثمنة الشكل تحاط بأربع إيوانات، يؤدي الفراغ إلى غرفة تغيير الملابس ثم غرفة الاستحمام المشبعة بالبخار التي تنتهي بغرفة المغطس الساخن.
وأوضح أن سقف القاعة عبارة عن قبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون ليسمح لأشعة الشمس من النفاذ وإضاءتها بضوء طبيعي؛ مما أضفى على المكان رونقاً و جمالاً، إضافة إلى الأرضية الجميلة التي رُصفت بالبلاط الرخامي أحمر، وأبيض، وأسود بأشكال هندسية جميلة، مشيرا إلى أن تلك القاعة متصلة بباقي غرف الحمام، منها غرفة صغيرة لخلع الملابس، ثم غرفة واسعة للاستحمام وهي ذات جو مُشبع بالبخار تتألف من أربع خلوات صغيرة، يحيطها من الجانب الغربي أحواض رخامية قديمة يغترف منها المستحمون الماء الساخن، وفي إحدى زواياها غرفة صغيرة بها المغطس.
وأكد الدكتور عبد القادر حمّاد الأستاذ في جامعة الأقصى والباحث والخبير في السياحة الفلسطينية على أن "حمّام السمرة" يتميز بجمال داخلي ساحر حيث أن سقف الفراغ الوسطي عبارة عن قبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون للسماح لأشعة الشمس بالنفاذ للداخل، إضافة لأرضيات الحمام الرخامية المزينة بالزخارف الهندسية المعشقة بالألوان الجذابة بالأحمر والأبيض والأسود، الأمر الذي أضفى على المكان رونقاً وجمالا.
وقال حمّاد لـ "عربي21": "جرت العادة على بناء هذه الحمامات من الحجر الرخامي الذي يقاوم رطوبة الماء، ولم يبق منها سوى (حمام السمرة) الذي يقع في حي الزيتون بالبلدة القديمة في غزة، ويعد نموذجاً رائعاً للحمامات بعد أن كانت تضم 6 حمامات أحرى مملوكية وعثمانية".
وأضاف: "آل حمّام السمرة إلى (أويس باشا) والي دمشق، وجدده وقام بعمارته وإصلاحه، ثم آل إلى ابنته (آمنة هانم) (أم أحمد باشا الصغير) وانتهى به الأمر إلى (آل رضوان) الذين حكموا غزة خلال العصر العثماني قبل أن يتاجر (آل الوزير) عام 1900م ومن ثم يتملكونه منذ العام 1950 وحتى يومنا هذا".
وأوضح أنه تتجسد في هذا الحمّام روعة التخطيط والبناء المعماري المتكامل، حيث الانتقال التدريجي من الغرفة الساخنة إلى الغرفة الدافئة إلى الغرفة الباردة والتي سقفت بقبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون يسمح لأشعة الشمس من النفاذ لإضاءة القاعة بضوء طبيعي يضفي على المكان رونقاً وجمالاً هذا بالإضافة إلى الأرضية الجميلة التي رصفت بمداور رخامية ومربعات ومثلثات ذات ألوان متنوعة.
وقال حمّاد: "منذ قيام السلطة الوطنية عام 1994م بذلت جهود لترميم وحفظ وصيانة المباني الأثرية أو ذات الأهمية التاريخية في مناطق مختلفة من القطاع والضفة، مثل المسجد العمري الكبير، ومسجد هاشم، وكنيسة القديس بورفيريوس، وحمام السمرة، وقصر الباشا في مدينة غزة، وكذلك قلعة برقوق في خان يونس وغير ذلك الكثير من المعالم الحضارية المنتشرة في الأراضي الفلسطينية".
وأضاف: "لا شك أن ترميم وإعادة تأهيل هذه المباني على قلتها، يؤثر في المظهر العمراني العام في قطاع غزة والضفة الغربية، ويحافظ على المظهر الأثري والتاريخي للمنطقة فضلاً عن أن ذلك من عوامل الجذب الرئيسية للسياحة إلى قطاع غزة".
وأشار إلى تآكل النسيج العمراني والاجتماعي التقليدي بالمناطق التراثية، والافتقار إلى الصيانة اللازمة للمباني بها، وانهيار بنيتها الأساسية في مناطق كثيرة في الأراضي الفلسطينية خاصة في قطاع غزة، بسبب توجه المواطنين وبعض الجهات ذات العلاقة إلى إعادة استغلال الأراضي التي تشغلها هذه المباني الأثرية.
من جهته أكد مالك حمّام السمرة أحمد الوزير على أن مساحة حمامه تبلغ 400 متر مربع وأنه يواصل العمل بالطريقة التقليدية القديمة على الحطب.
في الوسط أحمد الوزير مالك حمام السمرة
وقال الوزير لـ "عربي21": "حمّام السمرة التاريخي يمتلك تصميم رائع يشعر كل من يقوم بزيارته بالراحة النفسية، ولا يزال يعمل بواسطة الحطب ويمتاز بأصالة الماضي, بتصميم رائع يجذب كل من يدخله".
وأضاف: "يعمل الحمّام درجة الحرارة المرتفعة على تخليص الجسم من كافة أوجاع الجسم، وذلك لأنها تعمل على تنشيط الدورة الدموية في الجسم وتقوم بتخفيف الأوجاع بالإضافة إلى الفوائد الصحية المتعددة له".
وأشار الوزير إلى أن الحمام يبدأ العمل يوميا منذ الساعة الخامسة فجرا وحتى العاشرة ليلا ضمن آلية عمل وبرنامج للرجال والنساء، موضحا أن مدة الجلسة تتراوح ما بين 30 دقيقة و45 دقيقة.
وأوضح أنه لا إحصائية ثابتة لديهم عن رواد الحمام، مقدرا استقبال الحمام عشرات المواطنين يوميا رجالا نساء وفق برنامج مجدول إضافة إلى عدد من السياح الأجانب الذين يقصدونه.
وأكد الوزير أنهم في العام 1900م تاجروا الحمّام من آل رضوان، ثم تملكوه في العام 1950م، ولا يزال يواصل عمله بشكل مستمر دون توقف.
وأكد انه تم تطوير الحمّام وعمل في داخله كافتيريا صغيرة لخدمة رواده خلال فترة الاستراحة، كذلك هناك عمل جلسات علاج طبيعي للرواد لمن يرغب في ذلك، دون المساس به كمبنى تاريخي والحفاظ عليه.
أقدم صورة للقدس عمرها 182 عاما بكاميرا الفرنسي فيسكه
أين دفن جد الرسول هاشم بن عبد مناف؟
عسقلان.. من أقدم مدن العالم سكنها العرب قبل 5 آلاف سنة