قيل إن السياسة جبر لا حساب، هذا فعلاً ما برهنت عليه الأحداث والتطورات التي شهدتها الساحة
الفلسطينية مؤخراً، إن كان على صعيد مواجهة الشعب الفلسطيني للسياسة الاستعمارية الصهيونية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 والقدس والضفة، أو على صعيد مواجهة سياسة السلطة الفلسطينية غير البعيدة كما هو ظاهر عن سياسة القبضة الأمنية الصهيونية مع الشارع الفلسطيني.
من المؤكد أن قطاعا واسعا من الشارع الفلسطيني ردد بغضب واسع في الأيام الأخيرة، عقب مقتل الناشط الفلسطيني
نزار بنات على أيدي أجهزة أمن سلطة رام الله، شعارات تنادي برحيل السلطة ورئيسها.. هذه الدعوات قوبلت بغياب البصر والبصيرة الذي لطالما تمتعت به السلطة الفلسطينية، ولخصتها في الأيام الأخيرة باستعادة مشاهد
القمع الواسع للمتظاهرين في رام الله على أيدي قوات أمن السلطة هذه المرة.
وقائع ما يجري على الساحة الفلسطينية من قمع، صدمت العقل والوعي الفلسطيني بقوة مذهلة؛ من سلطة تمارس اليأس والإحباط والتفريط بركائز الحقوق الفلسطينية، إلى الانعطاف العاجز والمسلوب الإرادة أمام غول الاستيطان والعدوان الملتهم أراضي القدس ومدن الضفة
وقائع ما يجري على الساحة الفلسطينية من قمع، صدمت العقل والوعي الفلسطيني بقوة مذهلة؛ من سلطة تمارس اليأس والإحباط والتفريط بركائز الحقوق الفلسطينية، إلى الانعطاف العاجز والمسلوب الإرادة أمام غول الاستيطان والعدوان الملتهم أراضي القدس ومدن الضفة، ليجد الفلسطيني نفسه في مواجهة سلطة تلاحقه وتطارده وتعتدي عليه وتقوم بتصفية من يوجه النقد لسياساتها، بعد أن أغرقت قضيته في متاهات الأوهام والخداع؛ أوهام لم تنطل على الشارع الفلسطيني.
ومواجهة السلطة الفلسطينية للشارع بقمع مجرب من المؤسسة الصهيونية لن تنقذها من ورطة الغرق بفساد وظائفها المتعددة على الساحة الفلسطينية، ولا استنساخ تجربة الاستبداد العربي والتغول في الاعتداء على حرية وكرامة البشر يشكل مخرجاً لورطات "حركة تحرر وطني" تحت الاحتلال.
تعرض الفلسطينيون أثناء مقارعتهم للاحتلال لأساليب عدوان المستعربين الصهاينة في الانتفاضتين وفي كل المواجهات التي تدور بين المقاومين وبين مؤسسة الاحتلال، لكن في قمع الشارع الفلسطيني من قبل أجهزة أمن سلطة رام الله برز تطور لافت باستنساخ التجربة الاسرائيلية؛ بإنشاء جهاز قمعي بلباس مدني وظيفته الاندساس بين المتظاهرين واعتقالهم والاعتداء عليهم بوحشية.
في قمع الشارع الفلسطيني من قبل أجهزة أمن سلطة رام الله برز تطور لافت باستنساخ التجربة الاسرائيلية؛ بإنشاء جهاز قمعي بلباس مدني وظيفته الاندساس بين المتظاهرين واعتقالهم والاعتداء عليهم بوحشية
الوقائع العنيدة على الساحة الفلسطينية لم تعد أمراً مستغرباً، وعنف مواجهة الشارع الفلسطيني من قبل الاحتلال ومؤسسة السلطة الأمنية ثابت في هذه الوقائع التي لم يترك شيئاً يفاجئ الفلسطينيين، حتى في الجرأة الصهيونية التي كنا نقول عنها أنها مستمدة من وحشية الاستبداد العربي يتم تطبيقها فلسطينياً بأيدي جهاز أمن يعتنق مبادئ الطغاة والمستبدين وقوى الاحتلال. وحركة "التحرر الوطني" تحت الاحتلال التي تسيّر مظاهرات تأييد لرئيس السلطة الحامي للجهاز القمعي؛ تستنسخ وظيفة أجهزة أمن النظام العربي الغارق بدماء شعبه، كبادرة احتفاء بهذا القمع لبقية المجتمع الفلسطيني.
هذا هو المستنقع والمأزق الذي غاصت فيه عقلية التنسيق الأمني وتطوير القمع؛ الذي بات يتخبط فيه كل من توهم بأن بالإمكان تمرير عملية تطويع الشعب الفلسطيني بالانصياع لأوهام التخلي عن الحقوق الفلسطينية دون رد فعل يذكر.
هناك عوامل عديدة لم يجر حسابها كما هي عليه في الواقع، أو أسقطت عن عمد مع أنها قائمة، وأولها وجود شعب ومقاومة ومعارضة متنامية لسلطة التنسيق الأمني، دون إغفال ثغرات ترافق هذه المقاومة، إضافة للحسابات والتناقضات التي تفعل فعلها في الشارع الفلسطيني والعربي، ومن لم يأخذ هذه المسائل وسواها بعين الاعتبار فلا بد أن تتفجر أمامه وتحت قدميه الألغام. وعندما تخرج سيدة فلسطينية تصرخ بوجه أجهزة أمن سلطة أبي مازن التي تعتدي على المتظاهرين المنددين بمقتل الناشط والمعارض نزار بنات؛ بالقول "برافو عليكم برافو يا خونة"، وعندما يتم سحل المتظاهرين السلميين في شوارع رام الله والاعتداء على الصحفيين والنشطاء أمام الكاميرات، فإن جذور الصراع ومسبباته مع سلطة فاسدة واحتلال عنصري قائمة.
جربت المؤسسة الصهيونية كل الوسائل والأساليب، والمتوجة بإنشاء سلطة فلسطينية تقوم عقيدتها الأمنية تحت رعاية أمنية أمريكية اسرائيلية؛ على التنسيق مع الشاباك (أو شين بيت) الإسرائيلي لتطويع العقل الفلسطيني عند حدود القبول بما هو قائم والتعايش معه
ما حفلت به هذه المساحة من انهيارات منذ اتفاق أوسلو، كشف عن سذاجة وبلاهة وصلتا حد الهوان بتصفية السلطة الفلسطينية لنزار بنات، وإلى التغول بالاعتداء على الشارع الفلسطيني ومطاردة النشطاء والتنسيق مع المحتل لاعتقالهم، فوضعت الشعب الفلسطيني في دوامة حصار مرعب لشعب بأكمله، ما جعل من السلطة وشرطتها وجهازها الأمني أداة لقمع شعب منتفض ومتمرد على الاحتلال، وعجزت كل سياسات المؤسسة الصهيونية عن لي عنقه.
وقد جربت المؤسسة الصهيونية كل الوسائل والأساليب، والمتوجة بإنشاء سلطة فلسطينية تقوم عقيدتها الأمنية تحت رعاية أمنية أمريكية اسرائيلية؛ على التنسيق مع الشاباك (أو شين بيت) الإسرائيلي لتطويع العقل الفلسطيني عند حدود القبول بما هو قائم والتعايش معه.
أخيراً، يوماً وراء يوم، سيظهر ما هو مفاجئ حقاً.. ألم نقل في البداية إن "السياسة جبر لا حساب"، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق وكرامة شعب خبر قمع المستعربين ونظرائهم في السلطة من المتأسرلين؟
twitter.com/nizar_sahli