ألف يوم على اختفاء السياسي المصري ومؤسس حزب "العدل"، مصطفى النجار؛ الذي يعد كذلك أحد رموز ثورة 2011؛ دون أن تحرك السلطات ساكنا للتحقيق بالأمر، مكتفية بإنكار وجوده في معتقلاتها أو معرفة مصيره.
ووسط تداول ناشطين سيناريوهات مختلفة لما حدث للنجار، وهو طبيب وبرلماني سابق أيضا؛ يتزايد إلحاح حقوقيين من داخل البلاد وخارجها على سؤال السلطات عن مكانه وما إذا كان لا يزال على قيد الحياة، وسط تشكيك واسع بالنظام.
وكانت زوجة النجار، شيماء عفيفي، قد كشفت إثر اختفائه، عام 2018، في حديث مع "عربي21" آنذاك، أنهما كانا في الإسكندرية مع أبنائهما الثلاثة، ثم عادوا للقاهرة بدونه، وفوجئت به يتواصل معها من مدينة أسوان (جنوبا) يوم 27 أيلول/ سبتمبر.
وأكدت النجار أن ذاك كان آخر تواصل بينهما، لكنها في يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، تلقت مكالمة من مجهول يخبرها بأن زوجها قد تم إلقاء القبض عليه، في أسوان، وذلك قبل أيام من حكم بسجنه ثلاث سنوات.
وقبيل قصة اختفاء النجار، كان النظام العسكري الحاكم قد وجه له تهمة إهانة القضاء، على خلفية حديث له بالبرلمان عام 2012، عن تبرئة القضاء لرموز نظام حسني مبارك من تهم قتل ثوار يناير 2011، وحكم عليه بثلاث سنوات غيابيا، وهي ذات القضية التي تمت محاكمة الرئيس الراحل محمد مرسي وآخرين فيها.
وكان صديقه الناشط المعتقل الآن في قضية "خلية الأمل"، زياد العليمي، قد كشف عن حقيقة مصير النجار في حديث سابق مع مراسل"عربي21"، بعد اختفائه بنحو أسبوعين ولكنه طلب حينها عدم نشر حديثه حرصا على مشاعر أسرته.
وقال العليمي، حينها، إنه "على الأغلب أن النجار قد تمت تصفيته على الحدود المصرية السودانية أثناء محاولة هروبه من البلاد خوفا من بطش النظام العسكري وذلك قبل أيام من الحكم عليه في القضية المذكورة".
وعلى الرغم من قيام زوجته بتقديم بلاغات رسمية مطالبة وزارة الداخلية والنائب العام بالكشف عن مكان زوجها، وتبني منظمات حقوقية محلية ودولية ملفه؛ إلا أن النظام لم يكشف عن مصيره حتى اليوم.
وجاء الرد الرسمي الوحيد يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، على لسان "الهيئة العامة للاستعلامات"، (حكومية) نافية علاقة وزارة الداخلية المصرية، باختفاء النجار، ومؤكدة عدم معرفتها مكانه.
وفي آذار/ مارس 2019، طالبت "هيومن رايتس ووتش" بالكشف عن مكان النجار وفي 12 حزيران/ يونيو 2020، توجهت لجنة "حقوق الإنسان للبرلمانيين" التابعة للاتحاد البرلماني الدولي بخطاب رسمي للبرلمان المصري، للكشف عن مصير النجار، دون الحصول على رد رسمي.
ورغم أنه وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2020، ألزمت محكمة القضاء الإداري وزير الداخلية بالكشف عن مكان مصطفى النجار، وفق دعوى أقامتها أسرة الأخير، إلا أنه لم يصدر رد رسمي حتى كتابة هذه السطور، وفق زوجته.
وكان النجار ناشطا بارزا في ثورة يناير 2011، لكنه أيد انقلاب 2013، ولم ينتقد نظام عبد الفتاح السيسي، ولم يسجل موقفا ضده منذ نهاية 2017، وحتى اختفائه في 27 أيلول/ سبتمبر 2018، إلا أن نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، يعتقدون أن النظام ينتقم منه لدوره في ثورة يناير.
وسجل النجار بنفسه آخر تدوينة له عبر صفحته على "فيسبوك" نهاية عام 2017، ليمضي نحو عام كامل و10 أشهر دون التعليق أو الكتابة على أحداث مصر رغم تعاظمها، فيما كان آخر مقال له بصحيفة "الشروق" المحلية في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2017، ولم يكتب بعدها أية مقالات.
"تجاهل من الداخلية"
زوجة النجار شيماء عفيفي، في حديثها مجددا مع "عربي21"، توجهت بنداء إلى المسؤول عن احتجاز زوجها قائلة له: "أرجو أن تشعر بحجم المعاناة الإنسانية التي يعيش فيها أولاده الثلاثة الذين يفتقدون والدهم 1000 يوم، وقرابة الـثلاث سنوات".
وقالت: "أنا والأولاد تعبنا جدا، وكل حياتنا متوقفة على عودة مصطفى، فقد كان من يأخذ أهم القرارات في حياتنا، كما أن الحياة اليومية وتفاصيل كثيرة نحتاج فيها إلى وجود مصطفى".
اقرأ أيضا: بعثات دولية للكشف عن مصير برلماني مختفٍ بمصر
وأضافت أنه "من حقنا كأسرة الدكتور والسياسي والبرلماني السابق أن نعرف مكانه، ونراه وفق القانون والدستور، نريد أن نطمئن عليه، وبالتأكيد صحته تدهورت طوال هذه الفترة".
وحول الإجراءات القانونية التي قامت بها أسرة النجار، أكدت الزوجة أنها "حصلت على حكم قضائي من مجلس الدولة بإلزام وزير الداخلية بالإفصاح عن مكانه".
وأشارت إلى أنها "قدمت أيضا شكوى أمام المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، وبلاغا للنائب العام في مكتبه بالقاهرة وفي أسوان تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أيضا حيث آخر مكان تواصل منه مصطفى معنا".
وحول آخر رد رسمي وصل إلى أسرة النجار عن اختفائه من النيابة أو الداخلية قالت زوجته، إن "النيابة أكدت لها أنها كلفت بإنزال فرق للبحث عنه ولكنهم حتى الآن لم يعودوا بجديد"، موضحة أن "الداخلية لم تهتم بقرار مجلس الدولة ولا يوجد رد منها".
وأكدت أنه لم يعد أمام أسرة النجار سوى "الضغط الإعلامي"، كأحد الحلول المتبقية لديهم.
"الاحتمال المؤسف"
السياسي المصري والمحامي الحقوقي عمرو عبدالهادي، أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى احتمال أن يكون مصطفى تعرض لبطش السلطات الأمنية ومات كغيره من الكثير من المصريين ومن ثوار يناير ومعارضي النظام.
وقال: "للأسف مصطفى النجار، قتله السيسي والجيش أثناء خروجه من مصر عن طريق السودان"، لافتا إلى أن "هذا ما صرح به الناشط وائل غنيم، المقرب من النظام المصري الآن بعدما أصبح ضد الثورة والثوار".
وأضاف عبدالهادي: "والحقيقة أنها الرواية الأوقع الآن نظرا لانقطاع أخباره منذ ما يقارب الـثلاث سنوات؛ فلو كان في أي من سجون مصر لعرف أهله مكانه، وخاصة أنه غير مطلوب على ذمة أي قضية، ونظرا لأنه أحد رموز 30 يونيو وثورة يناير".
ويعتقد أنه "لو كان قد خرج من مصر بأي طريقة فلن تستغرق كل هذا الوقت، وكان سيظهر بأي دولة في العالم، كما فعل سابقا الكثير من المعارضين".
وختم حديثه بالقول: "لذلك فإن الأوقع بالنسبة لي أن أمن الدولة قام بتعذيبه وإخفائه قسريا ثم قتله وأخفى جثمانه؛ ثم خروج وائل غنيم، ليقول تلك الرواية التي أعتقد أنها بمجملها صحيحة".
"لغز محير"
المحامي الحقوقي هاني عوض، قال: "حتى كتابة هذه السطور لا يزال إختفاء النجار لغزا محيرا للجميع بعد مرور 1000 يوم وسط أقاويل كثيرة منها ما ذهب إليه البعض بقيام الأجهزة الأمنية المصرية بإلقاء القبض عليه وإخفائه قسريا تنفيذا للحكم القضائي الصادر ضده".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن ذلك الاحتمال "نفته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ببيانها 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2018".
ولفت عوض، أيضا إلى "حديث الناشط السياسي وائل غنيم، وإعلانه أن النجار مات أو قتل أثناء هروبه إلى السودان، وأنه لا علاقة للأجهزة الأمنية المصرية بالقصة، وذلك ردا على تغريدة للسيناتور الأمريكي ماركو روبيو الذي طالب السلطات المصرية بتوفير معلومات عن النجار".
وحول الموقف القانوني، أكد أن "آخر تطور كان إصدار محكمة القضاء الإداري في 20 كانون الثاني/ يناير 2020، حكما قضائيا بإلزام وزارة الداخلية بالكشف عن مكان اختفائه في الدعوى التي أقامتها زوجته".
وجزم المحامي المصري، بأنه "وحتى الآن لا معلومات من الجهات الرسمية المصرية تقطع الشك باليقين عن ظروف وملابسات اختفاء النجار".
"الحرية والعدالة" يطالب بتدخل أفريقي لمنع الإعدامات بمصر
العمل الوطني المصرية تخاطب المجتمع الدولي لوقف الإعدامات
"عربي21" تلتقي أسر قيادات الإخوان المحكومين بالإعدام