مقابلات

ناشط ليبي: ثورة 17 فبراير صمدت أمام هجمات عاتية

علي جبريل ناشط ثوري ليبي

تناول الناشط السياسي الليبي، علي جبريل، في مقابلة مع "عربي21"، ذكرى الثورة الليبية التي أطاحت بحكم العقيد معمر القذافي، وإلى أين ذهبت الأمور سياسيا وعسكريا من بعدها.

 

وقال إن "الثورة الليبية صمدت أمام هجمات عاتية اشتركت فيها تخطيطا وتمويلا وتنفيذا دول إقليمية، ودول تملك حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، إلا أن هذه الموجة العاتية نجحت الثورة في كسرها".

 

وشدد على أن "معسكري الثورة والثورة المضادة لا يمكنهما أن يتعايشا معا للاختلاف الجذري في مشروعهما وأهدافهما".

وأضاف، في مقابلة مع "عربي21": "في مثل هذه الأيام قبل 10 سنوات أطاح الليبيون بواحد من أكثر حكام المنطقة استبدادا وجنونا، في ثورة شعبية حقيقية بعد أربعة عقود من الترويع والتجهيل والتجويع".

"تركة القذافي الثقيلة"

وأشار جبريل إلى أن "ثورة 17 شباط/ فبراير بعد انتصارها واجهت تحديات داخلية وخارجية، أهمها تركة القذافي الثقيلة، وأهمها تدميره للدولة كواقع ومفهوم ومؤسسات، حيث اختزل الديكتاتور القذافي الدولة في شخصه فقط، ولذلك فإنه حينما سقط سقطت معه الدولة، بخلاف ما جرى في مصر وتونس على سبيل المثال، إذ سقطت فيهما السلطة، لكن الدولة ظلت قائمة".

وشدّد على أن "ليبيا تعرضت خارجيا لهجوم من جماعات من خارج البلاد أهمها تنظيم داعش، وكذلك لهجوم كاسح للثورة المضادة، وصل إلى حد الغزو المسلح على العاصمة طرابلس لمحاولة وأد الثورة التي وقفت –حتى الآن- صامدة متحدية متطلعة لغد أفضل، رغم جراحها وآلامها".

وحول رفض قول البعض بأن الثورة الليبية فشلت في بناء دولة ديمقراطية حديثة ومزدهرة، قال: "مَن لديه وصفة لتحويل مجتمع ودولة من ديكتاتورية غاشمة إلى ديمقراطية فاعلة، ومن هشيم دولة إلى صرح اقتصادي وسياسي مزدهر في 500 أسبوع، فليته يعطينا كتاب الإرشاد هذا لنتعلم منه".

"عقد اجتماعي جديد"

واستطرد الناشط الليبي قائلا: "ما زلنا في مرحلة انتقالية. نأمل في أن تنتهي في أسرع وقت يوضع فيه دستور للبلاد، كعقد اجتماعي جديد، والأهم ترسيخ فكرة الدستور في العقول والنفوس؛ فهذه هي الضمانة المأمولة".

ولفت جبريل، المُقيم حاليا بالولايات المتحدة، إلى أن "التغير في الإدارة الأمريكية سيكون إيجابيا تجاه الوضع السياسي في ليبيا، لأنه سيكون على الأقل أقل سلبية من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب".

وكانت السفارة الأمريكية في ليبيا قد أكدت، في بيان لها، الأربعاء الماضي، أنها "ستواصل دعم العملية السياسية التي تقود ليبيا نحو المصالحة والانتخابات المقبلة، والتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الليبي، بما في ذلك انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة".

وأوضح جبريل أن "الرغبة الحقيقية للأطراف الإقليمية والدولية في إنهاء الأزمة في ليبيا لا يمكن معرفتها؛ فالدول تحركها مصالحها ورؤية نخبها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ويحد من تأثيرها توازن القوى بين هذه الدول، والأهم صلابة قوى المجتمع والدولة في ليبيا".

"فداحة استمرار الفوضى"

ورأى أن "أهمية ليبيا تكمن في موقعها بالدرجة الأولى؛ فهي بطبيعتها جسر، ربط عبر التاريخ حضارات البحر الأبيض المتوسط وأوروبا بأفريقيا، وهي بوابة أفريقيا الرحبة المفتوحة على الشمال، وعبرها تواصلت دول وحضارات وادي النيل والمشرق في شمال أفريقيا إلى الأطلسي، وكانت دائما معبرا للتجارة والثقافة والديانات والأفكار من الشرق إلى الغرب والعكس.

 

وأضاف: "لذا فإن أي اضطراب أو تعطل في وظيفة هذا الجسر (ليبيا) سوف ينعكس سلبا على كامل محيطها بقدر ما ينعكس سلبا على سكانها". 

وتابع: "من هنا، فإن على القوى والأطراف الخارجية التي تريد استمرار الفوضى في ليبيا أن تقدر فداحة ممارساتها، وأنها من حيث لا تحتسب سينقلب ذلك سلبا على مصالحها. وعليها أن تدرك أن محاولة فرض نظام ديكتاتوري من جديد بحجة تأمين الاستقرار لن تحقق أهدافهم، لأن الأجيال الشابة والقادمة لن ترضى بذلك؛ فقد حدثت ثورة في الفكر والرؤى عند هذه الأجيال، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء".

وزاد بقوله: "منذ عام 2013 إلى يومنا هذا أهدرت الأنظمة العربية التي قادت الثورة المضادة لثورات الشباب في الوطن العربي أكثر من تريليون دولار لوأد ثورات الربيع العربي، بحسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية. والسؤال الذي أسأله لنفسي كثيرا: ماذا لو أُنفق عشر هذه الأموال على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للرقي بملايين الشباب في بعض دول الثورات؟".

 

وقال: "أظن أن الوضع سيكون مختلفا عما نشاهده الآن. بينما المحزن أن هذا التدخل العبثي المدمر ستظهر وستستمر نتائجه الكارثية على امتداد 10سنوات أو 20 سنة قادمة، إن لم يكن أكثر".

"وقف حركة التاريخ"

وقال: "نحن في بداية العشرية الثالثة من القرن الـ21، والنظام الدولي تجري إعادة ترتيبه أمام أعيننا، ولم يستقر الشكل النهائي لهذا النظام بعد -وقد لا يستقر- والدول المتقدمة رغم إمكانياتها وخبرات مجتمعاتها الحضارية تدرك حجم التحديات التي أمامها، وخاصة تحديات التغيير المناخي، وموارد الطاقة، والتغييرات الديمغرافية في تلك الدول، وما يعنيه من حاجة إلى إعادة النظر في أنظمتها السياسية والاقتصادية".

واستطرد قائلا: "لعل ظهور الشعبوية التي قد تنتج أنظمة فاشية في معاقل الديمقراطيات الغربية من أهم هذه التغييرات. والجدير بالملاحظة أن موجات اللاجئين الفارين من جحيم الحروب في بلدان الربيع العربي سارعت في انتشار هذه التيارات الشعبوية في بلدانها. ولذلك فإننا نستطيع أن نرى بوضوح قصر نظر القوى التي تسعى لوقف حركة التاريخ".

"ظاهرة جديدة في الثورات"

ونوّه جبريل إلى أن "هناك جوا من التفاؤل في أن تسير العملية السياسية الليبية قدما إلى الأمام، لأن هناك قناعة بأن الحل العسكري ثبت فشله تماما، بالإضافة إلى أن هناك تغيرا في المشهد الدولي بمجيء بايدن إلى البيت الأبيض".

وعن مستقبل الثورة، قال: "الثورة الليبية كغيرها من ثورات الربيع العربي تُعدّ ظاهرة جديدة في الثورات؛ فهي ثورات لم يُخطط لها ولم تقدها قيادات ونخب ثورية حقيقية. إنها ثورات عصر التواصل الاجتماعي وعصر انتشار المعلومة بسرعة الضوء".

واختتم الناشط السياسي الليبي بالقول إنه "لا يوجد للثورة الليبية مشروع جاهز ومكتمل الأركان، إلا أن هناك مشروعا يتبلور في الأذهان والنفوس لبناء الدولة من جديد، خالية من الاستبداد تحقق العدل وتكفل كرامة الإنسان، وهذا ما سيفجر طاقات البناء والتطوير والازدهار".

"انفراجة في النزاع الليبي"

وأطاحت ثورة شعبية بالرئيس الراحل معمر القذافي، في 17 شباط/ فبراير 2011، قبل أن تدخل البلاد في تناحر سياسي طويل على السلطة مع سعي شخصيات محسوبة على النظام السابق، وخاصة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الاستئثار بالسلطة، والإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا.

لكن ذكرى الثورة تحل هذا العام في ظل انفراجة في النزاع الليبي؛ حيث انتخب أعضاء ملتقى الحوار السياسي سلطة تنفيذية مؤقتة حتى إجراء الانتخابات المقبلة.

وأسفرت المحادثات الليبية التي ترعاها الأمم المتحدة في 5 شباط/ فبراير الجاري عن تشكيل حكومة مؤقتة جديدة للبلاد، بهدف وضع حد لعقد من الفوضى والانقسام والعنف، بإجراء انتخابات نهاية هذا العام.

وعقب الإعلان عن ذلك، فقد لقي اتفاق تشكيل الحكومة المؤقتة في ليبيا ترحيبا عربيا وغربيا واسعا، وسط تطلعات إلى إنهاء الأزمة المستمرة منذ سنوات.

وكانت مبعوثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني وليامز، قد صرّحت، مطلع الشهر الجاري، بأن السلطة التنفيذية المؤقتة ذات اختصاصات محددة، ومهمتها الأساسية إجراء انتخابات (رئاسية وبرلمانية) في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، نافيةً أن يكون ما يتم "مشروع تقاسم سلطة أو تقسيم كعكة".

جدير بالذكر أن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بدعم من دول عربية وغربية، تنازع منذ سنوات، الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.

ورغم تحقيق تقدّم على المسارين السياسي والعسكري نحو إيجاد حل للنزاع، فإن قوات حفتر تنتهك من آنٍ لآخر، وقفا لإطلاق النار قائما منذ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، برعاية الأمم المتحدة. وكانت أعمال الملتقى السياسي الليبي، الذي انعقد في تونس برعاية أممية، قد انتهت في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وتم خلالها تحديد الـ24 من كانون الأول/ ديسمبر 2021، موعدا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بالبلاد.

علي جبريل في سطور

يجدر الإشارة إلى أن "جبريل"، الذي يعمل كباحث أكاديمي في مجال الموارد المائية في الولايات المتحدة، التحق بالجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في خريف 1981، وهي تنظيم معارض كان يهدف لإسقاط نظام القذافي وإقامة نظام حكم ديمقراطي، ثم اختير عضوا في اللجنة التنفيذية للجبهة الوطنية في المؤتمر الوطني للجبهة سنة 1995 لدورة واحدة.

وشارك خلال فترة دراسته بأمريكا في نشاطات الاتحاد العام لطلبة ليبيا بالولايات المتحدة، وهو اتحاد يمثل الطلبة الليبيين المعارضين لحكم القذافي في الخارج، واختير عضوا في الهيئة الإدارية للاتحاد لسنة 1984-1985. وعند اندلاع ثورتي تونس ومصر عام 2011 شارك مع الجاليات العربية في النشاط الداعم لهذا الثورات من مشاركاته بعدد من وسائل الإعلام الدولية.

كما أنه انتقل إلى جزيرة جربة (جنوب شرق تونس) للمشاركة مع ائتلاف 17 شباط/ فبراير في التحضير لانتفاضة طرابلس ضد حكم القذافي، بالإضافة لمشاركته مع كتيبة السرايا الحمراء– لواء طرابلس، في تأمين مدينة طرابلس بعد انتفاضة المدينة في 20 آب/ أغسطس 2011، وهروب القذافي وسقوط نظامه.