لم يمرّ على وباء كورونا سوى
أسابيع، حتى تهاوت كبريات الشركات تباعا في مشهد هوليوودي خيالي لم يكن لأحد أن
يتوقعه. البعض غادر المشهد في عالم السياحة، بينما غادرها آخرون في عالم النقل،
والقائمة تطول، ممن نحرتهم سكين الوباء، من دون أن تتمكن حكومات الدول من التدخل
لإغاثتهم، لا لانعدام الرغبة، بل لاختلاف الأولويات، التي استوجبت دفع فواتير
الوباء، وما حمله من انهيارات اقتصادية، وإغلاقات شاملة ونفقات تعويضية، وخطوات
مالية إغاثية ضخمة حول العالم.
ومع أفول نجم تلك الشركات، وجدت شركات أخرى
طريقها نحو تصاعد الأرباح، على خلفية المقولة الشهيرة: مصائب قوم عند قوم فوائد.
وعليه فقد بدأت نجوم البعض المشهور بالتصاعد، من حيث السطوع والتألق، وما صاحب ذلك
من تدفق نقدي خيالي، ساهم في إثراء الأرباح والعائدات. بينما استطاعت شركات أخرى
مغمورة، أن تحجز لنفسها مقعدا وسط قائمة مشاهير المال، ليبرز نجمها وتتعزز
مدخولاتها، وتتغير معها خريطة المال والأعمال.
ولفهم تلك الخريطة، فقد سبق أن نشرت مقالا
بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر المنصرم بعنوان «أباطرة العصر الكوروني» قدمت فيه تفصيلا
حول المستفيدين واختصاصاتهم القطاعية، وما ارتبط بصعودهم وتألقهم، وما راكموه من
تجربة نوعية خشي البعض معها من نقمة شعبية، تطال تلك الشركات، فقرر معظمهم ضخ شيء
من المال في إطار مسؤولياتهم الاجتماعية ودورهم الإنساني الإغاثي. لكن أحدهم قرر
أن يتسيّد المشهد، عبر مناقشة مقترحة لقضايا اللقاحات المناسبة وطبيعة التدخل
الحكومي، ودور القطاع الدوائي في توفير العقار المناسب.
بيل غيتس المتنبئ قبل أعوام بإصابة العالم
بالوباء، اختط لذاته مسارا إعلاميا، يحاول من خلاله أن يعيد للأذهان، ما سبق أن
حذر العالم بشأنه، محاولا أن يقدم رؤيته لانفكاك العالم من الوباء المميت، لكن
تدخلات غيتس لم توصله إلى حيز الشفاعة، بل زجّت به إلى مربع الأثرياء، الذين
اتهموا بالمتاجرة بسلامة وصحة البشرية، مقابل زيادة أرباحهم وعائدات شركاتهم.
المفارقة أن غيتس يكاد يكون الوحيد من أباطرة المال الذين انشغلوا بهذا المسار،
فأين ذهب غيره؟ البقية الباقية ذهبت ومعها غيتس نحو تكديس المال، في تنافس محموم ومتسارع،
بلغ حد الشطط في الأرباح والعائدات، وهو ما انعكس على تسوياتهم الاجتماعية، التي
طالت أمورهم الشخصية، كالطلاق كما في حال مؤسس شركة أمازون جيف بسيوس.
المفارقة هو أن القاسم الأعظم بين معظم
الأباطرة هو ارتباطهم بعالم التكنولوجيا وما راكموه من خبرة أنقذت ممالكهم في عصر
التباعد، لما امتلكوه من قناعة لأهمية التقانة الحديثة والعصر الرقمي، لكن هذا
الأمر، رغم «فوائد» كورونا أيضا، لم ينفع في استمرار حالة الغنى المتصاعد لتنشر
مجلة «فوربس» الشهيرة مقالا بتاريخ 26 من هذا الشهر وعنوانه: العشرة الأغنى في
العالم يصبحون أكثر فقرا بواقع 14 مليار دولار خسروها جراء اضطراب سوق المال (في
ذلك التاريخ). سبحان الله، في عصر كورونا، الفقير يزداد جوعا، والدول تتخبط حيرة،
ومعظم الشركات تقاتل من أجل البقاء، والدنيا في صدمة لا تنتهي، بينما البعض ينام
غنيا ليصحو غنيا – فقيرا ليعود بعدها لما بينهما من تأرجح مهم… كورونا ليست مربع
الفقراء، بل أيضا أرجوحة الأغنياء نحو عالم الفقر المؤقت!