طغى على مشهد الحرب في
اليمن أواخر الأسبوع الحالي صخبٌ إعلاميٌ، ترافق مع تنفيذ المرحلة الأولى من
عملية تبادل الأسرى، وسط ادعاءات سياسية من أطرافٍ إقليميةٍ ضالعة في حرب اليمن والوسيط الدولي مارتن غريفيث؛ بأن هذه العملية الإنسانية والمتعثرة والمتأخرة قرابة العامين إنجازٌ سياسي.
غير أن هذه العملية ربما تكون غطاء لأكثر
الانتهاكات سوءا والتي تمارس خارج هذه الصفقة، فبالإضافة إلى أن
الحوثيين لم تتم مساءلتهم حتى الآن عن عشرات المفقودين وأولئك الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب، وسط انصراف مقصود للإشادة بعملية تبادل الأسرى المتواضعة التي حركتها رغبة سعودية ملحة لإطلاق جزء من أسراها لدى مليشيا الحوثي، وإلا لما كنا شهدنا هذه المرحلة تنفذ على أرض الواقع، رغم أن الحكومة والحوثيين كانوا قد توافقوا على إطلاق سراح اكثر من 1400 أسير ومعتقل في جولة عمَّان الثالثة، في شباط/ فبراير الماضي.
وثمة زاوية تتجاهلها الأمم المتحدة ومعها أطراف الحرب عن قصد، لكنها مهمة لأنها تتيح النظر منها إلى أكثر مظاهر الحرب سوءا على الساحة اليمنية، والمتعلقة بسلسلة الاعتقالات التي تنفذها مليشيات مسلحة موالية للإمارات والتحالف، خصوصا في مدينة عدن بجنوب البلاد.
عندما كانت
القوات الإماراتية تهيمن على عدن أطلقت العنان للتشكيلات المسلحة الموالية لها للقيام بحملات اعتقالات كبيرة في أوساط المناهضين للدور الإماراتي؛ الذي تجلت أهدافه الهدّامة منذ وقت مبكر، وأحياناً كانت الاعتقالات تنفذ متتبعةً الهوية السياسية للمعتقلين، خصوصاً إذا كانوا من التجمع اليمني للإصلاح أو من مكونات جنوبية منحازة للدولة اليمنية.
لا يزال الانفصاليون ينفذون التعليمات الإماراتية بدقة متناهية، وآخر ضحايا عمليات الاعتقال والتعذيب، الدكتور طاهر عبد الله عبد الجبار القباطي (47 عاماً)، الحاصل على شهادة الدكتوراة في الكيمياء التحليلية، والذي اعتقل في آب/ أغسطس الماضي عند مدخل عدن الشرقي في نقطة العلم التي يسيطر عليها مسلحون تابعون للمجلس الانتقالي، بينما كان عائداً في سيارته وبرفقة زوجته من محافظة حضرموت.
وضع هذا الأكاديمي المعتقل المتهم بتدبير محاولة انقلاب على الانقلابيين الانفصاليين، أضاء عليه بيان صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات ومقرها جنيف، أفاد بأن الرجل تعرض لتعذيب مبرح أفقده القدرة على الحركة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن مليشيا الانتقالي الجنوبي قامت بمداهمة منزله في حي اللحوم شمال مدينة عدن، ومنازل أقارب له في منطقة السيلة شمل شرق المدينة، وصادرت محتويات منزله ومنازل أقاربه، وتم ترويع زوجته، واعتقال أقارب له كانوا في المنزل وممارسة أبشع أنواع الانتهاكات بحقهم.
هذه الحالة تشكل جزءا من ممارسات لا تتوقف، وتعكس بشاعة العصابات المسلحة التي هيّأ لها التحالف فرصة الاستحواذ على القرار الأمني والمعيشي في ما يزعم أنها مناطق محررة من مليشيا الحوثي في جنوب البلاد.
السعودية التي حركت ملف
المعتقلين لتحقيق أهداف وغايات خاصة بها، تخفي أكثر من 400 معتقل يمني في سجونها، معظمهم اعتقل وعذب وصودرت حريته وكرامته، بتهم متصلة بنشاطات إعلامية ومعلوماتية على مواقع التواصل الاجتماعي.
لا بواكي لهؤلاء ولا يمكن أن يندرجوا ضمن قوائم وصفقات المتحاربين، فالمقياس هنا هو تحرير المُحارب، لا تحرير المظلوم والمدني غير المتورط في الحرب، والذي داست عليه عجلة الحرب بشكل متعمد لأن القاسم المشترك بين المتحاربين هو معاداة الحرية واستهداف الكرامة، على نحو يبدو معه الاعتقاد بأن
السعودية يمكن أن تكون جزءا من حل يستعيد الدولة اليمنية الديمقراطية التشاركية؛ ضربا من التفكير الأحمق.
لقد
بلغت الشرعية مستوىً منحدراً من الهوان نتيجة سلسلة من التنازلات التي قدمتها لأعداء الدولة اليمنية الداخليين والخارجيين، خلال السنوات الست الماضية من زمن الحرب.
لكن هذا الأمر لا يمكن أن يمنعنا من الحديث بشكل واضح عن التهديدات التي يتعرض لها الإنسان اليمني من التحالف، ومن التشكيلات المتمردة التي يدعمها هذا التحالف في الجنوب ويتواطأ لتمكينها كما يفعل مع مليشيا الحوثي في الشمال.
لقد توالت التقارير الدولية الاستقصائية والحقوقية التي تتحدث عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، والتي تتم بواسطة التحالف أو جماعات مسلحة تابعة له في جنوب البلاد، ومع ذلك لا تزال السجون السرية تعج بالمعتقلين الذين ينتهي المطاف ببعضهم إلى جزر دهلك الإريترية المستأجرة من قبل أبو ظبي.
لذا تبدو منظمة سام للحقوق والحريات محقة في اعتقادها بأن الدكتور طاهر عبد الله عبد الجبار القباطي هو الآن في عهدة الإمارات، ربما في أبو ظبي أو في معتقل تابع لها خارج اليمن، رغم محاولات البعض نفي هذه المعلومة دون قدرة على تأكيد عكسها في ظل عدم تمكن عائلته من مقابلته أو حتى التواصل معه.
twitter.com/yaseentamimi68