نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا سلطت فيه الضوء على ما قالت إنها مخاوف متجددة إزاء اندلاع حرب أهلية في لبنان، في وقت وصلت فيه الطائفية إلى نقطة الغليان.
واعتبرت الكاتبة "أنشال فوهرا"، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن أحياء بيروت ظلت بعد 30 عاما من نهاية الحرب الأهلية منقسمة؛ وفقا للخطوط الطائفية التي تعكس نظام الحكم القائم على المحاصصة.
وانهار هذا البناء في تشرين الأول/أكتوبر، عندما خرج اللبنانيون محتجين ضد النخبة السياسية التي حملوها مسؤولية مشاكل البلاد، بحسب "فوهرا".
ولكن "الوحدة الوطنية" التي صاحبت تلك الاحتجاجات سرعان ما تبددت إثر انفجار مرفأ بيروت الشهر الماضي، الذي خلف الكثير من الدمار في أحياء مسيحية، وأعاد الريبة بين شرائح المجتمع، وربما أكثر من أي وقت مضى.
ويقف في مركز تلك التوترات، وبيده مفتاح الفوضى والسلام، حزب الله، وفق الكاتبة.
وتؤكد "فوهرا" أن لا أحد يريد أن يتطور الوضع إلى حرب أهلية ثانية في لبنان، لكن الحالة الطائفية المتمثلة بـ"الحزب" وتصدره مشهد المقاومة يضفي تعقيدا على المشهد.
ففي مقهى بمنطقة الأوزاعي، جنوب بيروت، اتهم أنصار حزب الله المتظاهرين بأنهم عملاء للأجانب، بحسب ما نقلت الكاتبة.
وزعم أبو علي، صاحب المقهى وفي منتصف الخمسينيات من عمره، أن المتظاهرين هم واجهة للاحتلال الإسرائيلي، وبالضرورة للمصالح الأمريكية، وأنهم اجتازوا الخط الأحمر عندما وضعوا حبل المشنقة حول مجسم لزعيم الحزب حسن نصر الله، مطالبين الحزب بتسليم أسلحته.
وشدد أبو علي أن الأسلحة ضرورية لحماية الشيعة، من إسرائيل وضد الخلافات الطائفية.
وظلت الطائفة الشيعية فقيرة، مقابل دعم خارجي لمكونات أخرى، ومن هنا منح صعود حزب الله الكثير من الشيعة الفخر.
وقدم أبو علي نفسه بالنصير وليس العضو في الحزب، وبعد نقاش طويل كشف عن هويته بشرط عدم نشر اسمه، وقال إنه ليس نصيرا فقط بل عضوا، وقاتل في حرب 2006 وكذلك ابنه الأكبر في سوريا، أما الصغير ففي معسكرات التدريب.
وعرض أبو علي صورا له وهو بالزي العسكري قرب الحدود ترفرف بجانبه راية حزب الله، ولابنه البالغ من العمر 23 عاما وهو يحمل الأسلحة، وأخرى لابنه الصغير البالغ من العمر 13 عاما في معسكرات التدريب، وأصبعه على الزناد ويصوب على هدف في أثناء تدريبه جنوب لبنان.
وعلق أبو علي: "طبعا يعرف كيف يطلق النار، وهو بحاجة إلى حراسة البيت عندما لا أكون أنا والكبير فيه".
وأضاف: "أنا وابني نقاتل ضد إسرائيل ولن نتصالح معها. ولكن معظم المتظاهرين يدعمهم أصدقاء إسرائيل في لبنان وتدفع لهم السفارات الغربية".
وحاول أبو علي أن يدعم نظريته من خلال الحديث عن التباين بين المتظاهرين من الطبقة المتوسطة والأحياء الشيعية الفقيرة، التي لا يستطيع أبناؤها الحصول على الحياة المريحة مثلهم.
وقال: "يهتفون بالشعارات ضد شيخنا حسن نصر الله ثم يشربون الويسكي ويحتفلون، ولو كانوا فقراء فكيف يستطيعون الحصول على لابتوب". وقال إنه بعيدا عن أسلوب الحياة، فعندما يجتاز المتظاهرون الخط الأحمر "فيجب عليهم دفع الثمن، الخطوط الحمر هي خطوط حمر".
وتصادم حزب الله عدة مرات مع المتظاهرين إلا أن قادة حركة الاحتجاج تجنبوا استفزاز مواجهة شاملة لأنهم لا يعرفون رد حزب الله.
ويرغب عدد من اللبنانيين خارج حزب الله بدمجه في الجيش اللبناني، ولكنهم يعرفون من التجربة المرة أن المعارضة العلنية لسلاحه تأتي بمخاطر شخصية.
اقرأ أيضا: كيف كرس ماكرون زيارته لمنع إثارة قضية سلاح حزب الله؟
ويقول البرفسور ناصر ياسين، من الجامعة الأمريكية في بيروت؛ إن الحزب لن يتردد من السيطرة على الشارع حال تعرض للهجوم كما فعل عام 2008.
ويضيف: "لو، وهذه لو كبيرة، حملت بعض الجماعات السلاح ضد حزب الله وتردد الجيش اللبناني بسحقها، فسيقوم الحزب برد حاسم ويسيطر على البلد كما فعل عام 2008". ففي ذلك العام حاول أنصار رئيس الوزراء، آنذاك، سعد الحريري، الذي تدعمه السعودية، إغلاق اتصالات حزب الله، مما منحه المبرر لكي يتحرك ويستعرض قوته في الشارع.
وخلال أيام تدفق أنصاره على بيروت، ومنذ ذلك الوقت أصبح السنة يتجنبون المواجهة.
ويقول زياد العلوكي، وهو قائد مجموعة سنية في طرابلس، شمال لبنان، شارك في مواجهات طائفية في الماضي، إن قادته يتجنبون اليوم التصعيد.
وكانت آخر مرة شارك فيها بمواجهات عندما انتقلت الحرب الأهلية السورية إلى طرابلس في الفترة ما بين 2011- 2014 حيث سيطر عناصره على بعض المواقع العلوية في المدينة.
وبعد تلك المواجهات، اعتقل مع آخرين وأفرج عنه بعدما وعد بالحفاظ على السلام.
ومع تراجع قوته تراجعت قوة الحزب السني "تيار المستقبل"، وحتى عندما أعلنت المحكمة الخاصة في لبنان التي شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق بمقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري لم يستطع أشخاص مثل العلوكي البوح بما يريدون.
وقال: "قرر تيار المستقبل عدم الخروج إلى الشوارع لتجنب المواجهة مع حزب الله والحرب الأهلية".
والمفهوم العام لدى السنة في لبنان والمنطقة بشكل عام، هو أن السعودية، راعيتهم، تركتهم عرضة لرغبات حزب الله وراعيته إيران.
واعتبر العلوكي في هذا الإطار أن "غياب النشاطات العسكرية هو تنازل قدمه قادتنا".
وقال بهاء الحريري، نجل رفيق الحريري وشقيق سعد، رئيس الوزراء السابق، إن الحزب ليس جاهزا للمواجهة، مضيفا: "دعونا لضبط النفس لأننا لا نريد أي مشاكل".
وعندما سألته "فورين بوليسي" عن طريقة نزع سلاح حزب الله الذي كان والده يريد تحقيقه، أجاب الحريري: "يجب علينا العمل معا".
وهناك في لبنان أيضا من يرغب بأن تؤدي الدول الغربية دورا في نزع سلاح حزب الله.
وقالت سيدة في متوسط العمر بالجميزة، التي تعرضت لدمار كبير بسبب انفجار المرفأ: "ماذا نستطيع عمله مع سلاحهم؟ أمريكا لديها القوة وليس نحن".
ولم تكشف السيدة عن اسمها، ولكنها قالت إنها داعمة لحزب "القوات اللبنانية" المسيحي.
وفي الوقت الذي تراجعت فيه حركة الاحتجاج في الفترة الماضية، إلا أنها أصبحت أكثر طائفية. وقالت السيدة: "من الأفضل لو كان للمسيحيين دولة ولحزب الله دولته".
ويقول قادة الاحتجاج؛ إن حركتهم اخترقتها عناصر طائفية من حزب الله والجيش اللبناني، فيما يؤكد محتجون، وفق الكاتبة، أن مسألة حزب الله قسمت الرأي العام ومن الأفضل حلها على المستوى الوطني عندما يكون هنالك نظام للحكم.
وبدوره، لم يوجه السياسي "غيلبرت ضومط"، اللوم لـ"حزب الله" وحده، فكل الأحزاب طائفية بحسبه، قائلا: "منذ عام 1990 هناك أمراء حرب فرضوا على المواطنين المقايضة نفسها: نوفر الحماية لكم مقابل السماح لنا بسرقتكم.. وفي اللحظة التي تهددون فيها مصالحنا، فسنعلن حربا أهلية من أجل حماية الطائفة".
ويرى محللون، وفق تقرير "فورين بوليسي"، أن المخاوف من الحرب الأهلية ليست قائمة في الوقت الحالي، إلا إذا أراد حزب الله إشعالها.
NYT: أهم الأسئلة في مقتل الحريري لم تجب عنه المحكمة
لوموند: مخاوف من أن يؤدي تفشي الكراهية بلبنان لحرب أهلية
تلغراف: بهاء الحريري يدعو لحكومة غير طائفية بدون حزب الله