مقابلات

الفنان شفيع شلبي: مصر بحاجة ماسة لبناء جبهة وطنية واسعة

شفيع شلبي عبّر عن استعداده لأن يلعب مُجددا دور "منسق التوافق الوطني" بين القوى السياسية- عربي21

* أدعو إلى بناء جبهة وطنية متحدة تُمثل كل المدارس الفكرية المختلفة على غرار ما حدث في التسعينيات

 

* منظومة الاستبداد تعيش على استراتيجية "فرق تسد".. ولا وجود للمستبدين إلا بنفي وشيطنة وسحق الآخر

 

* إذا رأت الجماعة الوطنية أنه يمكنني القيام بأي دور فلن أتأخر مطلقا عن فعل أي شيء يصب في مصلحة الوطن

 

* نحن نحيا في "شبه دولة" بل إننا الآن في ذيل الدويلات التي لم تصبح بعد أنصاف دول

 

* إذا عجز المصريون عن التوافق والعمل المشترك وساد التناحر والصراع فستزول دولتهم وستُطوى صفحتهم

 

* لدينا تصور شامل وكامل وواضح لكيفية بناء وتأسيس "دولة الشعب المصري"

 

* "الجبهة الوطنية الديمقراطية" تجسدت حقيقة كبرى على أرض الواقع عام 1995 وستظل حلما يراودنا أبد الدهر

 

* كل محاولات الاصطفاف الوطني فشلت لأن إرث الاستبداد غائر إلى درجة كبيرة لدى كل القوى السياسية

 

* 30 يونيو هي بنت حركة تمرد التي سعت لإجهاض ثورة يناير وتسبّبت في ما نحن فيه الآن

 

* علاقاتي كانت وستظل مفتوحة مع الجميع سواء جماعة الإخوان أو الليبراليين أو الشيوعيين أو القوميين

 

دعا الفنان والإذاعي المصري، شفيع شلبي، القوى السياسية المصرية إلى "بناء جبهة وطنية متحدة تُعبّر عن الجميع في الداخل والخارج، وعن كل المدارس الفكرية المختلفة على غرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، وحتى نقتدر على تشكيل حكومة الجبهة الوطنية الديمقراطية التي تُمثل الشعب بالتوافق الوطني على دستور مُعبّر عن كل المصريين ارتكازا على الأسس والمعايير التي صاغتها مؤسسات شعبنا في وثيقة التوافق الوطني 1995".

و"شلبي" هو مؤسس الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة، التي ضمت سابقا مختلف القوى السياسية المصرية، وعمل منسقا لـ"التوافق الوطني" بين تلك القوى عام 1995، وعمل رئيسا للجنة التنسيق بين النقابات المهنية المصرية منتصف التسعينيات. وهو أول "سينمائي شامل" بمصر.

وعبّر الفنان والإذاعي المصري، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، عن استعداده لأن يلعب مُجددا دور "منسق التوافق الوطني" بين الجماعة الوطنية المصرية.

وقال: "أنا لم أسع لدور أو بطولة في أي شيء بأي مرحلة، وقبلت بهذا الدور منتصف التسعينيات حينما صُدّرت إلى قيادة المهنيين والجبهة الوطنية الديمقراطية التي كنت أرى أنها بحاجة لمساهمتي، وإذا ما رأت الجماعة الوطنية المصرية اليوم أنه يمكنني القيام بأي دور فلن أتأخر مطلقا عن فعل أي شيء يصب في مصلحة الوطن".

وانتقد الأوضاع في مصر قائلا: "نحن نحيا في شبه دولة، بل إننا الآن في ذيل الدويلات التي لم تصبح بعد أنصاف دول، لكننا نأمل أن نتجاوز ما نحن فيه لتصبح لدينا دولة تليق بالشعب المصري، بينما إذا عجز المصريون عن التوافق والعمل المشترك وساد التناحر والصراع بين مختلف الأطراف فستزول دولتهم وستُطوى صفحتهم، ولو بعد حين. وسنصبح مغنما لكل صنوف الغزاة والمحتلين والمستعمرين، وستتوالى هزائمنا ونكساتنا ونكباتنا واحدة تلو الأخرى".

وشدّد "شلبي" على أن "منظومة الاستبداد تعيش وتعتمد على استراتيجية (فرق تسد)، ولو استطاع الوطنيون إجهاض تلك الاستراتيجية لنجحوا في مواجهة الاستبداد وإقامة دولة الشعب، فالمستبدون لا يمكن أن يكونوا موجودين إلا بنفي وشيطنة وسحق الآخر، ورغم أن البعض استبشر خيرا بثورة يناير إلا أنها لم تكتمل، والثورة التي لا تكتمل تعني قبر الحركة الشعبية".

وتاليا نص المقابلة كاملة:

 

في عام 2009 كتب الكاتب الصحفي والمؤرخ الرحل صلاح عيسى مقالا بعنوان "أين ذهب شفيع شلبي؟"، ونحن الآن في عام 2020 يبقى نفس السؤال مطروحا: أين الإذاعي شفيع شلبي؟

 

أيضا قبل نحو عام طرح الكاتب والمفكر شريف الشوباشي نفس السؤال، لكني حقيقة استغرب هذا الأمر؛ فأنا ما زلت حيّا، ولم أهاجر، ولم أتوقف عن العمل، ولم أغب عن الأحداث، وأواصل مسيرتي في السينما التي أقوم على صناعتها، وقد تم عرض 1500 عمل سينمائي منها على الوسائط المختلفة، كما أني أواصل رسالتي المهنية كإذاعي، عبر مختلف وسائط العصر التفاعلية.

أنت دائما ما تدعو لتأسيس ما تصفه بـ"دولة الشعب المصري".. فما الذي حال دون تلك الدولة؟


لأننا ببساطة -كما قال الرئيس السيسي- نحيا في "شبه دولة"، بل إننا الآن في ذيل الدويلات التي لم تصل بعد لأنصاف دول، لكننا نأمل أن نتجاوز ما نحن فيه لتصبح لدينا دولة تليق بالشعب المصري الذي أسس أول دولة في التاريخ حينما كان المصريون يعملون معا، بينما إذا عجز المصريون عن التوافق والعمل المشترك وساد التناحر والصراع بين مختلف الأطراف فستزول دولتهم وستُطوى صفحتهم، ولو بعد حين. وسنصبح مغنما لكل صنوف الغزاة والمحتلين والمستعمرين، وستتوالى هزائمنا ونكساتنا ونكباتنا واحدة تلو الأخرى.

وهل لديكم تصور واضح بشأن ملامح "دولة الشعب المصري"؟


بالفعل. لدينا تصور شامل وكامل وواضح لكيفية بناء هذه الدولة، والوثائق والمخطوطات مكتوبة ومسموعة ومرئية منشورة على صفحات مؤسسات "الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة"، منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن، ويمكن البناء عليها أو تطويرها.

خلال فترة التسعينيات قمتم بتأسيس "الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة" بمشاركة كل القوى السياسية المصرية.. فأين هذه الجبهة اليوم؟


الجبهة تجسدت كحقيقة كبرى على أرض الواقع عام 1995، وستظل حلما يراودنا أبد الدهر إلى أن ننجح فيه مُجددا، وهي ليست ملكا لشفيع شلبي أو غيره، بل لكل المصريين، وأنا لست مبتكرا أو مخترعا لـ "الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة". أسلافنا في القرن الفائت هم مَن شكّلوا بنيانها، وهم مَن ارتكزوا عليها في مواجهتهم للوجود الاستعماري. وعلى امتداد الأرض والتاريخ لجأت إليها الشعوب المختلفة لمواجهة التحديات والأزمات العاصفة؛ فلا مفر من وحدة أبناء الوطن الواحد مهما كانت بينهم خلافات وصراعات أيدولوجية أو حزبية أو عقائدية. فالجبهة تكون بين الأضداد والمتناقضين، وهي التي يُمكن أن تكون عاصما لنا من التمزق والتناحر والاندثار.

وبناء دولة الشعب يبدأ ببناء الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة كبديل تاريخي للاستبداد وحكم الفرد المطلق، درءا للمخاطر، وصونا للأرواح والدماء، وسعيا لمواجهة التحديات كافة. وستظل مهمتنا الأسمى هي السعي لتأسيس دولة الشعب التي تتسع لكل أبناء الوطن على اختلاف أطيافهم وألوانهم وأجناسهم، لتجاوز الأوضاع الراهنة كي نصبح دولة كسائر البشر، وهي السبيل الوحيد لمجابهة مختلف التحديات القائمة والقادمة.

لو تحدثنا باقتضاب.. كيف تمكنت مع آخرين من إحداث أوسع توافق وطني في عام 1995؟


قمت حينها بدور سياسي كمنسق "للجنة التوافق الوطني" بين كل القوى السياسية في مصر، والتي أنتجت المبادئ الدستورية التي توافقت عليها الأحزاب والقوى والأطياف السياسية، وذلك ردا على الدعوة التي أطلقها مبارك لما أسماه بـ "الحوار الوطني"، لكنه كان في الحقيقية "مبارك يحاور مبارك"، ولذلك كان رد النقابات المهنية في شباط/ فبراير 1994 هو تنظيم مؤتمر يحمل هذا الاسم "الحوار الوطني" من خلال تمثيل حقيقي لكل المصريين، ولم يفِ مؤتمرنا في شباط/ فبراير 1994 بتحقيق غايتنا، فنظمنا امتدادا له في تشرين الأول/ أكتوبر 1994، وواجهنا تحدي كيفية تمثيل الـ 50 مليون مصري، إلى أن نجحنا في تمثيل المدارس الفكرية الأربعة التي تشكّلت على مدى القرن العشرين، وهي (الليبرالية، والشيوعية، الإخوان، والناصرية أو القومية)، وبمشاركة 22 نقابة مهنية، وبالتالي شاركت كل المدارس الفكرية والأحزاب وجميع مؤسسات الشعب من نقابات وجمعيات ومنظمات أهلية، وكان التمثيل على قدم المساواة، بغض النظر عن فكرة الأغلبية والأقلية، ولم يكن هناك أي استئصال أو نفي أو استبعاد لأي من القوى السياسية، وتم التوافق على دستور يليق بمصر لم ترق له كل الدساتير الرسمية حتى الآن.

وعلى مدى عام كامل (1995) كان يجلس المرشد العام للإخوان مأمون الهضيبي جنبا إلى جنبا مع ممثلي الأحزاب الشيوعية (حزب الشعب الاشتراكي، ممثلا برأسه نبيل الهلالي، والحزب الشيوعي الديمقراطي ممثلا بمؤسسه طاهر البدري، والحزب الشيوعي المصري)، وأما الناصريون فقد مثلهم حسام عيسى، ومعهم من يُوصف بـ"أبي الليبرالية"، سعيد النجار، ومعهم كذلك المستشار يحيى الرفاعي مُمثلا لنادي القضاة، وميلاد حنا ممثلا للعديد من المنظومات الأهلية، وفيما كان الجميع وقتها محظورا، وليس الإخوان، والشيوعيين فقط، ورغم ذلك لم تغب واحدة من مؤسسات الشعب عن هذا المؤتمر الذي مثّل حالة فريدة من نوعها، بل كان الحالة الوحيدة التي جسدت الاصطفاف الحقيقي بين مختلف القوى السياسية، ولم تتكرر تلك الحالة حتى الآن، رغم أننا في أمس الحاجة لها اليوم.

ولماذا فشلت على مدار السنوات الماضية كل محاولات الاصطفاف الوطني؟


نظرا لأن إرث الاستبداد غائر إلى درجة كبيرة لدى كل القوى السياسية، وهناك صراعات أيدولوجية من أجل مكاسب ضيقة التي لا تساوي شيئا، ولأن هذه الأحزاب والقوى السياسية باتت عبارة عن كيانات مهترئة عاجزة عن أن تكون شريكة فيما بينها أو تنسق على الحد الأدنى الذي يجمعها، وأصبح كل حزب أو تيار أداة لقهر وإقصاء وشيطنة من يفترض أن يكون شريك نضاله وكفاحه، الأمر الذي يكرس في النهاية منظومة الاستبداد القابضة على السلطة، ويصب في مصلحتها.

ومنظومة الاستبداد تعيش وتعتمد على استراتيجية "فرق تسد"، ولو استطاع الوطنيون إجهاض تلك الاستراتيجية لنجحوا في مواجهة الاستبداد وإقامة دولة الشعب، فالمستبدون لا يمكن أن يكونوا موجودين إلا بنفي وشيطنة وسحق الآخر، ورغم أن البعض استبشر خيرا بثورة يناير إلا أنها لم تكتمل، والثورة التي لا تكتمل تعني قبر الحركة الشعبية؛ فنصف ثورة يعني ببساطة "قبر".

بمناسبة الحديث عن ثورة يناير.. كيف ترى مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013؟


هي بنت حركة تمرد التي سعت لإجهاض ثورة يناير، وتسبّبت في ما نحن فيه الآن. وقد حاكمت حركة تمرد حتى قبل ما جرى في 30 حزيران/ يونيو.

ما تصورك لمحاولات الاصطفاف الوطني مستقبلا؟


أنا كنت - وسأظل - أدعو لبناء جبهة وطنية متحدة تُعبّر عن الجميع في الداخل والخارج، وعن كل المدارس الفكرية والقوى المختلفة على غرار ما حدث في عام 1995، وحتى نحقق الحلم الوطني المأمول فلنبن معا دعائم الجبهة الوطنية الديمقراطية المتحدة، ضمانا لوحدة الشعب ولنستدع من تاريخ سلفنا خبرة العمل المؤسسي المشترك، حتى منتصف القرن العشرين، وحتى نقتدر على تشكيل حكومة الجبهة الوطنية الديمقراطية التي تمثل الشعب بالتوافق الوطني على دستور مُعبّر عن كل المصريين ارتكازا على الأسس والمعايير التي صاغتها مؤسسات شعبنا في وثيقة التوافق الوطني 1995.

هل يمكن أن تلعب دور "منسق التوافق الوطني" مُجددا لرأب الصدع بين الجماعة الوطنية المصرية؟


أنا لم أسع لدور أو بطولة في أي شيء بأي مرحلة، وقبلت بهذا الدور منتصف التسعينيات حينما صُدّرت إلى قيادة المهنيين والجبهة الوطنية الديمقراطية التي كنت أرى أنها بحاجة لمساهمتي، وإذا ما رأت الجماعة الوطنية المصرية اليوم أنه يمكنني القيام بأي دور فلن أتأخر مطلقا عن فعل أي شيء يصب في مصلحة الوطن وتأسيس "دولة الشعب المصري".

ومن هذا المنطلق، هل أنت ترى جماعة الإخوان كما تراها السلطة "تنظيما إرهابيا" أم لا؟


لقد تعاملت مع قادة النقابات المهنية في تسعينيات القرن الفائت، وكانت كل النقابات تحت سيطرة الإخوان، حيث توليت في منتهى الأمر مسؤولية قيادة "لجنة التنسيق بين النقابات المهنية"، التي كانت كلها من كوادرهم، وحيث كانت علاقاتي مفتوحة مع الجميع سواء جماعة الإخوان أو الليبراليين أو الشيوعيين أو القوميين، فقد أحلتك لمحاورتي مع سائر الفرق السلفية، عبر كل المراحل، وسأظل أتعامل مع جميع المصريين دون استثناء إلا من يتم تجريمهم بالقانون والدستور.