مقالات مختارة

العراق: حكومة الكاظمي… حفنة وعود وتحديات كبيرة

1300x600

الكل بات متفقا على أن الحكومات العراقية لا تمر إلا من خرم التوافقات بين الكتل السياسية محليا، بالإضافة إلى اتفاقات مختلفة بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الساحة العراقية. وقد حظيت حكومة مصطفى الكاظمي بكل التوافقات، ومرت بسلاسة أثارت الكثير من علامات التعجب، فقد تم التصويت يوم الخميس 7 أيار/مايو الجاري، وحصلت الحكومة على الثقة في جلسة استثنائية في البرلمان العراقي، ونجح الكاظمي بتمرير أغلب الحقائب الوزارية، وبضمنها الوزارات السيادية؛ الدفاع والداخلية والمالية، التي كانت تتعرض في الحكومات السابقة للكثير من العراقيل، إذ تعطلت تسمية وزراء هذه الحقائب في بعض الحكومات لمدة أشهر، حتى تم التوافق عليها بين الكتل السياسية.
نستطيع القول إن حكومة الكاظمي لم تختلف كثيرا عن حكومة المستقيل عادل عبد المهدي، من ناحية عدم وجود حزب أو كتلة سياسية ساندة لرئيس الحكومة، إنما هو مرشح توافقي بين الكتل السياسية، ما يعني ضمنا ضعف الحكومة، وتعرض رئيسها لابتزاز الكتل السياسية وضغوطها، وعلى الرغم من ادعاءات الطبقة السياسية بتركها الحرية للكاظمي لاختيار كابينته الوزارية، إلا أن المراقبين يعلمون أننا أمام ما بات يعرف بحكومة مديري المكاتب، إذ إن رئيس الحكومة قد اختار وزراءه بناء على كفاءتهم ونظافة سيرهم المهنية، إلا أن خياراته كانت مؤطرة بحصص الطوائف والأحزاب في هذه الحكومة كسابقاتها من الحكومات، وقد تمت سيطرة الأحزاب على الوزارات عبر مديري مكاتب الوزراء، الذين سيكونون هم المتحكمون الفعليون بسياسات وزاراتهم.
مصطفى الكاظمي القادم من جهاز أمني مهم، إذ كان رئيسا لجهاز المخابرات منذ عام 2016، لكن هذا الأمر لا يعني أنه رجل بوليسي مدرب لإمساك الأمور بقبضة حديدية، كما يحاول البعض تصوير الأمر، عبر مقارنته بزين العابدين بن علي الرئيس التونسي الأسبق، الذي كان رئيسا للمخابرات، وقاد انقلاب قصر على الرئيس بورقيبة، وتربع على سدة الحكم ثلاثة عقود، بل قد تجرأ البعض على مقارنة الكاظمي بالرئيس بوتين، الذي أمسك بروسيا الاتحادية، قادما من رئاسة المخابرات لينهي حقبة رئاسة فوضوية خربت البلاد، إبان حكم الرئيس بوريس يلتسين، فأمسكها بوتين رجل المخابرات القوي، الذي تحول إلى ديكتاتور يجلس على قمة هرم السلطة منذ 20 عاما. هذا الأمر في عراق ما بعد 2003 مختلف ويكاد يكون مستحيلا، والرئيس الكاظمي سيحاول تلمس طريقه، عبر ما عرف عنه من علاقات ودودة وطيبة مع مختلف رموز تيارات الطبقة السياسية المتصارعة.
أما من جانب التوافقات الدولية والإقليمية، فيبدو أن الكاظمي حاز التوافق الأهم بين إيران والولايات المتحدة، وهما اللاعبان الأهم في الساحة العراقية، فعلى الرغم من الاتهامات التي وجهتها فصائل مسلحة مقربة من طهران للكاظمي، اتهمته فيها بالاشتراك مع الأمريكيين في عملية اغتيال الجنرال سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، إلا أن الأمور سرعان ما ترتبت في ما يعرف بالبيت الشيعي، ورحب الكثير من الكتل الشيعية بالكاظمي وحكومته، ولم يلق معارضة، أو رفضا صريحا إلا من كتلة دولة القانون التي يرأسها نوري المالكي، على خلفية نزاعات شخصية، قيل إن وراءها التهديد بالكشف عن عمليات فساد قد تطال رموزا من هذه الكتلة. وفي هذا السياق أشار مراقبون إلى أنها المرة الأولى التي تخرج فيها وزارة الداخلية من سيطرة الفصائل المسلحة المقربة من إيران، عبر استوزار جنرال عسكري مهني هو عثمان الغانمي رئيس أركان الجيش السابق لمنصب وزير الداخلية، لكن كما أشرنا سابقا، إلى أن حكومة الكاظمي ستمسك من مديري مكاتب الوزراء، ووكلاء الوزراء، الذين يمثلون نوعا من الدولة العميقة التي يصعب تجاوزها على أي رئيس حكومة، أو وزير من خارج هذه الكتل السياسية.
بالمقابل، رحبت مختلف القوى السنية بالكاظمي، وبخياراته من الوزراء المرشحين للحقائب الوزارية السنية، على الرغم من التنافس على بلورة قيادة سنية واحدة يتنافس عليها خميس الخنجر الأمين العام للمشروع العربي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي القيادي في اتحاد القوى، ورئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي رئيس جبهة الإنقاذ والتنمية، لكن ما اتضح من الأمور أن كل طرف من الأطراف السنية قد حصل على ما يصبو إليه في الحكومة الجديدة. كذلك كان حال الكتل الكردية ممثلة بالحزبين الكرديين الكبيرين، وبعض الأحزاب الصغيرة التي منحت حكومة الكاظمي ثقتها، لكن يبدو أن ماراثون الضغوط الاقتصادية والسياسية الكردية، ابتدأ مبكرا على الكاظمي وحكومته، وحتى قبل منح الثقة، إذ تسعى حكومة الإقليم للضغط على بغداد للحصول على مليارات الدولارات خارج الاستحقاق الدستوري، عبر إثارة مسألة تعويضات الإقليم عما لحقه من سياسات تعسفية في العهود السابقة، إذ وجهت حكومة إقليم كردستان رسالة من عشر نقاط إلى الحكومة المركزية، تضمنت مطالبات بتعويضات عن «إيواء النازحين» وتعويضات عن «فترة حكم البعث». وقالت الرسالة، «إن الإقليم لا يزال يأوي أكثر من مليون لاجئ ونازح، بما يجعله يتحمل تكاليفهم، دون أدنى مساهمة من الحكومة الاتحادية»، بينما قالت حكومة الإقليم إنها مستعدة «لتسوية الحسابات المالية مع المركز»، إلا إنها أرفقت جداول ووثائق مع رسالتها، ومن بينها جدول للأضرار الناتجة عن «جرائم النظام السابق المرتكبة في إقليم كردستان»، ابتداء من عام 1963 وصولا إلى عام 2003، التي بلغت أكثر من 384 مليار دولار.
الملفات الساخنة التي ستواجه حكومة الكاظمي كثيرة، وتقف في مقدمتها ملفات الفساد المليارية، التي نهبت أموال العراق على مدى عمر الحكومات السابقة، لكن لا أحد يتوقع حلا سريعا لها، وعلى الرغم من أن الرجل وعد بدعم الهيئة القضائية وتقويتها، وضمنها هيئة النزاهة، لتتمكن من فتح ملفات الفساد التي اتُّهمت بها رؤوس كبيرة في العملية السياسية، لكن يبقى السؤال هو: هل يقوى الكاظمي على مواجهة اخطبوطات الفساد، دون أن يمتلك حزبا أو مليشيا تسنده وتجعله متمكنا من طرح الحلول بقوة؟
ولأن مصطفى الكاظمي قادم من جهاز أمني مهم، فهنالك توقعات محلية ودولية بإنجاز صفحات مهمة في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، لكن هذا الملف هو الآخر شائك، وتتقاذفه نزاعات المليشيات القريبة من إيران من جهة، والمطالبون بتعاون مجدٍ مع قوات التحالف من جهة أخرى، وما ترسمه هذه الأجندات من صراعات سياسية خفية بين القوى والكتل السياسية العراقية، خصوصا أن مناطق شمال غرب بغداد في المحافظات السنية شهدت في الآونة الأخيرة هجمات إرهابية جديدة، ضربت بشكل موجع فصائل الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين، وأوقعت بها خسائر بالأرواح والمعدات، وإذا استمر التنظيم الإرهابي في انتهاج تكتيكات الكر والفر، والضربات المتفرقة المصحوبة بهجمات انتحارية، نكون قد عدنا إلى المربع الأول، في مواجهة تنظيمات «القاعدة» و«داعش» ومختلف التنظيمات الإرهابية التي شهدتها المنطقة، لذلك يتوقع المراقبون أن يكون هذا الملف من الملفات الساخنة، التي ستفتح مبكرا في وجه حكومة الكاظمي.
أما الملف الساخن الآخر، فهو مطالب ساحات الانتفاضة العراقية، التي طالبت بتشكيل حكومة انتقالية تعمل على تعديل قانون الأحزاب، وتعديل قانون الانتخابات، وتشكيل هيئة قضائية مستقلة للإشراف على انتخابات مبكرة يحدد موعدها في غضون فترة انتقالية تمتد لعام أو عام ونصف العام، وكل هذه النقاط غير متوفرة في حكومة الكاظمي، إذ لا يوجد أي إشارة في تكليف الرجل على أنه سيقود حكومة مؤقتة أو حكومة انتقالية، وإنما التكليف وصيغته وحصول الحكومة على الثقة عبر تصويت البرلمان، كل ذلك يعني أنها حكومة دائمية بسلطات كاملة، رسم سيناريو تشكيلها لتكمل عمر حكومة عبد المهدي، بانتظار انتهاء عمر الدورة البرلمانية الحالية بحلول عام 2022، حيث سيتم إجراء انتخابات برلمانية عادية، ومن ثم هنالك محاولة للالتفاف على مطالب المنتفضين. فهل ستصمد حكومة الكاظمي على مدى العامين المقبلين أمام ضغط الشارع، وانهيار الاقتصاد بسبب أزمة انهيار أسعار البترول، وتجاذبات وصراع الكتل السياسية على المكاسب؟ المتفائلون يتمنون أن تكمل الحكومة عمرها الافتراضي حتى موعد الانتخابات المقبلة، أما الواقعيون فيرون تجدد الانتفاضة مقبلا لا محالة.

 

(القدس العربي)