صحافة دولية

مفارقة فرنسية.. فرض الأقنعة لمواجهة كورونا ومنع "البرقع"

"إذا كنت مسلما وقمت بإخفاء وجهك لأسباب دينية، فأنت عرضة لغرامة ودورة (في المساواة الجنسية)"- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا ألقت فيه  الضوء على حظر فرنسا المستمر لارتداء "البرقع" (النقاب)، رغم إلزامها المواطنين على ارتداء الأقنعة للوقاية من فيروس كورونا المستجد.

 

وقد تكون تلك "المفارقة"، كما وصفها التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، هي التي دفعت الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الظهور بقناع مزين بألوان علم البلاد، التي يقول الفرنسيون إنها تمثل قيم الحرية والمساوة والأخوة.

 

ويشير التقرير إلى أن إجراءات فك الإغلاقات الحذرة، والتشديد على ارتداء الأقنعة، وفرض الغرامات، وغيرها، تم تقبلها على نطاق واسع في البلاد، وأظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة BFMTV أن 94 بالمائة من المواطنين أيدوا ارتداء الأقنعة، وهم الذين فقدوا أكثر من 26 ألف شخص جراء الجائحة.

 

لكن الكثير من المسلمين والمدافعين عن الحرية الدينية والعلماء يرون الكثير من السخرية في تحول مجتمع يعتبر كشف الوجوه "فضيلة" إلى مطالبته فجأة بتغطيتها.

 

وينقل التقرير عن "فاطمة خميلات"، الزميلة في معهد العلوم السياسية بمدينة "آكس أون بروفانس"، قولها: "إذا كنت مسلما وقمت بإخفاء وجهك لأسباب دينية، فأنت عرضة لغرامة ودورة (في المساواة الجنسية) حيث سيتم تعليمك ما يعنيه أن تكون مواطنا صالحا".

 

وتضيف: "أما إذا كنت مواطنا غير مسلم، فسيتم تشجيعك وإجبارك بصفتك مواطنا صالحا على اتباع إجراءات التباعد لحماية المجتمع الوطني".

 

وتقول: "نرى هذه القراءة غير المتكافئة لنفس السلوك.. على أنها تعسفية في أفضل الأحوال وتمييزية في أسوأ الأحوال".

وبحسب التقرير، فإن القانون الفرنسي ينظم تغطية الوجه في الأماكن العامة على أساس أن إخفاء وجهه ينتهك القيم الأساسية للجمهورية.

وفي عام 2004 ، حظرت البلاد الحجاب في المدارس العامة، مستشهدة بالحياد الديني لمؤسسات الدولة.

وعام 2010 ، حظرت النقاب والبرقع الذي يغطي الوجه بالكامل في كل مكان في الأماكن العامة، بحجة أن هذه الملابس تهدد السلامة العامة وتمثل رفضا لمجتمع من المواطنين المتساويين.

 

وأكدت وزارة الداخلية الفرنسية لـ"واشنطن بوست" أن حظر البرقع سيظل ساريا خلال الجائحة 19 ، رغم تشجيع الناس على تغطية وجوههم.

وقالت الوزارة في بيان للصحيفة إن المرأة التي ترتدي غطاء وجه ديني "ستعاقب بالغرامة المنصوص عليها في مخالفات الدرجة الثانية".

 

اقرأ أيضا: NYT: صخب متجدد حول الحجاب بفرنسا.. وصورة تعكس المعاناة

ويفرض القانون غرامة تصل إلى 150 يورو (165 دولارًا) ويمكن أن يتطلب المشاركة في فصل تعليم المواطنة.

وأضافت الوزارة أنه بالنظر إلى أن قانون عام 2010 يسمح بتغطية الوجه لأسباب صحية وإعفاءات أخرى، فإن "ارتداء قناع يهدف إلى منع أي خطر من العدوى عن طريق كوفيد- 19 لا يشكل جريمة جنائية".

وهذا يشير، بحسب التقرير، إلى أنه "إذا أرادت امرأة مسلمة متدينة ركوب مترو باريس، فسوف يطلب منها إزالة البرقع واستبداله بقناع للوجه".

 

وبالمعنى الدقيق للكلمة، لا تحدد القواعد الجديدة للحكومة الفرنسية بشأن الأقنعة ما هو "القناع المقبول"، فيما تشير الصحيفة إلى أن أقنعة الوجه القماشية أصبحت متاحة مؤخرا في الصيدليات الفرنسية.

ولكن قبل تفشي الفيروس على نطاق واسع، عندما كانت الحكومة تحتفظ بالأقنعة للعاملين الصحيين، استخدم المواطنون أي قطع من القماش وكانت بعض النساء الفرنسيات يسرن في شوارع باريس ووجوههن مغطاة بوشاحات تشبه البرقع.

وعلى الرغم من أن البرقع له أهمية دينية واضحة (لدى البعض)، إلا أنه يغطي أيضا الأنف والفم ويمكن توقع مساهمته في إبطاء الفيروس تماما مثل العديد من الأقنعة المنزلية بحسب الصحيفة.

وينقل التقرير عن "كريمة موندون"، وهي معلمة المدرسة الثانوية في ضواحي ليون، وترتدي الحجاب: "يرى المسلمون هذه المفارقة بشكل واضح للغاية.. أيضا، كل الأشياء التي استخدموها كعلامات على التطرف- مثل عدم التقبيل- أصبحت اليوم علامات على ممارسات الصحة العامة الجيدة".

وقالت: "أتذكر أنه كانت هناك نساء يرتدين أقنعة جراحية في ذلك الوقت (قبل كورونا) لمواصلة ممارسة ما هو مهم بالنسبة لهن (تغطية الوجه).. لكن ذلك لم ينجح، لأن الواضح أن المقصود هو تقييد الإسلام، والحد من ظهور المرأة المسلمة (بزيها ذلك) في الأماكن العامة".

في المقابل، تشير الصحيفة إلى اعتقاد سائد لدى كثيرين بأن ذلك النوع من غطاء الوجه يعكس "انسحابا من المجتمع"، فيما الآخر هو علامة على واجب مدني.

 

وبالعودة إلى الباحثة السياسية، خميلات، فإنها تشير إلى أن شرط ارتداء القناع قد يعطي لبقية المجتمع الفرنسي لمحة عن شعور المرأة المسلمة في بلد يتحكم بما يمكن ارتداؤه ، وأين.

وقالت: "إذا كان هذا الوضع المؤقت مؤلما وصعبا علينا العيش فيه لأنه أعاق حريتنا في القدوم والذهاب، فتخيل ما تشعر به النساء الفرنسيات اللاتي يرتدين الحجاب منذ 10 سنوات"، وسط ضغوط وقيود رسمية.