كتاب عربي 21

علي باباجان.. وحزب الديمقراطية والتقدم

1300x600
بعد انتظار طويل، أعلن الوزير الأسبق علي باباجان عن حزبه السياسي الوليد، "حزب الديمقراطية والتقدم". كان من المتوقع إعلان التأسيس قبل نهاية العام الفائت بالتزامن مع حزب "المستقبل" الذي أسسه أحمد داود أوغلو، لكن الإعلان أتى متأخراً ما يقرب من شهرين ونصف. 

ولخصوصية الحزب وظروف تأسيسه، يبدو أن للتوقيت أهمية ما، بحيث كان هذا التأخير في الإعلان مدار نقاش في الساحة السياسية والإعلامية. فهل تأخر الإعلان بسبب التطورات في إدلب ثم عملية درع الربيع؟ أم لأن الخطوات التي سبقته تأخرت قليلاً عن المتوقع كما قال بابابجان نفسه؟ أم بسبب خلافات داخلية خصوصاً بينه وبين الرئيس الأسبق عبد الله غل؟ أم لأسباب أخرى؟ ليس واضحاً بعد، لكن المستقبل قد يحمل بعض المؤشرات بالتأكيد.

في تركيا تحمل أسماء الأحزاب السياسية دلالات أيديولوجية أو برامجية أو رمزية معينة، وباختيار اسم "الديمقراطية والتقدم" (أو "الديمقراطية والوثبة" وفق ترجمة أخرى) يكون باباجان وفريقه قد أشارا إلى ما يعتبرانه مشاكل تركيا والحلول التي سيقدمها حزبهم: الديمقراطية والحريات من جهة، والركود أو التراجع من جهة أخرى، لا سيما في المجال الاقتصادي الذي برع فيه باباجان ولمع اسمه لسنوات طويلة كانت سنوات الإنجازات الاقتصادية للحزب الحاكم.

كما أن اختصار الاسم بالتركية وهو "DEVA" يحمل دلالة رمزية كذلك، فالترجمة الحرفية له هي "الدواء" أو "العلاج"ّ، وبالتالي هي رسالة يريد تقديمها للجمهور بأنه علاج لأمراض تركيا ومشاكلها.

ضمن مجموعة مؤسسي الحزب، على عكس حزب المستقبل، وزراء سابقون مثل سعد الله أرغين ونهاد أرغون وسلمى علية كاواف، وزراء العدل والصناعة والمرأة والعائلة على التوالي، إضافة لنواب سابقين ونائب في البرلمان الحالي كان قد استقال حديثاً من العدالة والتنمية. وبين المؤسسين التسعين هناك 27 سيدة و16 شاباً وأسماء عرفت سابقاً في أحزاب سياسية (في الغالب يمينية) أخرى، إضافة لعسكريين ورؤساء بلديات سابقين، مع الحرص على التنوع الفكري والجغرافي والعرقي، وأحياناً المذهبي، لترسيخ صورة "حزب كل تركيا" التي يريدها الديمقراطية والتقدم، على غرار ما فعل العدالة والتنمية لدى تأسيسه. 

لكن قائمة المؤسسين خلت من أسماء لامعة ومتوقعة وكانت مع باباجان حتى عهد قريب، وفي مقدمتها وزير الداخلية الأسبق بشير أطالاي ورئيس المحكمة الدستورية السابق هاشم كيليتش، وكلاهما من المحسوبين على غل. غياب هذه الأسماء البارزة عدَّه كثيرون إشارة على خلافات وقعت مؤخراً بين باباجان وغل، حيث يعتبرُ الكثيرونَ الأخيرَ "قيادة ظل" للحزب والمجموعة التي أسسته، بينما باباجان مجرد "منسق" بينهم.

ولئن كانت الاختلافات واردة نظرياً، إلا أن التفسير الأوفر حظاً أن يكون الطرفان تقصدا وضع مسافة بينهما لدحض هذا الزعم والتأكيد بأن باباجان هو "قائد" الحزب ورئيسه الفعلي. أكثر من ذلك، غل هو من دعا باباجان للسياسة، وتجمع بينهما علاقة صداقة وقرابة عائلية، فضلاً عن أنهما يتفقان في الأفكار والاتجاهات العامة.

وفي كل الأحوال فقائمة المؤسسين لها أهمية رمزية، بينما المحك الفعلي والمعيار الأساس للتقييم ستكون أطر الحزب القيادية وهياكله التنفيذية، ومدى حضور هؤلاء وغيرهم من المحسوبين على غل، فضلاً عن استمرار اجتماعات التنسيق بين الأخير وباباجان من عدمها، وهي التي كانت تجري بشكل دوري.

أحد الأسئلة المهمة التي تطرح بين يدي الحزب، هو الجديد الذي سيقدمه، وهل هناك فعلاً حاجة مجتمعية ومطالبة شعبية بوجوده أو وجود أمثاله، خصوصاً وأنه يشترك مع العدالة والتنمية بالكثير، على الأقل في الماضي؟

هناك ثلاثة مجالات أساسية يحاول الحزب الجديد التمايز بها عن العدالة التنمية وطرح نفسه كبديل وخيار؛ الأول هو الاقتصاد في ظل أزمة  اقتصادية لم تتعاف البلاد منها تماماً، ومع سمعة باباجان الجيدة فيه، والثاني السياسة الخارجية التي يريدها الأخير ومن معه أقل حدية وصداماً، وأكثر براغماتية وقرباً من الغرب وخصوصاً الاتحاد الأوروبي. أما الثالث، فهو الحالة العامة للحقوق والحريات والديمقراطية في البلاد، ومن هنا جاء اسم الحزب الذي يعد بمؤسسية أكثر وفردانية أقل، بما يشابه إلى حد بعيد العدالة والتنمية في بداياته.

ويبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى سيؤثر الحزب على أردوغان والعدالة والتنمية؟

وفق المشهد الحالي والمعطيات المتاحة حتى اللحظة يمكن القول إن تأثير الحزب عليهما محدود جداً. فلا استقال عدد من نواب الحزب الحاكم لينضموا له كما أشاعت بعض المقالات سابقاً، ولا هو أحدَثَ هزة في الساحة السياسية، وهو الأمر المتوقع على أي حال في ظل قوة أردوغان وسيطرته والتفاف حزبه حوله، إضافة لبُعد الاستحقاق الانتخابي زمنياً.

ذلك لا يعني بأن العدالة والتنمية غير مكترث تماماً كما يقول بعض مؤيديه، بل لعل عدد المقالات التي كتبها صحفيون مقربون منه عن الحزب الجديد بمنطق أنه "لم يُحدث صدى ولا اهتم به أحد" يعطي صورة عكسية.

التأثير الأكبر للحزب الجديد وأمثاله ممن يشاركون العدالة والتنمية تاريخَه وخلفيته وبعض أفكاره؛ ستكون في المحطة الانتخابية المقبلة في 2023 على الأغلب. حينها ستسحب هذه الأحزاب من رصيده كثيراً أو قليلاً حسب أدائه وأدائها خلال الفترة المقبلة، بينما ستصعّب من مهمة أردوغان في الانتخابات الرئاسية، لا سيما إذا ما قُدِّم غل كمرشح توافقي للمعارضة.

وبكل الأحوال، فما زال حزب الديمقراطية والتقدم في خطواته الأولى تماماً كحزب المستقبل، ولا يبدو أن أياً منهما في عجلة من أمره، لا سيما الأول المبتعد بشكل واضح ومتعمد عن التراشق الإعلامي والسياسي مع أردوغان والعدالة والتنمية، ليتسنى له العمل بهدوء ودون هزات. إذ يدرك كلا الحزبين وقائداهما أن فرصتهما في ظل وجود أردوغان ضعيفة، ولذلك فهما يعدّان لمرحلة ما بعده في الحياة السياسية التركية.