دخلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين منعطفا تصعيديا جديدا بعد سماح بنك الصين الشعبي (البنك المركزي) لعملته بالهبوط إلى ما دون 7 يوان مقابل الدولار الأمريكي لأول مرة منذ 11 عاما، على خلفية تهديد ترامب بفرض تعرفة جمركية بنسبة 10 بالمئة على 300 مليار دولار من البضائع الصينية.
وأثار انخفاض قيمة اليوان أمام الدولار غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودفع إدارته إلى تصنيف الصين "كدولة تتلاعب بعملتها".
وقال بنك الشعب الصيني، في بيان له الإثنين، إن هبوط اليوان أمام الدولار يعود إلى التدابير الأحادية والحمائية، إضافة إلى توقعات برسوم إضافية على السلع الصينية. فرد ترامب عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قائلا إن هذه التدابير "استخدمت لسرقة أعمالنا ومصانعنا، والإضرار بوظائفنا، وتقليل أجور عمالنا، والإضرار بأسعار المزارعين لدينا. ليس بعد الآن".
ويرى المستشار بالاقتصاد الدولي، مصطفى البازركان، أن الصين تسعى للتأثير على موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، من خلال تصعيد حدة المواجهات في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.
اقرأ أيضا: أمريكا تصنف الصين متلاعبا بالعملة لأول مرة منذ عقود
"رسالة تهديد"
وقال البازركان، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إن قيام الصين بتخفيض قيمة عملتها، وكسر اليوان الصيني الحاجز النفسي، وتجاوز قيمته حاجز الـ7 يوان لكل دولار، كان بمثابة رسالة تهديد من الصين إلى الولايات المتحدة، مفادها أن بكين بإمكانها استخدام أسلحة مالية واقتصادية لمواجهة التهديدات الأمريكية.
وأوضح أن انخفاض اليوان الصيني يؤثر على سلة العملات العالمية، ويؤثر أيضا على الشركات الأمريكية، كما أن انخفاض العملة الصينية يدعم الصادرات الصينية، ويروج لها ليس في السوق الأمريكي فقط وإنما مع كافة شركائها التجاريين في آسيا وأوروبا وامريكا الجنوبية، وهذا ما يقلق الرئيس ترامب بشدة.
وتابع قائلا: "كما أن امتناع الشركات الصينية من استيراد المنتجات الزراعية الأمريكية، يمثل ضغطا صينيا على القطاع الزراعي الأمريكي الذي يمثل أحد الداعمين الرئيسيين للحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي، ويكأن الصين أدركت أين ألم ترامب واستهدفته".
وأردف: "قد يكون هناك خطة صينية للاستمرار في التصعيد مع واشنطن لحين الانتهاء من انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، للتأثير على برنامج ترامب الانتخابي الذي يستهدف تحقيقه"، لافتا إلى أن جوهر الخلاف في المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين، هو أن الصين لا تتسرع في تقديم تنازلات ومساومات، في الوقت الذي يحتاجها ترامب بسرعة.
اقرأ أيضا: في تحد للعقوبات الأمريكية.. الصين تستورد النفط من إيران
"التلاعب بالعملة"
وعن كيفية تلاعب الصين بعملتها، قال المستشار الاقتصادي، إن "البنك المركزي الصيني يقوم بشراء العملات الأجنبية، وبالتالي يؤثر على اليوان صعودا أو نزولا. وهذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها ترامب الصين بالتلاعب بعملتها، وبكين تنفي ذلك. لكن هذه المره ربما أصبح الاتهام اتهاما رسميا. وقد يترتب على ذلك بحث الأمر في صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية. وقد تفرض بعض العقوبات على الصين فيما إذا كان هناك شواهد وأدلة تثبت نزوع الصين إلى هذا الاتجاه".
وأضاف: "إثبات أن البنك المركزي الصيني يتلاعب في العملة الصينية يأخذ وقتا وإجراءات طويلة، وقد تتخذ الولايات المتحدة إجراءات أحادية ضد تلاعب الصين بعملتها، لحين التوصل إلى دليل إدانة رسمي ضد بكين بشأن التلاعب بسعر صرف اليوان.
وتوقع البازركان، أن تتجه الحربة التجارية بين واشنطن وبكين إلى التصعيد وليس التهدئة، مؤكدا أن الجميع سيكون خاسرا في هذه الحرب، وأن الخسارة لن تقتصر فقط على الصين والولايات المتحدة، بل ستمتد إلى كافة دول العالم، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر.
وتنحصر الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، حتى الآن، في الرسوم الجمركية، لكن خبراء اقتصاد يتوقعون أن تحتدم إلى درجة تتجاوز فرض الرسوم الجمركية.
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أحمد عوض، إن "تخفيض سعر صرف اليوان أمام الدولار سيؤدي إلى تخفيض أسعار السلع الصينية القابلة للتصدير، وهذا سيقلل من آثار القيود الأمريكية في وضع رسوم جمركية على البضائع الصينية المصدرة للولايات المتحدة، وسيدعم الصادرات الصينية في الأسواق الأمريكية".
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21"، أن سعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار كان جزءا أساسيا من الحرب الباردة بين واشنطن وبكين، ودائما كانت الولايات المتحدة تطلب من الصين رفع قيمة اليوان أمام الدولار، والصين ترفض".
اقرأ أيضا: ترامب يستبعد توقيع واشنطن اتفاقا تجاريا مع بكين
من المستفيد؟
وأكد عوض، أن أي سياسة اقتصادية لها آثار سلبية وأخرى إيجابية، لافتا إلى أن تخفيض سعر اليوان أمام الدولار سيدعم بلا شك الصادرات الصينية ويجعلها أكثر تنافسية وجاذبية أمام السلع الأمريكية، لكنه سيساهم بنفس الوقت في رفع معدلات التضخم داخل الصين.
وأردف: "كل دولة في العالم لها الحق في التحكم بسعر صرف عملتها الوطنية وفقا لمصالحها الاقتصادية". لكن البعض يرى أن تلاعب أي دولة بعملتها يعد انتهاكا لقواعد التجارة العالمية عبر منح امتيازات تنافسية غير عادلة.
ونشرت مجلة كلية الحقوق في جامعة إيموري الأمريكية دراسة أكدت أن التلاعب بالعملة له "تبعات خطيرة على السوق العالمية"، مشيرة إلى أنه "يمكن اعتبار التلاعب بالعملة مسؤولا عن ضياع ملايين الوظائف في الولايات المتحدة وعن ضياع عدد أصغر، ولكنه لا يزال كبيرا من الوظائف في أوروبا".
وأوضح مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أن "تخفيض سعر صرف اليوان أمام الدولار ستستفيد منه الصين على المدى القصير والمتوسط، وستخفف من آثار العقوبات الأمريكية ضد بكين، لكن على المستوى الداخلي بالصين ستساهم في ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم النقدي، وسيدفع المواطن الصيني ثمن هذه السياسات".
ويقول الكاتب الاقتصادي في مجلة فوربس، جوزيف ستيغليتز، إن انخفاض قيمة اليوان الصيني، سلاح ذو حدين، ففي الوقت الذي يضعف فيه آثار العقوبات الأمريكية ضد الصين، فإنه يمكن أن يدفع الأسواق المالية إلى صرف اليوان بأقل من سعره المخفض أصلا، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تقويض النظام المالي للصين.
أمريكا تصنف الصين متلاعبا بالعملة لأول مرة منذ عقود
الصين تتوعد باتخاذ "تدابير مضادة" لمواجهة عقوبات ترامب
الصين تعلق على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة