صحافة دولية

NYT: كيف امتدت قبضة السيسي الحديدية لبرامج رمضان؟

نيويورك تايمز: السيسي يضغط على صناع الدراما لإنتاج برامج رمضانية مؤيدة له- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها ديكلان وولش، يتحدث فيه عن جهود نظام عبد الفتاح السيسي للتحكم في مسلسلات شهر رمضان، وتأكيد الطابع الداعم للحكومة فيها.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المسلسلات التي يجري الإعداد لها لكي تعرض في الشهر المقبل، حيث يبدأ رمضان، تواجه رقابة. 

 

وينقل وولش عن مخرجين وممثلين، قولهم إن مسؤولي حكومة السيسي يملون عليهم النصوص الواجب تمثيلها، ويحددون الأجور، فيما باتت شركة مرتبطة بالجيش تتحكم في بعض البرامج التلفازية الكبرى، مشيرا إلى أنه طلب من المخرجين التصدي لموضوعات ترضي الحكومة، مثل مدح الجيش والشرطة، وشيطنة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية المحظورة. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن الدبلوماسي والروائي عز الدين شكري فشير، الذي حولت بعض رواياته لمسلسلات تلفازية، قوله: "بالنسبة للسيسي فهذا لا يتعلق بالسياسة أو السلطة.. لكنه يريد إعادة تعليم الرأي العام المصري". 

 

ويجد التقرير أن حملات القمع ضد المسلسلات الدرامية هي الحافة الثقافية للحالة الديكتاتورية التي تجذرت في مصر تحت حكم السيسي، ووصلت درجاتها العليا في بلد طالما حكمته النخب العسكرية والرجال الأقوياء. 

 

ويقارن الكاتب الوضع في مصر اليوم بما كان عليه أثناء حكم حسني مبارك، الذي وإن حكم البلاد بقبضة حديدية لمدة 30 عاما، إلا أنه سمح بظهور مراكز قوة تتنافس مع حزبه السياسي، وأصدر القضاة في تلك الفترة أحكاما لم تكن مرضية له، أما الصحافة فقد انتقدته لحد معين، وفي عام 2005 حققت جماعة الإخوان المسلمين انتصارا مفاجئا في الانتخابات، أما في عهد السيسي فقد تم إغلاق هذه المساحة، ويحكم منذ وصوله إلى الحكم عام 2013، معتمدا على زمرة من المستشارين، اختار معظمهم من الجيش والأجهزة الأمنية أو عائلته، ويتمتعون بنفوذ اقتصادي واسع، وينظرون للعالم عبر المنظور الأمني، ويقومون بالدوس على أي ملمح للمعارضة، حيث بات المصريون يسجنون بسبب المنشورات التي توضع على "فيسبوك" التي لا تعجب النظام.

 

وتنقل الصحيفة عن الزميل في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، يزيد صايغ، قوله: "بصراحة، قد أشعر بالأمان لو تحدثت في السياسة في دمشق أكثر من القاهرة"، وأضاف أن السيسي "يحاول السيطرة على الفضاء السياسي بالمطلق، بشكل لا يستطيع أحد قول أي شيء في مكان خاص يمكن أن يعده من هم في السلطة تمردا عليهم.. هذا هو الخوف الذي تحاول الأنظمة الديكتاتورية كلها زرعه: حتى لو لم يكن النظام يتنصت عليك فإنه يسمعك". 

ويلفت التقرير إلى أن متحدثا باسم الحكومة رفض التعليق على هذا الموضوع.

 

ويعلق وولش قائلا إن "ممارسات الرئيس السيسي لم تلق أي اعتراض من الرئيس دونالد ترامب، حيث ظلت الولايات المتحدة بمثابة الكابح لممارسات الرجال الأقوياء في مصر، إلا أن ترامب لم يقل شيئا، بل إنه كال المديح للسيسي في لقاءاته معه، وعلق على ذوقه في اختيار حذائه، متجاهلا الاضطهاد الذي يمارسه في مصر، ولم يعين ترامب سفيرا في مصر منذ عام 2017". 

 

وتفيد الصحيفة بأن السيسي يحيط نفسه بمجموعة من الرجال العسكريين الذين يثق فيهم، وكلف فرقة المهندسين في الجيش بتولي المشاريع الطموحة التي تكلف مليارات الدولارات، بما فيها تفريعة قناة السويس الجديدة التي أكملت عام 2015، والعاصمة الإدارية الجديدة التي لا تزال تحت الإنشاء في الصحراء الواقعة شرقي القاهرة، مشيرة إلى أنه في الوقت ذاته فإن المحاكم العسكرية تمارس عملها دون أي رقابة، وتحاكم الممثلين والمعارضين السياسيين والمشتبه في تورطهم في جرائم إرهاب. 

 

ويكشف التقرير عن أن المخابرات المصرية تقوم بطريقة خافية بالتلاعب في عمل البرلمان، الذي يناقش حاليا تغييرات واسعة للدستور، تسمح للسيسي بالبقاء في الحكم حتى عام 2034، والتي قد تضع القضاء ضمن سلطته، وهو ما لم يحصل عليه مبارك من قبل. 

 

ويعلق الكاتب قائلا إن البرامج الحوارية التلفازية التي كانت تحفل بالنكتة والتعليقات الساخرة أصبحت مؤيدة للحكومة، ما دفع المصريين لتجنبها، وانخفضت سلطة وزارة الخارجية، التي كانت تعبر عن فخر التقاليد الدبلوماسية المصرية. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن إيمي هوثورون من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في واشنطن، قولها: "السيسي ليس كيم جونغ أون، ولا صدام حسين، لكنه ينقل مصر ببطء إلى هذا النوع من الحكم". 

 

وينوه التقرير إلى أن يد الأمن تمددت عميقا في الاقتصاد، بحيث لم يعد هناك فرق بين ما هو مصلحة قومية وتجارة، مشيرا إلى أن خدمة السيارات "أوبر" تراجعت في مصر بعدما طلبت منها الحكومة تقديم معلومات عن زبائنها. 

 

ويقول وولش إن السيسي يظل متميزا في محاولاته السيطرة على المجال الثقافي، فكتب علاء الأسواني، مؤلف "عمارة يعقوبيان" الشهر الماضي، قائلا إن الحكومة حاكمته بتهمة التحريض على النظام، وهي محاكمة مثيرة، خاصة أن الأسواني كان من داعمي السيسي الكبار. 

 

وتنقل الصحيفة عن عمر واكد، الذي شارك في فيلم "سيريانا"، قوله في كانون الثاني/ يناير، إن محكمة مصرية أصدرت عليه حكما بالسجن لمدة 8 أعوام لأنه انتقد السيسي، وطردته نقابة الفنانين مع ممثل آخر لمشاركتهما في جلسة استماع في الكونغرس ناقشت التعديلات الدستورية، واتهمتهما بالخيانة العظمى. 

 

ويشير التقرير إلى أن السيسي قد تدخل في النقاش حول ما يعرض على التلفزة في خطاب له عام 2017، عندما مدح البرامج التلفازية القديمة، منتقدا الإنتاجات الحالية، ورد المسؤولون في العام التالي بالضغط على صناع الأفلام من خلال الرقابة والترهيب الخفي. 

 

ويستدرك الكاتب بأن التدخل الحكومي في الإنتاج التلفازي المخصص لرمضان أدى إلى أزمة في داخل هذه الصناعة، مشيرا إلى أنه مع اقتراب الشهر فإن عدد المسلسلات الدرامية التي يتم إنتاجها انخفض إلى النصف، أي ما بين 12- 15 مسلسلا، بحسب ما قال أحد المخرجين. 

 

وتذكر الصحيفة أن مؤسسة "إعلام المصريين"، المرتبطة بالمخابرات المصرية، سيطرت على أهم البرامج التلفازية، واشترت عددا من الشبكات التلفازية، بحسب موقع "مدى مصر"، الذي يعد آخر الوسائل الإعلامية المستقلة في مصر.

 

وينقل التقرير عن مخرج معروف، قوله إن كتاب النص طلبوا منهم هذا الشتاء الالتزام بعدد من التعليمات: تمجيد الجيش، ومهاجمة الإخوان المسلمين، والتركيز على القيم المحافظة للعائلة، وتجنب الأسئلة التي قادت إلى الربيع العربي عام 2011. 

 

ويرى عز الدين فشير، الذي يعيش في الولايات المتحدة، أن التعليمات تتميز بشكل كبير عن عهد مبارك، فالرئيس السابق كان قانعا بحكم مصر كما هي وبعيوبها، أما السيسي فيريد تغيير سلوكها وطريقة تفكيرها، فقد حاضر على المصريين، ودعاهم للالتزام بأخلاق معينة، وحذرهم من السمنة، أما الآن فيريد تطهير مصر مما يراه تيارات تفكير خطيرة.

 

ويورد وولش نقلا عن المدافعين عن السيسي، قولهم إن البلاد بحاجة لرجل قوي يحميها من المخاطر التي تعرضت لها ليبيا وسوريا واليمن، وتنفيذ برنامج إصلاحات قاس، ويشيرون إلى زيادة 16% في قطاع السياحة العام الماضي، وازدهار قطاع الطاقة بسبب الاكتشافات الأخيرة في البحر المتوسط، مستدركا بأنه مع ذلك، فإن الكثير من المصريين يعانون من سياسات التقشف والركود الاقتصادي.

 

وتلفت الصحيفة إلى أنه بعد حادثة اصطدام القطار في ميدان رمسيس، التي قتل فيها 22 شخصا، خرج صيدلاني اسمه أحمد محيي إلى ميدان التحرير، حاملا لافتة "ارحل يا سيسي"، واعتقل بعد دقائق من وقوفه مع الشخص الذي صور الاحتجاج المنفرد، مشيرة إلى أن محيي سجل في سيارة الشرطة رسالة عاطفية، عبر فيها عن تحديه، وقال إن ما فعله مهم. 

 

ويجد التقرير أنه مع امتلاء السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين، فإن المقاومة لنظام السيسي نادرة، ولا يواجه نظامه إلا تحديات قليلة، لافتا إلى أن السيسي تحدث إلى صحافي في مقابلة صحافية عام 2013، قائلا إنه سمع في الحلم صوتا يقول له بأن الله أعطاه ما لم يعط أحدا من قبله. 

 

ويذكر الكاتب أن المحللين يحذرون من أن محاولات السيسي السيطرة على البلاد قد تؤدي إلى زرع بذور المشكلات التي قد تنهي حكمه، مشيرا إلى أن صايغ يرى أن محاولات التحكم في المجتمع نفرت قطاعات كثيرة منه، وتركته عرضة للخطر، ولن يجد من يدافع عنه عندما يتعرض نظامه لأزمة.

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول صايغ: "قام السيسي والجيش بحشر نفسيهما في الزاوية، من خلال تدمير أي شخص يمكنهما الحديث معه.. عندما يحين الوقت ويحتاجان للآخرين في الحكومة والتجارة فقد لا يجدان أحدا يدعمهما".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)