نشر موقع "ذي كونفرزيشن" الأسترالي
تقريرا سلط من خلاله الضوء على نظام عمل الذاكرة بالنسبة للأطفال.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته
"
عربي21"، إن هناك دراسة حديثة أجريت على مجموعة من المشاركين طلب منهم
فيها تذكر أحداث وقعت في السنوات الأولى من طفولتهم ومحاولة تحديد أعمارهم عند
حدوثها.
وأجاب عن بعض الأسئلة العالقة حول الذاكرة، من
قبيل: ما هو أقدم حدث يمكن للمرء تذكره؟ وكم عمره عند وقوع ذلك الحدث؟ وكيف عاش
تلك الذكرى؟ كما شمل البحث حقيقة
الذكريات المبكرة، وما إذا كانت أحداثا حقيقية أم إنها من نسج الخيال.
وبين أنه في دراسة حديثة نشرتها دار النشر
"ساج"، طُلب من أكثر من 6 آلاف شخص من جميع الأعمار أن يُحدّثوا
المشرفين عن أول ذكرى لهم، وكم كانوا يبلغون من العمر عندما وقع ذلك الحدث. وقد
كان الهدف من ذلك تقييم مدى عاطفية ذاكرتهم وحيويتها، لفهم المنظور الذي ينظر من
خلاله إلى الذاكرة.
وقد ذكرت الدراسة أن الأشخاص العاديين كشفوا عن
أن أول ذكريات حدثت معهم كانت خلال النصف الأول من السنة الثالثة من أعمارهم.
وينطبق هذا بشكل جيد مع نتائج دراسات أخرى بحثت في عمر الذكريات المبكرة.
وأشار الموقع إلى أن تذكر الشخص لحدث ما في
طفولته قد يعني أنه يتمتع بذاكرة جيدة. لكن الدراسة كشفت عن أن حوالي 40 بالمائة من
المشاركين قد تذكروا أحداثا وقعت لهم في سن الثانية أو قبل ذلك. وقد ذكر 14
بالمائة من هؤلاء أنهم تذكروا أحداثا وقعت لهم ولم تكن أعمارهم قد تجاوزت السنة
بعد. ومع ذلك، تشير الأبحاث النفسية إلى أن الذكريات التي تحدث قبل سن الثالثة
تكون غير عادية إلى حد كبير، حتى إنها قد تكون مستبعدة.
وأضاف الموقع أن الباحثين الذين قادوا البحث
حول كيفية تطور الذاكرة أشاروا إلى أن العمليات العصبية اللازمة لتشكيل ذكريات
السيرة الذاتية لا تتطور بشكل كامل إلا بين سن الثلاث والأربع سنوات. وذكر بحث
آخر أن الذكريات مرتبطة بتطور اللغة، إذ تسمح اللغة للأطفال بمشاركة ومناقشة
الماضي مع الآخرين، ما يسمح بتنظيم الذكريات داخل سيرهم الذاتية الشخصية.
أما عن سبب تذكر بعض الناس لأعمارهم وهم أطفال،
وعن سبب تذكر 2487 شخصا من الذين خضعوا لهذه الدراسة أحداثا تعود إلى عمر السنتين
أو أقل، قال الموقع إن إحدى التفسيرات تفيد بأن الأشخاص يعطون ببساطة تقديرات غير
صحيحة عن أعمارهم في الذاكرة. وإلى أن يذكروا أدلة تؤكد تخمينهم، يمثل التخمين كل
ما يملكه الشخص عندما يتعلق الأمر بتحديد تاريخ الذكريات، حتى تلك التي تقع في وقت
قريب.
وأورد الموقع أن اعتبار التقديرات الخاطئة في
تحديد التاريخ هي التفسير المناسب لوجود تلك الذكريات، ويجعل ذلك الباحثين
يتوقعون تذكر الشخص لأحداث مشابهة لتلك الذكريات من سن الثالثة فما فوق. ولكن لم
يكن هذا هو الحال، إذ كشفت الدراسة عن أن الذكريات التي تم الإبلاغ عنها في عمر
مبكر جدا كانت لأحداث وأمور وقعت في مرحلة الرضاعة، في حين كانت الذكريات الأحدث
حول أمور تعود لفترة
الطفولة. وتفيد هذه النتيجة أن هاتين المجموعتين من الذكريات
كانتا مختلفتين نوعيا واستبعدتا التفسير بارتكاب الشخص خطأ في تحديد التاريخ.
وأفاد بأن هذه الذكريات قد تكون من وحي الخيال،
أي إنها لم تحدث في الواقع. وربما يستدعي الشخص، عند رغبته في استحضار أحداث عاشها
بنفسه، ما رآه في صور فوتوغرافية أو فيلم منزلي أو قصص عائلية مشتركة أو أحداث
وأنشطة تحدث عادة في مرحلة الطفولة. وقد أوضحت الدراسة أن هذه الحقائق مرتبطة ببعض
الصور البصرية المجزأة التي يتم دمجها معا لتشكل أساس هذه الذكريات المبكرة
المصنوعة من وحي الخيال. ثم مع مرور الوقت، يبدأ هذا المزيج من الصور والحقائق
بتشكيل ما يبدو أنه ذاكرة.
وقال الموقع إنه على الرغم من استرجاع 40
بالمائة من المشاركين في الدراسة لهذه الذكريات الخيالية، إلا أنها ليست بالذكريات
المذهلة، إذ تشير النظريات المعاصرة للطبيعة البنائية للذاكرة، أن الذاكرة ليست
"سجلات" للأحداث، بل هي تمثيلات نفسية للذات في الماضي.
وذكر
أن جميع ذكريات البشر تحتوي على درجة من الخيال، وهذه علامة على أن نظام الذاكرة
يعمل بشكل سليم. لكن ربما، ولأسباب غير معروفة، لدى البشر حاجة نفسية لتخيل ذكريات
من فترات حياتهم التي لا يستطيعون تذكرها. ولكن تظل هذه القصص في الوقت الحالي
لغزا لم يحل بعد.