أثار مشهد
انتحار فتاة
مصرية، الاثنين الماضي، أمام قطار مترو
الأنفاق بالقاهرة، تخوفات من تعدد الأسباب التي تدفع
الشباب للهروب من واقعهم للموت،
وما زاد من هذه التخوفات انتشار الانتحار بين طلاب الثانوية العامة قبل وأثناء
فترة الامتحانات، التي وصلت طبقا للبلاغات التي تلقتها الأجهزة الأمنية لـ15 حالة، أشهرهم الطالب جرجس (19 عاما)، الذي ألقى بنفسه من أعلى برج القاهرة، بعد فشله في
امتحان اللغة الإنجليزية.
وطبقا لتقرير نشرته صحيفة الوفد المعارضة، في الأول من
تموز/ يوليو الجاري، فإن شهر حزيران/ يونيو شهد العديد من حالات الانتحار بسبب
امتحانات الثانوية العامة والشهادة الإعدادية، وتحدثت الجريدة عن 7 حالات، من بينهم
طالب بمحافظة سيناء بالصف الأول الإعدادي، الذي انتحر بعد رسوبه في خمس مواد
دراسية.
بينما كشفت صحيفة "المصري اليوم" في تقرير آخر
عن تزايد حالات الانتحار، وأن محافظة الجيزة شهدت وحدها 6 حالات خلال نيسان/ أبريل
الماضي، لتنافس بذلك محافظة كفر الشيخ (أكثر محافظات مصر فقرا، طبقا لتقرير الجهاز
المركزي للتعبئة العامة والإحصاء)، التي شهدت وحدها 14 حالة انتحار خلال عام 2017.
وكانت وزارة الصحة المصرية حذرت، في دراسة أصدرتها في نيسان/ أبريل الماضي، من أن 21.5 من طلاب الثانوية العامة يفكرون بالانتحار هربا من
المستقبل المجهول الذي ينتظرهم إذا حققوا فشلا في الامتحانات.
وأشارت الدراسة التي أجرتها الوزارة على عشرة آلاف و648 طالبا
وطالبة، تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما، إلى أن 21.5% من الطلاب الذين شملتهم العينة
يفكرون في الانتحار، في حين يعاني 29.3% من مشاكل نفسية، بينها القلق والتوتر والاكتئاب،
و19.5% بلغوا حد إيذاء النفس، وأن 33.4% من العينة لجأوا للعلاج لدى طبيب نفسي، و19.9%
لجأوا لصيدلي، و15% لجأوا لنصائح الأصدقاء.
وأرجع خبراء السياسة وعلم الاجتماع والطب النفسي، الذين
تحدثت إليهم "
عربي21"، تزايد حالات الانتحار، خاصة بين الشباب؛ لغياب
الأمل والتفاؤل لديهم، في ظل ما تشهده مصر من انسداد سياسي، وتأزم اقتصادي، واتساع
دائرة الفقر، لتلتهم معظم الطبقة الوسطى بالمجتمع المصري.
من جانبه، يؤكد أستاذ الطب النفسي، سامح عيسى، لـ"
عربي21"، أن ارتفاع حالات الانتحار خلال الفترة الماضية له أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، جميعها تمارس ضغوطا على المواطن المصري، موضحا أن كثرة أعداد الشباب وتنوع
دياناتهم وثقافاتهم ومستواهم الاجتماعي، وكذلك تنوع المربعات السكنية التي ينتمون
إليها، يشير إلى خطورة هذا التطور.
ويوضح عيسى أن الموضوع وإن كان لم يصل لحد الظاهرة، إلا أن
الشواهد التي تحيط به تطلق جرس إنذار خطير لتطور عملية الانتحار واقترابها من
الظاهرة، خاصة أن زيادة وتيرتها وتزامنها نذير خطر، حيث أصبحت أقرب لعملية هروب
في اتجاه الموت، بعد غياب الأمل، وتوقع الفشل، وعدم وجود دلائل لتغيير المستقبل الذي
ينشده المنتحرون، سواء كانوا شبابا أو فتيات أو حتى كبار السن.
ويستدل عيسى بالجريمة التي ارتكبها نجل أحد الممثلين
المشهورين قبل أيام، والذي قتل زوجته وأبناءه، بعد أن وجد في ذلك المخرج الوحيد من
حالة التأزم الاقتصادي التي يعيشها ولا يرى لها حلا، وهو ذاته ما تشير إليه
التحقيقات الأخيرة في حادثة رجل الأعمال الذي قتل كل أسرته بمدينة الرحاب الغنية،
والتي كانت حديث المجتمع المصري قبل شهر.
ويري أستاذ الطب النفسي أن خطورة تزايد حالات الانتحار
تشير كذلك إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب داخل المجتمع المصري، وبالتالي فإن انتشار وتوسع
الاكتئاب نتيجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية يمكن أن يكون له تأثيرات
متعددة على المجتمع، مثل ارتفاع حالات الطلاق، وتأخر سن الزواج، والهجرة غير الشرعية، والعزلة، والخوف الدائم من الفشل، الذي ينتهي في النهاية لمحاولة الهروب من الواقع
المؤلم لواقع آخر قد يكون الموت من بين اختياراته.
ويضيف خبير علم الاجتماع السياسي، الدكتور سيف المرصفاوي، لـ"
عربي21"، أن المجتمع المصري شهد تغيرا كبيرا خلال السنوات الثماني الماضية، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، ثم انقلاب 3 يوليو 2013، وما نتج عنهما من
انشقاق مجتمعي خطير، وما تبع ذلك من استحلال الدم، الذي لم يعد له حرمة، واستئثار
طبقة محددة في المجتمع بكل المكاسب، بينما الخسائر تتحملها الأغلبية الفقيرة.
ويشير المرصفاوي إلى أن التغيرات الاقتصادية المتسارعة أدت
لفقدان الأمل في التغيير، وزرع شعور داخلي، خاصة بين الشباب، أنه لا فائدة من
المستقبل، الذي تبدو ملامحه بالنسبة لهم سيئة؛ نتيجة ما عايشوه على أرض الواقع،
ويضاف لذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وهوس الإعلام الإقصائي.
ويوضح المرصفاوي أن كل هذا أدى لوجود قناعات لدى قطاعات
واسعة من الشباب بأنه لو احتجّ علنا على أوضاعه فإن مصيره إما السجن أو الموت؛ لذلك اختار الموت وسيلة آمنة وسريعة للتعبير عن رفض الواقع بكل ما فيه من
مساوئ.