لم يعد سرا الحديث عن صفقة أشرفت عليها القوات الأمريكية في سورية؛ لتأمين خروج آمن لمقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من مدينة الرقة. ما يزيد على أربعة آلاف مقاتل مع عائلاتهم غادروا المدينة قبيل سقوطها بيد قوات سورية الديمقراطية المدعومة من واشنطن. وقد روى مسؤول عسكري في "قسد" تفاصيل الصفقة التي نفتها مصادر أمريكية في وقت لاحق.
صفقة واشنطن مع "داعش" ليست الأولى من نوعها في سورية، فقد رعت موسكو صفقة مماثلة بين مقاتلي التنظيم الإرهابي وحزب الله، تم بموجبها نقل المئات من أتباع التنظيم من بلدات محاذية للحدود اللبنانية إلى مناطق دير الزور القريبة من الحدود العراقية مع سورية، وأثارت هذه الخطوة غضب السلطات العراقية في حينه.
في وقت لاحق على صفقة الرقة، وبالتزامن مع وقوع عمليات إرهابية في سيناء، طوّر ما يوصف بأنهم خبراء مصريون فرضيات خيالية عن وصول مقاتلي داعش الفارين من الرقة إلى سيناء عن طريق الأردن. ووصل الأمر بصحف مصرية عديمة المهنية حدَّ تبني هذه الفرضية وتسويقها، وخرج العديد من الخبراء الأمنيين المصريين على شاشات التلفزة يرددون التفاهات ذاتها.
تخيلوا، الأردن الذي يقف في مقدمة الدول التي تحارب "داعش" يفتح حدوده لعبور آلاف المقاتلين، ليقطعوا البلاد من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها، ليعبروا من هناك صوب سيناء!
لا أعتقد أن هناك مسؤولا واحدا في الأجهزة الأمنية المصرية يمكنه أن يأخذ كلام الخبراء المصريين على محمل الجد. الحدود الأردنية مع سورية، وبمعرفة الأجهزة الأمنية كافة في المنطقة والعالم، هي الأكثر إحكاما وضبطا، فبينما انهارت السيطرة على حدود سورية مع جميع جيرانها، وتحولت لمعابر للإرهابيين والمقاتلين الأجانب، كانت قوات حرس الحدود الأردني تحكم قبضتها على كل متر من الحدود الممتدة بين البلدين.
وعلى مدار سنوات الأزمة السورية أحبط الجيش الأردني مئات محاولات التسلل لإرهابيين ومهربي أسلحة ومخدرات، حاولوا اختراق الحدود والتسلل إلى داخل الأراضي الأردنية.
في الوقت نفسه كانت المؤسسات المعنية في الدولة تصوغ تفاهمات عميقة مع القوى المعنية في الأزمة السورية ضمنت من خلالها تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في المناطق المحاذية للحدود وإبعاد مقاتلي المجموعات الإرهابية والمليشيات الأجنبية إلى أبعد نقطة ممكنة، ومحاصرة الجيب الداعشي الوحيد في الجنوب الغربي السوري، ومحاصرة عناصر جبهة النصرة وتحطيم قدراتهم التنظيمية.
وعندما ضغطت قوى حليفة لإدخال مقاتلين محسوبين على المعارضة المعتدلة للأردن بعد تسويات دير الزور والجنوب الشرقي لسورية، قاوم الأردن بشدة هذه الضغوط ورفض السماح لآلاف منهم بالدخول ولو مؤقتا للأراضي الأردنية، مثلما رفض قطعيا أية صيغة لربط مخيم الركبان بمنظومة المساعدات الإنسانية عبر الحدود الأردنية.
ينبغي على المحللين المصريين أن يُلِموا بهذه المعلومات قبل توجيه أصابع الاتهام للأردن، وأكثر من ذلك أن يدركوا بأن أمن سيناء واستقرارها مصلحة أردنية مباشرة، إذ من غير المنطقي أبدا أن يجلب الأردن الخطر من حدوده الشمالية لحدوده الجنوبية، ويسمح للإرهابيين بتعزيز قدراتهم على مرمى من مركزه الاستراتيجي والحيوي في مدينة العقبة.
عندما أطلقت قبل سنة تقريبا صواريخ من سيناء باتجاه مدينة إيلات، تناثرت شظاياها فوق مدينة العقبة، وكادت أن تسبب كارثة.
كيف لخبير عسكري وأمني ووسائل إعلام أن تردد اتهامات سخيفة كهذه، أم أنها محاولة للبحث عن كبش فداء لتبرير الفشل في سيناء؟!
الغد الأردنية