في تموز/ يوليو القادم، من المقرر أن ينعقد في واشنطن مؤتمر إقليمي وربما دولي؛ للكشف عن الملامح النهائية لصفقة القرن كما سماها ترامب والسيسي، والتي بدأ العمل من أجلها منذ سنوات في تهيئة الأوضاع لإتمامها.
ونحن نعتقد أن الزيارة الوداعية للرئيس بوش إلى إسرائيل في ربيع 2008، قبيل محرقة غزة وإعلانه في الكنيست أن إسرائيل دولة يهودية خالصة، كان تأكيدا لقمة العقبة في عام 2003 التى ضمت شارون وبوش وعباس والملك الأردني، عبد الله، والتي أفصح فيها شارون عن الدولة اليهودية، ثم قمة شرم الشيخ في أواخر كانون الثاني/ يناير 2009 التي تأكد فيها هذا المشروع.
ملامح صفقة القرن يكشف النقاب عنها بعد أن قام داعش بدوره، وقامت أطراف أخرى في الخليج وغيره، بقمع الثورات العربية التي كانت أكبر تهديد للصفقة، وكذلك سارعت إسرائيل وبعض دول الخليج إلى وضع مخطط دقيق لكل من مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان، بحيث تعلن صفقة القرن، وقد تم تفريغ الأمة العربية والإسلامية من هويتها وشاع مصطلح الإرهاب الإسلامي، وهو كلمة السر التي اجتمع عليها حكام العرب والمسلمين، لكي يقضوا على هذه الأمة، وهو ما تم تداوله في لقاء الرياض بين ترامب الذي ركز مهمته في إقامة إسرائيل الكبرى، وبين الحكام العرب والمسلمين الذين أعانوه على ذلك تحت ستار وحدة الأمة ضد الإرهاب، رغم أن كل الأطراف التي حضرت هذا اللقاء ساهمت في صناعة الإرهاب واستخدامه أداة في سياساتها الخارجية، ولكنها تدلس على العالم بهذا التحالف العالمي لمكافحة الإرهاب.
والحق، أن صفقة القرن هي العتبة الأخيرة لقيام إسرائيل الكبرى، ولكن هذا المخطط بدأ عام 1997 بتدشين المشروع الصهيوني ثم الاتفاق السري بين بريطانيا وفرنسا في 19 أيار/ مايو 1916؛ المعروف باتفاق سايكس بيكو، وأهم آثاره هو التمهيد بتصريح بلفور في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، حيث تمر مئة عام في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم على هذا التصريح الذي أقر بالتزام بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في
فلسطين، وهي الذكرى التي أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا أنها تعتز بها وبدور بريطانيا في المشروع الصهيوني. ولكن بريطانيا لم تتوقع أبدا أن الحكام الذين نصبتهم في العروش العربية سوف يتولون أخطر مراحل المهمة بل ويترحمون على هرتزل وبلفور، ويكيلون اللعنات لصلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد الذين أصبحوا عند هؤلاء مصدرا للتطرف والإرهاب، بل أتوقع أن يحتفل أطراف لقاء الرياض بالذكرى الأولى له في صحن الكعبة حتى يعاهدوا الله على إفناء الإسلام والمسلمين.
ملامح صفقة القرن التي يتوقع أن يكشف النقاب عنها في مؤتمر واشنطن ستة:
الأول، هو تطبيق المبادرة السعودية للسلام مع إسرائيل بطريقة عكسية، أي الاعتراف بإسرائيل وخداع الشعوب العربية بأن هذا الاعتراف هو ثمن مراعاة إسرائيل لحقوق الفلسطينيين. وبالفعل بدأت إسرائيل وفق هذ المخطط تتحدث صحفها عن قبولها لدولة فلسطينية، لكن خارج فلسطين. وبذلك تتمكن إسرائيل من إحياء مطالبها في المدينة المنورة، وتصبح السعودية مقر الأماكن المقدسة موضع تساؤل من المسلمين، خاصة إذا تضمنت الصفقة بالتأكيد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وهدم المسجد الأقصى الذي كان الملك فيصل يتمنى أن يصلى فيه.
الثاني، تصفية القضية الفلسطينية، وإطلاق الاستيطان في فلسطين، وضم المستوطنات إلى إسرائيل الكبرى، وطرد الجيوب العربية في هذا الكيان إلى مصر والأردن، كما أشارت المصادر الإسرائيلية، وبذلك يكون أبو مازن هو آخر رمز فلسطيني قبل زوال فلسطين تماما، مثلما حدث في الأندلس.
الثالث، القضاء على المقاومة ضد إسرائيل، وهي حماس وحزب الله، وتقليم أظافر إيران في اليمن وسوريا والعراق، وتقسيم ليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان، وربما في مرحلة لاحقة مصر والسعودية.
الرابع، هو استخدام الحشد العسكري العربي والإسلامي لتقسيم العراق وسوريا وطرد إيران، ولذلك تحدث كيسنجر عن الحرب العالمية الثالثة التي تبدأ بضرب إسرائيل لإيران وقتل أكبر عدد من العرب حتى لا تبقى إلا إسرائيل.
الخامس، إقامة دولة كردية وتنفيذ خريطة إسرائيل بفتح الحدود بين العراق وسوريا، بحيث يختفي اسم العراق وسوريا وتتحول إلى كيانات طائفية، وكذلك تقسيم سوريا أو التأكيد على التقسيم الفعلي الذي أنجزه الإسلاميون الذين أسهموا إسهاما كبيرا في تدمير الهوية العربية والإسلامية تحت شعار دعم الثورة السورية، بعد أن تم خلط الأوراق في سوريا والعراق، وإنشاء المنظمات الإسلامية تحت شعار نصرة الإسلام والمسلمين. وقد يكون لتركيا موقف مختلف في مسألة الأكراد، ولكن المخطط هو إنشاء الدولة الكردية القومية لإضعاف إيران وتركيا وضمان التناحر داخل هذه الوحدات.
السادس، القضاء على قوة مصر بعد نزع هويتها العربية والإسلامية، وتحملها جانبا من أعباء الصفقة ثم إعلان إسرائيل اليهودية الكبرى وسط الخرائب العربية.
تلك أهم الملامح التي استقرأتها من مجمل التصريحات من كل الأطراف، وندعو الله أن يخيب ظننا، وأن يكون الحكام العرب والمسلمون في مقدمة المدافعين عن العروبة والإسلام ضد المشروع الصهيوني.
ولا أظن ذلك بعد إعلان حماس وحزب الله وإيران منظمات إرهابية، رغم أن الإرهاب الصهيوني هو الذي أدى إلى كل الفصول التي نهشت في الجسد العربي.
وأعتقد أن روسيا والصين والهند سوف تدعى إلى وليمة واشنطن التي يتم فيها اقتسام الجسد العربي والإسلامي، وكذلك الغنائم التي تسلمها الحكام العرب المنتصرون على أمتهم. وفي تلك اللحظة لا بد أن نهنئ ترامب وكل الراحلين في هذه القبيلة الذين تمكنوا من الجسد العربي بعد أن وثقت شعوب المنطقة في أن حكامها يستحيل أن يبيعوا عروبتهم وإسلامهم.