أثار إعلان محافظ بنك
المغرب المركزي، عبد اللطيف الجواهري، اتجاه بلاده إلى البدء في تحرير سعر صرف العملة الوطنية "الدرهم" خلال الربع الثاني من العام الجاري، ضمن برنامج اقتصادي، ردود أفعال متباينة في الأوساط الاقتصادية المغربية.
ففي الوقت الذي قلل فيه بعض المحللين خلال حديثهم لـ
"عربي21" من الآثار السلبية المتوقعة لقرار تحرير سعر صرف الدرهم، مستندين في ذلك إلى أنه تعويم جزئي وليس تعويما مطلقا، حذر محللون آخرون من رسائل الطمأنة التي تروجها الحكومة المغربية، بخصوص تداعيات تعويم العملة الوطنية، مستنكرين لجوئها لهذا القرار رغم عدم الحاجة إليه في الوقت الحالي - بحسب قولهم-.
وقال محافظ بنك المغرب المركزي، خلال مؤتمر لوزراء المالية العرب في الرباط أمس، إننا "سنبدأ المرحلة الأولى من تحرير الدرهم في الربع الثاني، لا أستطيع أن أقول كم ستستغرق كل مرحلة، يتوقف الأمر على السوق"، مضيفا: "ربما يستغرق الوصول إلى عملية التعويم المطلق نحو 15 عاما".
ويربط المغرب في الوقت الحالي سعر صرف الدرهم بسلة تتكون من 60% يورو و40% دولار، وهو ما يعتبره بعض خبراء الاقتصاد كافيا لامتصاص أي صدمات محتملة لقرار التعويم، فضلا عن أن تطبيق القرار سيكون مرحليا وتحت رقابة كاملة من الجهاز المصرفي.
ورحب وزير المالية المغربي، محمد بوسعيد، بقرار البنك المركزي ببدء تنفيذ قرار
تعويم الدرهم خلال الربع الثاني من العام الجاري، قائلا إنه " وقت مناسب، وتأخير إصلاحات العملة قد يزيد التضخم، ويتسبب في صعوبات على غرار ما شهدته
مصر بعدما حررت سعر صرف الجنيه العام الماضي".
اقرأ أيضا: مخاوف من تعويم الدرهم المغربي.. و"المركزي": لا داعي للقلق
ومن ناحيته، انتقد المحلل الاقتصادي المغربي، عمر الكتاني، والخبير الدولي في المالية الإسلامية، لجوء الحكومة المغربية في الوقت الحالي إلى قرار تعويم الدرهم، قائلا: "إن الوضع الاقتصادي للمغرب لا بأس به، أينعم ليس بجيد، لكنه أيضا ليس بحاجة إلى تعويم العملة الوطنية".
وأضاف الكتاني في تصريحات خاصة لـ
"عربي21": "هناك محاولة لتجاوز سلبيات التعويم المطلق، عن طريق اتخاذ قرار التعويم التدريجي، ولكن ما هو المبرر لتعويم العملة في المغرب؟"، لافتا إلى أن تعويم العملة يكون مرتبطا بأزمة مالية خانقة ووضع سيء لقيمة العملة المحلية، يجبر الدولة على اللجوء للاقتراض الخارجي والخضوع لشروط الدائن القاسية والتي تتمثل بشكل أساسي في "تعويم العملة".
وتابع: "النتيجة الحتمية لتعويم العملة هي انخفاض قيمتها أمام العملات الأجنبية الرئيسية، والمغرب ليس في وضعية اقتصادية تجبره على قرار التعويم"، مشيرا إلى أن مصر دفعت ثمن قرض 12 مليار دولار من
صندوق النقد الدولي، بكلفة اجتماعية واقتصادية عالية جدا وقاسية جدا ومجحفة جدا – على حد وصفه-.
وأكد الكتاني، أن السياسات المالية الخاطئة يدفع المجتمع ثمنها بشكل مضاعف، علاوة على تحكم المؤسسات الدولية الدائنة في مستقبل الدول التي تنزلق إلى تلك السياسات.
واستطرد: "سمعة صندوق النقد الدولي سيئة، ولم يساهم منذ نشأته في تنمية أي دولة قدم لها قروضا، باستثناء بعض الدول الآسيوية، ولأسباب سياسية بتوجه أمريكي، وليست اقتصادية، تمثلت في الخوف من عودة الشيوعية إلى تلك الدول، وبالتالي خفف صندوق النقد من شروطه المجحفة على تلك الدول، كما كان الحال مع ماليزيا وسنغافورة، والوضع السياسي في المغرب مختلف تماما عن الوضع السياسي في هذه الدول".
واعتبر الكتاني أن السبب الحقيقي المحتمل وراء قرار تعويم الدرهم، ربما يكون مرتبطا بتبني المغرب تنفيذ سياسات استثمارية ضخمة في أفريقيا، ستجبر الحكومة المغربية على سحب كمية كبيرة من السيولة النقدية لضخها في الاقتصاديات الإفريقية، قد يترتب على هذا السحب انخفاض الاحتياطي النقدي للبلاد واضطرار الحكومة إلى اللجوء للاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي.
وأردف الكتاني: "وتحسبا لولوج الحكومة إلى صندوق النقد الدولي، تقوم الحكومة بخطوة استباقية، بتحرير سعر العملة المحلية، حتى لا تضع نفسها في موقف المنفذ لإملاءات الصندوق القاسية"، موضحا أن هذه سياسة خاطئة من الناحية الاقتصادية لأن قيمة الدرهم ستنخفض تدريجيا في السوق، وسيترتب عليها انخفاض القيمة الشرائية للمواطنين.
وبسؤاله عن مدى قدرة العوائد المحتملة للاستثمارات المغربية بأفريقيا في دعم الاحتياطي النقدي للمغرب، وبالتالي قد لا تضطر الحكومة إلى احتمال الاتجاه نحو الاقتراض الخارجي، قال الكتاني خلال حديثه لـ
"عربي21"، إن مردود الاستثمارات المغربية في إفريقيا لن يكون بنفس سرعة ضخ الأموال في المشاريع الاقتصادية المختلفة، موضحا أن المغرب وقع أكثر من 1000 اتفاقية مع أفريقيا وسيؤدي تنفيذ تلك الاتفاقيات إلى فراغ مالي سيجبر الحكومة على تعويضها بالاقتراض من الخارج.
وأضاف: "إلى جانب ذلك فإن استثمارات المغرب في أفريقيا هدفه الأول سياسي وليس اقتصاديا، وهو ما يعني أن المردود المتوقع لهذه الاستثمارات لن يكون بنفس وتيرة ضخ السيولة النقدية".
اقرأ أيضا: هل تنقذ المشاريع الإفريقية اقتصاد المغرب من خسائر صعبة؟
وحول تصريحات محافظ بنك المغرب المركزي، بشأن أن عملية الوصول إلى التعويم المطلق قد يستغرق 15 عاما، قال الكتاني، إن هذه التصريحات تأتي فقط في إطار الأسلوب التطميني، التي تستهدف امتصاص الغضب والخوف من الآثار السلبية المتوقعة لقرار تعويم الدرهم.
واستطرد: "هناك من يبني طمأنته أيضا على أن تخفيض قيمة العملة المحلية يدعم الصادرات، وهذا اقتصاديا صحيح من الناحية النظرية، لكن على الجانب العملي فإن التأثير السلبي على الواردات سيكون أضعاف التأثير الإيجابي على الصادرات، وبالتالي ليس في مصلحتنا ألا يكون هناك انخفاض في قيمة سعر صرف الدرهم".
وفي المقابل، قال المحلل الاقتصادي المغربي، محمد الشرقي، إن المغرب لن تكون مثل مصر، موضحا أن مصر لم تكن مهيئة لا اقتصاديا ولا اجتماعيا لقرار تعويم عملتها الوطنية، ونفذت القرار بإملاءات من صندوق النقد الدولي وبشكل ارتجالي فاقم من الأزمات الاقتصادية في البلاد.
وأضاف الشرقي، في تصريحات خاصة لـ
"عربي21" أن "الظروف الاقتصادية في المغرب مواتية لامتصاص أي آثار سلبية لتحرير سعر صرف الدرهم، سواء من حيث الإصلاحات التي نفذتها الحكومة، أو من وجود عجز تجاري طفيف يتراوح بين (2% و2.5%)، إلى جانب بلوغ الاحتياطي النقدي نحو 26 مليار دولار".
وتابع: "هذا إلى جانب أن تحرير سعر صرف الدرهم سيكون مرحليا، وسيستغرق من 15 إلى 20 عاما، وفي كل مرحلة سيتم اختبار السوق، وسيتدخل البنك المركزي لحماية سعر صرف الدرهم، في الوقت الذي يراه مناسبا".
وأكد الشرقي أن عملية تحرير سعر صرف الدرهم، فضلا عن كونها تدريجية، فستكون أيضا تحت رقابة محكمة ودقيقة للغاية من قبل الجهاز المصرفي في المغرب، مشيرا إلى أن البنوك المغربية متطورة إلى حد كبير، وليس كما هو الحال في مصر، - على حد تعبيره-.
وأوضح الشرقي أن ربط الدرهم بسلة عملات تتكون من 60% يورو و40% دولار، سيحدث توازنا في قيمة الدرهم المغربي، وسيقلل أيضا بشكل كبير من انخفاض قيمته إلى المستويات القياسية التي وصل إليها الجنيه المصري.
واستبعد الشرقي أن يكون قرار البدء في تحرير سعر صرف الدرهم بشكل تدريجي، مرتبطا باتجاه الحكومة للاقتراض الخارجي وخاصة من صندوق النقد الدولي، لافتا إلى أن المديونية المغربية في الحدود الآمنة وتشكل نحو 64% من الناتج الإجمالي المحلي.