لاقت تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي
المصرية، غادة والي، حول التهديد بفرض عقوبات قانونية على المواطنين الذين ينجبون العديد من الأطفال، رفضا من جانب خبراء إلى جانب قيادات أزهرية.
وقالت والي، خلال مشاركتها في احتفال منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف"، بمرور 70 عاما على إنشائها، الاثنين الماضي، إنه من الضروري سن قانون جديد يفرض عقوبات رادعة على زيادة
الإنجاب للسيطرة على الزيادة السكانية الهائلة في البلاد، مشيرة إلى أن مصر بها 9 ملايين طفل تحت خط الفقر، لا يجدون الحد الأدنى من الرعاية الصحية، كما قالت.
ويأتي موقف وزيرة التضامن الاجتماعي؛ استمرارا لتصريحات مماثلة تُحمّل الزيادة السكانية مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث كرر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة انتقاده للمصريين بسبب زيادة أعدادهم، فيما اعتبر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، اللواء أبو بكر الجندي، أن السكان أصبحوا عبئا على الدولة المصرية التي تمر بظروف صعبة، على حد قوله.
رفض مجتمعي
وقوبلت تصريحات والي برفض واسع في مصر، حيث قالت قيادات أزهرية إن هذه الدعوات مخالفة للشريعة الإسلامية، فيما رأى خبراء اقتصادون أن النمو السكاني ليس هو سبب التدهور الاقتصادي الذي تعيشه مصر في الفترة الأخيرة.
وفي انتقاد غير مباشر لهذه الدعوات، قالت رئيسة قطاع تنظيم
الأسرة والسكان بوزارة الصحة، سعاد عبد المجيد، إن الصحة تقدم خدمات تنظيم الأسرة لكل المواطنين دون إجبار؛ عبر توعيتهم، مشددة، في تصريحات صحفية، على أنه لا يجوز، وفقا لنصوص الدستور، إجبارهم على
تحديد النسل.
وأوضحت عبد المجيد أن التوعية والإقناع ساهما في رفع معدل استخدام النساء لوسائل تنظيم الأسرة من 24 في المئة في ثمانينيات القرن الماضي إلى 60 في المئة في السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن هذه الوسائل تقدم مجانا أو بأسعار رمزية، وهو ما يشجع الملايين على استخدامها بمحض إرادتهم، وفق قولها.
حرام شرعا
من جهته، قال أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إبراهيم عبد الشافي، إنه لا يجوز من الناحية الشرعية والفقهية سن أي قوانين أو تشريعات لتحديد النسل، مشيرا إلى أن "التنظيم جائز شرعا، لكن التحديد مرفرض ومحرم، ولا يجوز إجبار أسرة بعينها على عدد محدد من الأفراد؛ لأن إنجاب الذرية يحدث بمشيئة الله".
واعتبر عبد الشافي، في حديث لـ"عربي21"، أن الحكومة إذا أصدرت قرارات بتحديد النسل أو قوانين لمعاقبة المخالفين، "ستكون كمن يتدخل في إرادة الله سبحانه وتعالى، فهذه أمور خاصة بين الزوجين ولا يجوز لأحد غيرهما أن يقرر هذا التنظيم؛ لأنه يتم وفقا لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وغيرها من المعطيات، ولا يصح أن يصدر قانون يحدد النسل، أو حتى يفرض عقوبة على الممتنعين عن الالتزام بهذه الأمور"، كما قال.
كما ردت دار الإفتاء المصرية على تهديدات وزيرة التضامن الاجتماعي بفرض عقوبة قانونية على كثرة الإنجاب، حيث قالت في بيان لها إن الإسلام لم يفرض على المسلم عددا معينا من الأبناء، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المسلمين على النكاح والتكاثر، لمن كان منهم مستطيعا، وفق البيان.
"أنظمة الفاشلة"
وأكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس؛ أن عدد السكان لا يمثل مشكلة على الإطلاق في مصر، لافتا إلى أن "المشكلة الأساسية في إهدار الموارد البشرية الهائلة، وعدم الاستفادة منها بشكل صحيح عبر توظيفها في قطاعات اقتصادية مناسبة، كما فعلت العديد من الدول حول العالم".
وأضاف النحاس لـ"عربي21"؛ أن ما وصفها بـ"الأنظمة الفاشلة" دائما ما تتذرع بالزيادة السكانية لتبرير التدهور الاقتصادي، مشيرا إلى أن "هناك أمثلة كثيرة لدول متقدمة اقتصاديا وسياسيا على الرغم من عدد سكانها الكبير، مثل الصين التي أصبحت أهم قوة اقتصادية في العالم، في حين أن عدد سكانها يتجاوز المليار نسمة، كما أن الدول الغنية والمتطورة يأتي على رأسها دول كثيفة السكان مثل الهند والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وروسيا".
وأوضح أن "الكارثة الأساسية في مصر هي أن عدد السكان الذي يقارب 100 مليون نسمة يعيشون في أقل من 10 في المائة فقط من مساحة البلاد"، لافتا إلى أن "أنظمة الحكم المتعاقبة لو كانت وضعت خطط اطويلة الأجل منذ عشرات السنين لإعادة توزيع السكان بشكل مناسب مع المساحة الجغرافية للدولة؛ لما اشتكينا من التكدس والزيادة السكانية كما يحدث الآن"، كما قال.
وكتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي ممدوح الولي، عبر فيسبوك قائلا، إن رؤية وزيرة التضامن باتباع سياسة الطفل الواحد المطبقة في الصين، تمثل خطأ كارثيا من الناحية الاقتصادية، مشيرا إلى أن "النسبة السكانية الكبيرة صغيرة السن، هي ذات قيمة عالية ويجب إدارتها بشكل جيد".