كتب مراسل صحيفة "فايننشال تايمز" سايمون كير، مقالا عن نهاية شهر العسل مع الأمير
الإصلاحي نائب ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان، وبدء فترة ركود
اقتصادي، لم تشهدها المملكة العربية
السعودية منذ ثلاثة عقود.
ويبدأ الكاتب مقالته بالحديث عن أحمد، الذي كان واحدا من مئات الآلاف الذين أرسلتهم السعودية للتعليم الجامعي في الولايات المتحدة، كون ذلك استثمارا في المستقبل، مشيرا إلى أنه عندما عاد يحمل شهادة في الهندسة الميكانيكية، فإنه لم يجد عملا، وأخذ يعمل سائق سيارة في المطار دون رخصة، ما يعرضه لملاحقة الشرطة وغراماتهم.
وينقل المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أحمد، قوله: "الاقتصاد سيئ، أين هي الوظائف؟"، وأضاف: "زملائي كلهم يلعنون الحكومة".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "مواقف جيل أحمد تكشف عن مخاطر الإصلاح الذي بدأه نائب ولي العهد ابن سلمان، الذي كان حتى شهر واحد يتمتع بشعبية؛ كونه يمثل جيلا من الشباب الحكام، مقارنة مع جيل من الرجال الكبار في العمر، الذين حكموا البلاد منذ وفاة مؤسس الدولة الملك عبد العزيز بن سعود، وقاد الأمير ابن سلمان خطة لتنويع الاقتصاد السعودي، وتقليل اعتماد البلاد على النفط، الذي انهارت أسعاره بدرجة كبيرة خلال السنوات الماضية، وترافق حماسه للإصلاح الواضح مع تصميمه على وقف التأثير الإيراني في المنطقة، حيث شن حربا في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، وقادت بلاده تحالفا عربيا ضدهم".
ويستدرك كير بأن "الاقتصاد السعودي، الذي يعد من أضخم اقتصاديات الشرق الأوسط، غطس في أول مرحلة ركود في القطاع غير النفطي يشهدها منذ ثلاثة عقود، ونظرا لعدم قدرة الحكومة على دفع الفواتير، فإن ثقة قطاع الأعمال بها تأثرت، وأثر تخفيض العلاوات لموظفي القطاع العام في القدرات الاستهلاكية، بالإضافة إلى أن الحملة السعودية في اليمن أدت إلى خسارة أرواح وشجب دولي".
ويورد المقال نقلا عن مدير مالي، قوله: "بالتأكيد لقد انتهى شهر العسل"، وأضاف: "لا يوجد ولا حتى خبر صغير سعيد للحكومة -من الاقتصاد إلى كارثة اليمن".
وتجد الصحيفة أن التذمر المحلي يضيف ضغوطا على الأمير محمد، الذي يشرف على خطة طموحة، وبرنامج يهدف إلى فطم المملكة عن النفط، وتطوير القطاع الخاص، وخلق فرص عمل للسعوديين، مشيرة إلى أنه قدم لتحقيق هذه الأهداف "
رؤية 2030" و"خطة التحول الوطني"، اللتين أعلن عنهما وسط ضجة إعلامية في بداية هذا العام.
ويشير الكاتب إلى أنه في الوقت الذي يرى فيه الكثير من السعوديين أهمية في تحويل المملكة وتطوير اقتصادها، ويتفهمون أثر انخفاض أسعار النفط في الاقتصاد، إلا أن هذا لم يمنع ظهور أصوات معارضة حول معنى ووتيرة التغيير.
ويلفت المقال إلى أن الحكومة خصصت هذا الشهر 27 مليار دولار؛ لدفع الديون المستحقة عليها للقطاع الخاص، مشيرا إلى أن التأخر في دفع المستحقات، جعل من الصعب على شركات التعهدات الكبيرة، مثل مجموعة ابن لادن وشركة أوجيه، بأن تكون قادرة على دفع رواتب موظفيها في الوقت المناسب.
وتقول الصحيفة إن المسؤولين يعترفون، وإن بشكل خاص، بخطأ تأخير دفع المستحقات للشركات الخاصة، التي عانت من آثار حرمانها من عقود جديدة مع الدولة.
وينقل كير عن الاقتصادي في مركز أبحاث الخليج جون سفكيناكيس، قوله: "يحتاج الاقتصاد إلى رزمة تحفيز تؤدي إلى النمو والاستثمار وزيادة الثقة"، وأضاف أنه "من المهم تجنب القطع الحاد" في النفقات.
وينوه المقال إلى أن سياسات التقشف أدت إلى تراجع النمو في القطاع غير النفطي بنسبة 0.07% في الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة بـ3.5% العام الماضي، لافتا إلى أن احتمال تخفيض الدعم الحكومي والتقاعد والضرائب التي ستفرض في عام 2018، يؤثر في توقعات النمو ويزيد مظاهر الغضب.
وبحسب الصحيفة، فإن التقارير التي تحدثت عن شراء الأمير محمد يختا بقيمة 500 مليون دولار، أثرت في مواقف الرأي العام منه، مشيرة إلى قول خبير مالي إن الأثرياء السعوديين يقومون بنقل أموالهم إلى الخارج، وسط حالة تشاؤم من المستقبل.
ويفيد الكاتب بأن المصرفيين يأملون بأن يؤدي النمو في القطاع الخاص، والخصخصة، والمشاركة بين القطاعين العام والخاص، إلى تعزيز الاقتصاد العام المقبل، مستدركا بأن هذه الإجراءات قد تكون مثيرة للجدل في اقتصاد تسيطر عليه الدولة.
ويذهب كير إلى أن الشعور بالخيبة من الإصلاح الاقتصادي يأتي وسط تزايد الغضب الشعبي من شركات الاستشارات الخاصة، مثل "ماكينزي" و"بوسطن" و"بي دبليو سي"، التي استعانت بها الدولة لرسم خطة الإصلاح، وقال مراقب سعودي إن "رؤية 2030 هي نكتة"، وأضاف: "عندما يهاجم الناس (ماكينزي)، فهو هجوم بالوكالة على الرجل الذي جلبها"، في إشارة إلى الأمير ابن سلمان.
ويذكر المقال أن "ماكينزي" ردت على النقد ببيان نادر مكتوب في اللغة العربية، أنكرت فيه أنها هي التي أعدت وثيقة "رؤية 2030"، وحددت 543 مبادرة تشرف عليها 24 وزارة ومؤسسة حكومية، ويبدأ تطبيقها هذا العام، وستكلف الرياض 72 مليار دولار، مستدركا بأن مستشاري الحكومة يتوقعون قطع الميزانية المخصصة للخطة بنسبة 30 إلى 40%.
وتختم "فايننشال تايمز" مقالها بالإشارة إلى أنه طلب من مسؤول تقدم بميزانية لوزارته في آذار/ مارس، بتقديم خطة بديلة، وتخفيض 50% من نفقاتها، ولا يزال ينتظر تخصيص المبلغ النهائي، ما دفعه إلى تأجيل التنفيذ إلى العام المقبل، وقال "لا أعتقد أنني سأبقى، فقد حان الوقت للعمل في القطاع الخاص".