لا يفوت الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان المناسبات الوطنية التي تتعلق بالجمهورية التركية الحديثة دون أن يطلق تصريحات تستهدف تذكير الشعب التركي بالجذور القديمة للبلاد وامتداد الدولة إلى ما قبل عهد الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال (
أتاتورك) وتحديدا الدولة العثمانية وفترة الدولة السلجوقية.
وكان آخر تلك التصريحات ما قاله أردوغان خلال إحياء ذكرى وفاة مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال الملقب بأتاتورك إن "جذورنا أقدم من 90 عاما".
وأضاف أردوغان: "نتصدى للذين يحاولون تحديد تاريخ دولتنا وأمتنا بـ 90 عاما، يجب أن نتخذ كل أنواع التدابير بما فيها إعادة النظر في الكتب المدرسية ابتداء من المدرسة الابتدائية".
ويرى مراقبون أن إصرار أردوغان على طرح مسألة الجذور العثمانية في خطابه، محاولة منه لإصلاح الأخطاء التاريخية التي وقع فيها العلمانيون بتركيا حين ألغوا التواصل بين جيل الجمهورية وتاريخ الأمة التركية القديم الذي يرتبط بفترة الحكم الإسلامي والخلافة العثمانية.
واتخذ أردوغان إبان ترؤسه للحكومة التركية قبل انتخابه رئيسا للبلاد سلسلة من الخطوات الجريئة التي كانت تعد خطوطا حمراء لدى العلمانيين وكان من الصعب على أسلافه في الحكومات التركية القيام بها خوفا من انقلاب الجيش بحجة الدفاع عن إرث أتاتورك والعلمانية.
وكان مجلس الأمن القومي التركي بعد انقلاب عام 1997 قد حرم العديد من الأسر التركية من إرسال أبنائها دون سن 15 لتلقي التعليم الديني في مراكز تعليم القرآن الكريم، وفقا للقيود التي فرضتها العلمانية بمنع التعليم الديني بالمدارس، لكن حكومة أردوغان سمحت عام 2013 بتعليم القرآن للأطفال دون التقيد بأي سن أو مرحلة عمرية معينة في المراكز الخاصة.
مناهج مشوهة
ويرى الخبير في الشأن التركي الدكتور إبراهيم بوعزي أن أردوغان تخلص من كثير من القيود التي كانت تكبله باتجاه إصلاح ما أفسده "المتطرفون العلمانيون" في
تركيا من خلال تشويه التاريخ الماضي للدولة التركية التاريخية وجذورها المرتبطة بالإسلام والدولة العثمانية سواء في قطاع التعليم أو المجالات العامة الأخرى.
وأوضح بوعزي لـ"
عربي21" أن حديث أردوغان عن تعديل الكتب المدرسية "يعود لما تحتويه من تضحيم للجمهورية الحديثة وشخص أتاتورك على حساب الحضارة العثمانية والتي هي أكبر من الشخوص والدولة الحديثة"، على حد قوله.
ولفت إلى أن
المناهج الحالية تحتوي على "أفكار مغلوطة حول التاريخ التركي وتصور تركيا وكأنها نشأت قبل 90 عاما فقط حتى أن بعض الشعراء العلمانيين وصل بهم الحد إلى القول بأشعارهم إن أتاتورك خلق الأمة التركية".
وأشار بوعزي إلى أن هذه الفرصة الآن باتت سانحة لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية لإعادة تعريف العلمانية في البلاد على أنها الحرية والعيش المشترك والعدالة بعيدا عن شخصنتها وحصرها في شخص أتاتورك.
ورأى بأن تركيا اليوم أصبحت "مثالا للتعايش بين المتدينين والعلمانيين بشكل نسبي في ظل إطلاق الحريات بعيدا عن تطرف اليمين واليسار"، لافتا إلى أن فرنسا "نظام علماني منذ سنين طويلة لكنها تخلو من وجود تقديس لشخص بذاته بل إن الاحترام لمبادئ الحرية بعيد عن الأشخاص".
وقال بوعزي إن: "السنوات الـ14 الماضية وعلى الرغم من كل محاولات الشد والجذب من قبل العلمانيين المتطرفين الذين باتوا قلة في تركيا وتحول تركيا لبلد مؤسساتي تحكمه الديمقراطية وتنتشر فيه الحريات العامة جعل الأتراك يدركون الفرق بين شخص أتاتورك وبين المبادئ التي جاء بها".
وأضاف: "بعد محاولة الانقلاب الفاشلة تحولت نقطة الالتقاء المشتركة في تركيا من شخص أتاتورك إلى مبادئ الحرية والعدل والديمقراطية والاحتكام للشعب في أي انتخابات بعيدا عن الشخصنة وتقديس الرموز".
الشعب لا ينسى جذوره
بدوره قال الأكاديمي التركي إسماعيل ياشا إن "محاولات قطع الأتراك عن تاريخهم الماضي لم تنجح رغم كل المحاولات التي جرت".
وأوضح ياشا لـ"
عربي21" أن الشعب التركي في "أوج قوة المتطرفين العلمانيين لم ينس الدولة العثمانية ولا تلك الحضارة التي يعتبرها مصدر فخر لامتدادها مئات السنين وما تحويه من إنجازات وعلوم لولاها لما كانت تركيا اليوم".
وشدد على أن "التركيز الآن منصب على بناء وتطوير الدولة التركية وتطوير التعليم بعيدا عن محاولات حرف المسار نحو مهاجمة شخوص بعينها وتشريح تلك الفترة من عمر تركيا والأخطاء التي حملتها تجاه التاريخ العظيم للدولة العثمانية".
ورأى بأن "تجاهل تلك الحقبة من تاريخ تركيا والمضي نحو المستقبل مع استرجاع الإرث التاريخي الكبير لتركيا هو الأفضل في ظل الأحداث والمخاطر الكبيرة التي تمر بها المنطقة من حولنا".
يشار إلى أن تركيا في العاشر من تشرين الأول/نوفمبر من كل عام تحيي تركيا ذكرى وفاة مؤسس الجمهورية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وتطلق صافرات الإنذار لمدة دقيقتين في الساعة التاسعة وخمس دقائق تذكيرا بموعد الوفاة.