كتاب عربي 21

استراتيجية تفتيت الإخوان في الأردن

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
شكل إغلاق المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2016، بالإضافة إلى إغلاق ست شعب إخوانية أخرى تابعة للجماعة في كل من إربد والرمثا والمفرق ومادبا والكرك، محطة جديدة في مسار تفتيت الجماعة، وهو نهج اتبعته الحكومة عقب الربيع العربي وفق استراتيجية صبورة متدرجة تموضعت بين مقاربتي الاستبعاد والإدماج، فالمقاربة الأردنية لم تتبن النهج المصري السعودي الإماراتي باستئصال الجماعة وتصنيفها كحركة إرهابية، كما لم تتبن النهج المغربي بإدماج الجماعة واستدخالها سياسيا.

لقد تدرجت المقاربة الأردنية في التعامل مع الجماعة عبر سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية، والضغط على تيارات الجماعة؛ لخلق حالة من الفرز والاستقطاب تفضي إلى دفع تيار "الحمائم" إلى مزيد من الاعتدال والتماهي مع سياسات الحكومة، وقد أفضت هذه السياسات إلى ولادة مبادرة "زمزم"، ثم دفعت باتجاه ترخيص جمعية "الإخوان"؛ تمهيدا لنزع الشرعية القانونية عن الجماعة التاريخية، كما عملت على دفع تيار "الحكماء" إلى تقديم مبادرات تتموضع بين الجماعة والحكومة، لكن الجماعة التاريخية لم تكن تتعامل مع الإجراءات الحكومية بجدية وراهنت على الصمود دون تقديم مبادرات تفشل مسار التفتيت، وقد جاءت قراراتها متأخرة دوما لترميم العلاقة بين الجماعة والحكومة، كقرار الجماعة بإنهاء علاقتها بمكتب الإرشاد العالمي.

لا جدال بأن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تعاني أزمة مزدوجة غير مسبوقة ذاتية وموضوعية، على الصعيدين الداخلي المتعلق بإدارة التكيّف الإيديولوجي والتنظيمي، والخارجي المتعلق بتدبير العلاقة مع النظام السياسي شبه السلطوي، ولا شك بأن أزمة الجماعة لا تنفصل عن أزمة الجماعة الأم في مصر وفروعها الممتدة إقليميا وعالميا، فعقب ربيع إخواني قصير حققت فيه الجماعة نتائج انتخابية باهرة مكنتها من الحكم لفترة وجيزة بعد ثورات الربيع العربي الذي انطلق بداية 2011، تم الإطاحة بها بانقلاب عسكري منتصف 2013 بعد فترة عصيبة، وسرعان ما فقدت الجماعة مكتسباتها التاريخية وباتت محاصرة وملاحقة محليا وإقليميا ودوليا. 

ولم تقتصر عمليات الاستبعاد والاستئصال للجماعة على الجوانب السياسية المادية فحسب، بل طالت المجالات الرمزية من خلال آليات نزع الشرعية السياسية عن الجماعة باعتبارها حركة "إرهابية"، حيث تم تصنيف التنظيم العالمي للجماعة إرهابيا بداية من مصر الموطن الأول للجماعة، ثم بعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية، مرورا بتوصيات مجلس العموم البريطاني الذي اعتبر الجماعة تتوافر على نزعة إرهابوية، وليس آخرا مشروع قرار الكونغرس الأمريكي بتصنيف الجماعة على لائحة الإرهاب.

لم تتعرض جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لمصير الحركة الأم في مصر لأسباب عديدة، وفي مقدمتها تواضع مطالب حركة الاحتجاجات الشعبية عموما والإخوان خصوصا، إذ اقتصرت فعاليتها على التماس إصلاحات سياسية اقتصادية دون الاقتراب من مطلب تغيير النظام، فطبيعة النظام الملكي الهاشمي يتمتع بحصانة شرعية شكلت ضمانة عملية بحكم التركيبة الديمغرافية والموقعية الجغرافية، فضلا عن طبيعة العلاقة المتسامحة نسبيا بين المعارضة والحكومة، وقد تعامل النظام مع الحركة الاحتجاجية بمرونة شديدة عبر استراتيجية صبورة متدرجة مزجت بين "الرغبة والخوف" من خلال آليات الإذعان والحرمان، ومع صمود السلطة الحكومية وتراجع الحركة الاحتجاجية كانت جماعة الإخوان المسلمين قد بلغت حالة من الضعف والتراجع والانقسام، وتفتقر إلى المبادرات والمساومات، وأصبحت رهينة أزمتها الذاتية الإيديولوجية والتنظيمية التي تضاعفت مع أزمتها الموضوعية مع السلطة السياسية شبه السلطوية.

لقد أفضت استراتيجية الحكومة الصبورة في التعامل مع الحركة الاحتجاجية إلى شراء الوقت، بانتظار مآلات حراك الاحتجاجات الديمغرافية الداخلية، وتفاعلات الثورات الجغرافية الخارجية، وتقدمت بإصلاحات سياسية اقتصادية تتناسب مع وتيرة الاحتجاجات وفعالياتها وتوجهاتها وانتشارها وتركيبتها وأهدافها، حيث اقتصرت معظم الاحتجاجات على مكون ديمغرافي شرق أردني، واكتفى أغلب المكون الأردني الفلسطيني بالمراقبة، ولم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين بحكم تركيبتها الدينية السياسية العابرة للهويات الفرعية من تجاوز هويتها الأممية وبناء هوية سياسية أردنية وطنية جامعة، الأمر الذي سوف يخلق جدلا داخليا حول هوية الجماعة وأولوياتها وأهدافها. 

ومع حلول عام 2013 كانت الثورات الشعبية السلمية العربية قد أجهضت مع نضوج الثورات المضادة باتباع استراتيجيات وتكتيكات مركبة لإعادة إنتاج السلطوية، من خلال الانقلابات العسكرية في الحالة المصرية، وعسكرة الثورات في الحالة السورية، والمزاوجة بين العسكرة والحروب الأهلية في الحالة الليبية واليمنية، وتمكنت المغرب من العبور من خلال عمليات الإدماج السياسي للاعتدال، وعملت تونس على الدخول في تحول ديمقراطي حذر.

على مدى عقود شكلت جماعة الإخوان المسلمين كحركة شبه سياسية تحديا للأنظمة التي أعقبت الحقبة الاستعمارية الكولينيالية السلطوية وشبه السلطوية في المنطقة، وقد تراوحت العلاقة بين الأنظمة الوطنية العربية بطبيعتها الهجينة السلطوية وشبه السلطوية وجماعة الإخوان المسلمين بطبيعتها المزدوجة الدينية والسياسية بين الاحتضان والتحالف أحيانا، والعداء والاستئصال أحيانا أخرى، ولكنها لم تكن شريكة حقيقية في السلطة على الإطلاق، وعقب حقبة الانتفاضات الثورية العربية، أصبحت العلاقة أكثر حدة وأشد تباينا. 

وفي الوقت الذي أخذ النظام السلطوي المصري وبعض الدول الخليجية كالسعودية والإمارات بنهج الاستئصال، تبنت المغرب نهج الإدماج، أما الأردن فقد تبنى نهجا مغايرا يقوم على شمولية الاستيعاب الجزئي للاعتدال، وانتقائية الحظر والتفتيت الأمني ونزع الشرعية القانوني المتدرج.

في هذا السياق يمكن أن نفهم إشكاليات الدمج والاستيعاب والاستئصال والاستبعاد، وكيف تؤثر تلك الإجراءات والسياسات التي تنتهجها أنظمة سياسية هجينة في إطار المراوحة بين السلطوية وشبه السلطوية على سلوك جماعة الإخوان المسلمين، فالنظام السلطوي في الحالة المصرية الناصرية دفع بعض مكوناتها إلى تبني نهج أكثر راديكالية وتطرفا، فيما أسفرت السياسات شبه السلطوية الساداتية ثم المباركية عن نهج إصلاحي أشد براغماتية واعتدالا. 

ومع ذلك تراوحت الجماعة بين منهجين أحدهما هوياتي إحيائي ديني وآخر اختلافي براغماتي سياسي، نظرا لعدم اكتمال مسارات التحول الديمقراطي للجماعة والنظام، واختلاف تصوراتهما حول الدولة والمجتمع والإسلام والحداثة، وبهذا تبدو استراتيجية الجماعة كحركة شبه سياسية والنظام كدولة شبه سلطوية تدفع إلى مقاربة صراعية، يحاول كل طرف استثمار الظروف الموضوعية لإضعاف الآخر ثم الانقضاض عليه والإطاحة به، الحركة من خلال التعبئة الإيديولوجية والحشد، والنظام من خلال الأجهزة البيروقراطية والقمعية.

تطورت الأزمة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن نتيجة عمليات تحول مزدوجة منذ دخول الأردن مسارات الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي التي طالت العالم العربي عقب نهاية الحرب الباردة، والانتقال إلى حالة من الديمقراطية المقيدة التي تقود إلى تأسيس أحزاب سياسية مرخصة، وعملية انتخابية محسوبة لا تسفر عن تغيير جذري عبر المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية، من خلال إصلاحات محدودة لا تؤثر على جوهر النظام السياسي، إلا أن هذه التحولات بالانتقال إلى حالة من الهجانة بين الديمقراطية والسلطوية كانت حاسمة في إعادة النظر بطبيعة علاقة الجماعة بالنظام، فالتحول إلى نظام شبه سلطوي دفع بالجماعة إلى الدخول بوتيرة متسارعة من حركة إحيائية دينية إلى حركة شبه سياسية، وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة التي تحققت في السياق شبه السلطوي، إلا أن قواعد اللعبة كانت مدركة من قبل الجماعة والنظام حيث يمكن للجماعة أن تخوض الانتخابات دون أن تفوز بها. 

عندما دخل الأردن في خضم الحراكات الاحتجاجية التي تزامنت مع الانتفاضات الثورية التي عمّت بلدان عديدة في العالم العربي بداية 2011، ارتفعت آمال الجماعة ومطالبها بإصلاح النظام السياسي والتحول الديمقراطي باتجاه المشاركة الحقيقية في تدبير الشأن العام وصناعة القرار دون الوصول إلى قرارات بالمطالبة بتغيير النظام، لكن ديناميكية عملية التحول الديمقراطي والمشاركة السياسية التي انطلقت منذ عام 1989 طرحت على الجماعة والنظام تحديات ذاتية وموضوعية تتعلق بمسألة الإدماج من خلال منظور الاعتدال اللازم للاشتمال في النظام السياسي. 

لكن غموض مفهوم الاعتدال وعدم موضوعيته أحيانا خلق حالة من الاستقطاب والفرز داخل النظام والجماعة، فقد توسعت شقة الخلاف داخل النظام في تدبير العلاقة مع جماعة الإخوان بين الاتجاه الإصلاحي والمحافظ، الأمر الذي سوف يتعزز داخل الجماعة ببروز تيارات عديدة من المعتدلين (الحمائم) والمتشددين (الصقور)، وإذا كان مفهوم الصقور والحمائم داخل الجماعة قبل عقد التسعينيات من القرن الماضي يشير إلى التوجهات الإيديولوجية الإصلاحية والراديكالية للمنظومة الفكرية والفقهية الخاصة بالبنية الداخلية للجماعة، فقد أصبح يشير بعدها غالبا إلى طبيعة التعامل مع النظام السياسي وتدبير العلاقة كحركة سياسية معارضة، بين نهجي الإيديولوجية والبراغماتية.

إن الدخول في العمل السياسي في بيئة سياسية شبه سلطوية دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى حالة من القلق والتوتر الداخلي والانقسام والصراع على الجماعة، فسياسات النظام تطالبها بمزيد من المشاركة السياسية وعدم المقاطعة، إلا أنها لا تضمن إجراءات نزيهة في الوصول إلى نتائج ديمقراطية، ولذلك يتعالى الجدل بين المتشددين والمعتدلين حول جدوى العملية السياسية وحدود الاعتدال والتشدد، فبحسب ناثان براون: "إن الحركات الإسلامية ستسعى إلى الحصول على فوائد غير مؤكدة، عبر القيام بتغيرات غير مؤكدة. إنها تقولب منظماتها وتلوي أيديولوجياتها، لكنها حذرة من احتمال تعثر أو فشل الانفتاح السياسي في تحقيق ما ترغب فيه".

تفتيت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن هو النهج الأردني في التعامل مع الإسلام السياسي، وسوف تنتقل الاستراتيجية لتطال الذراع السياسي للجماعة حزب جبهة العمل الإسلامي، لخلق مزيد من الانقسامات على أسس هوياتية تارة وسياسية تارة أخرى.
 
 
التعليقات (1)
Mohamed habib Ben souissi
الأحد، 01-05-2016 09:27 م
القضاء على الإرهاب لا يتم إلا بالقضاء على صانعيه ومموليه والممنهجين له. الآن الإرهاب أصبح مرتبطا ارتباطا عضوي بالإسلام السني وهو طبعا غير صحيح لأن الإسلام السني يحرم الخروج عن ولات الأمور لقوله تعالى :وأدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعضة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. يعني لا تجوز ما سموه افتراء ثورات الربيع العربي ولذا العدو العرقي والطائفي هي إيران ولذا القضاء على الإرهاب لا يتم إلا بالقضاء على النظام الإيراني الصفوي عدو الإسلام والمسلمين. والله لن ينقطع الإرهاب والنظام الفارسي قائم.