نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمحررة الشؤون الأمنية في الصحيفة فيونا هاميلتون، حول
تسريبات وثائق تنظيم الدولة، تكشف عن أسماء بعض الأشخاص الذين ينسبون المجندين للتنظيم، وأحد هذه الأسماء الشاب البريطاني افتكار جمان، الذي كان يعد المدخل لمجندي التنظيم من
بريطانيا.
ويشير التقرير إلى أن افتكار جمان، الذي نشأ في مدينة بورتسموث البريطانية، هو واحد من أشهر مقاتلي التنظيم، وتظهر الوثائق أنه كفل العديد ممن التحقوا بالتنظيم من بريطانيا.
وتذكر هاميلتون أن اسم جمان الحركي وجد على "وثائق مقابلات الدخول" الموجودة بين الوثائق المسربة، التي بلغ عددها حوالي 22 ألف وثيقة، تظهر تفاصيل برنامج التجنيد للتنظيم على مستوى العالم، والمدى الذي يذهب إليه التنظيم للتأكد من أن المتقدمين للقتال في صفوفه ليسوا مدسوسين من المخابرات.
وتلفت الصحيفة إلى أن هناك تقارير صدرت الليلة الماضية تفيد بأن المتطرف المنفي عمر بكري محمد قام بتجنيد مقاتلين في التنظيم من مدينة كاردف، وكان بكري البالغ من العمر 58 عاما فر من بريطانيا، بعد أن وصف من قاموا بعمليات التفجير في لندن في 7 تموز/ يوليو عام 2005 بأنهم "الأربعة الرائعون".
ويكشف التقرير عن أن المجندين أشاروا إلى اسم عمر بكري كونه كفيلا لهم قبل الدخول، بحسب تقرير لصحيفة "ديلي تلغراف"، التي قالت إن الوثائق تحتوي على أسماء بريطانيين لم يعرف من قبل أنهم كانوا يقاتلون في
سوريا، بما في ذلك مراهق اعتقل في أحداث الشغب في لندن، بالإضافة إلى مدرس ومسيحي متحول عن دينه.
وتقول الكاتبة إن السلطات البريطانية كانت تشك في علاقة جمان بتجنيد عشرات الشباب البريطانيين، مشيرة إلى أن استمارة تجنيد مسربة أكدت هذه الشكوك أمس، حيث ظهر اسمه الحركي، وهو أبو عبد الرحمن البريطاني، في بند التزكية لطالب بريطاني من أصول بنغالية، ويعتقد أن كلا من جمان ومجنده البالغ من العمر 18 عاما، الذي عرف باسم "أبو جبريل البريطاني" ميتان.
وتورد الصحيفة أن هذه الاستمارة هي بين آلاف الوثائق، التي يقال إنها تحتوي على أسماء مجندين وأسماء المزكين، كما تحتوي الوثائق على أسماء عائلات المجندين وأماكن إقامتهم، وحتى أرقام هواتفهم، لافتة إلى أنه تم توفير الوثائق أصلا للمخابرات الألمانية، لكن أجهزة مخابرات أخرى مثل "MI5" تقوم الآن بدراسة هذه الوثائق، التي يعتقد أنها تكشف عن أسماء العديد من الجهاديين غير المعروفين سابقا من بريطانيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هذه الوثائق تعود إلى نهاية عام 2013 وبداية عام 2014، ما يعني أنها قد تحتوي على مقاتلين عادوا إلى بريطانيا من سوريا والعراق، ويؤمل أيضا بأن توفر معلومات عن شبكات الإرهابيين الموجودين في البلد.
وتنقل هاميلتون عن مصادر قولها إنه يمكن استخدام هذه الوثائق في المحاكمات مستقبلا، وهي تستخدم الآن في محاكمة متهم بأنه جهادي في ألمانيا، مشيرة إلى أن مكتب الحكومة البريطانية رحب بهذا الخرق؛ كونه إنجازا نوعيا محتملا في الحرب على تنظيم الدولة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المتحدثة باسم رئيس الدولة، قولها: "ما هو مهم الآن هو أن السلطات تستطيع أن تتفحص كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات في الحرب ضد تنظيم الدولة"، وقال الخبراء إن التسريب أظهر أن تنظيم الدولة بدأ يتصدع، وأن هناك انشقاقات على مستوى عال في التنظيم، وهو ما يمكن استخدامه للقضاء عليه.
ويكشف التقرير عن أن مجموعة من الوثائق بينت أن التنظيم قام بإنشاء بيروقراطية كبيرة، وتبين أن على المجندين توفير أسماء الأشخاص والهواتف التي يمكن الاتصال بها في حال وفاتهم، في استمارة لا تختلف كثيرا عن استمارة "القريب" في الدول الغربية.
وتوضح الكاتبة أن الاستمارات تحتوي على فصيلة الدم، ربما لمساعدة الجرحى، كما يطلب من المجند أن يبين مستواه الدراسي، ومعرفته الدينية، والوظائف التي عمل بها سابقا، وتجاربه في السفر، وإن كانت لديه تجربة سابقة في الجهاد، وإن كان يرغب بالانضمام مقاتلا أو انتحاريا.
وتذكر الصحيفة أن عدد الجهاديين البريطانيين المذكورين في الوثائق لا يزال غير واضح، ولم ينشر من تلك الوثائق على الإنترنت سوى النذر اليسير، مشيرة إلى أن موقعا سوريا قام بنشر بعض الوثائق المحررة، وقال إن هناك 16 اسما بريطانيا، لكن "سكاي نيوز"، التي حصلت على الوثائق من مقاتل ساخط، قالت إن هناك العشرات.
ويشير التقرير إلى أن الوثائق احتوت على أسماء ثلاثة جهاديين بريطانيين معروفين جدا، اثنان منهما قتلا عن طريق طائرات دون طيار، هما رياض خان (21 عاما) وجنيد حسين (20 عاما) وهو "هاكر" حاسوب، والثالث هو عبد المجيد عبد الباري (26 عاما)، الذي عرف أنه شبك مع محمد إموازي، الذي عرف بلقب "الجهادي جون".
وتقول المصادر لصحيفة "التايمز" إنه لا شيء يشير إلى أن هذه الوثائق خدعة، وأن الكثير من الوثائق تبدو حقيقية، مستدركة بأن بعض الخبراء أشاروا أمس إلى وجود بعض التناقضات في استمارات التجنيد، حيث احتوت بعضها على شعارات غير مألوفة، كما أن هناك احتمالا بوجود تكرار، ما يجعل التقدير الأصلي (22 ألف وثيقة) متفائلا، وتم التأكد من صحة بعض الوثائق عن طريق فحص الأسماء والعناوين وأرقام الهواتف.
وتلفت هاميلتون إلى أن اسم أبي عبد الرحمن البريطاني ظهر على استمارات الالتحاق، وهو الاسم الحركي لـ "جمان"، وإن كان هناك احتمال بأن آخرين حملوا الاسم الحركي ذاته، إلا أن نشاط جمان بتجنيد شباب من بلد المنشأ في بورتسموث، يشير إلى أنه هو صاحب الاسم، حيث كان واحدا من خمسة شباب أطلقوا على أنفسهم "شباب بومبي"، وسافروا من غاتويك إلى أنطاليا في تركيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وأطلقوا على أنفسهم اسم المشاغبين البنغاليين البريطانيين، وبايعوا تنظيم الدولة، وقاموا بالدعاية له على الإنترنت.
وينوه التقرير إلى أن جمان أنشأ شريان إمداد بالمقاتلين وشبكة دعم في بريطانيا، لافتا إلى أن نشاطه في الدعاية للتنظيم والتجنيد أكسبه سمعة كبيرة، فأصبح جيفارا تنظيم الدولة، وقبل مقتله في كانون الثاني/ ديسمبر 2013، قام جمان بإنشاء علاقات مع بريطانيين في أنحاء بريطانيا كلها، منهم من اختار الذهاب إلى "دولة الخلافة"، ومنهم من بقي ليتم عمله في الدعاية للتنظيم.
وبحسب الصحيفة فإنه من بين هؤلاء أستاذ كيمياء في مانشستر تمت إدانته بمحاولة الانضمام إلى أخيه في سوريا، وشقيقان من ويلز، تم قتل أحدهما في أول غارة جوية تشنها بريطانيا في سوريا، بالإضافة إلى متطرفين من مقاطعة نوتنغهامشير وغلوسترشير وغلاسكو، مشيرة إلى أن شبكة الدعم تلك ارتبطت أيضا بأقصى محمود، التي وصلت إلى سوريا بعد جمان بشهر، كما ذكر اسم رفائيل ماثيو (23 عاما) من مانشستر في الوثائق، بحسب التقارير، ويعتقد أن هناك استمارة تتعلق بأسد عثمان ابن عم جمان.
ويصف كبير الباحثين في معهد "رويال يونايتد سيرفيسز" الأمني شاشانك جوشي، التسريب بأنه "مهم جدا"، ويقول: "إنه كنز ذهب بالنسبة للسلطات الأمنية، وسيجعل من السهل محاكمة من عاد"، وفق التقرير.
وتورد الكاتبة نقلا عن المحاضر في علم الجريمة والاجتماع في جامعة ساسكس سراج لخنة، قوله: "التسريب يظهر أن هناك تصدعات في تنظيم الدولة، وأن هناك انشقاقات في أعلى المستويات، وهذا مشجع لمحاربي التنظيم".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول لخنة: "أخيرا والأهم أن تلك الوثائق تسمح للمؤسسات الاستخباراتية حول العالم بتحديث قواعد بياناتها على المشتبه بأنهم سافروا إلى سوريا للقتال مع تنظيم الدولة، وهذا بدوره يساعد على حماية حدودنا".