صنعاء على وشك أن تفلت من يد المخلوع صالح والحوثيين، كما أفلتت اليمن من يدي
إيران منذ أول تحرك عسكري للتحالف العربي في السادس والعشرين من شهر آذار/ مارس 2015.
القوات الحكومية باتت على بعد عشرين كيلو متر فقط من صنعاء، لكن تأثير وجودها على هذه المسافة يبدو واضحا جدا في مواقف الانقلابيين، التي باتت أقرب إلى التسليم بحقيقة أن لعبتهم شارفت على نهايتها.
يتقدم الجيش الوطني -ومعه المقاومة- ويستعيدان المعسكرات والمناطق، في حين تتضاءل ردَّاتُ الفعل التي كان يتوقعها الجميع من الحوثيين وقوات صالح، ما من معجزة تنتظر المخلوع صالح والحوثيين لكي يغيروا قواعد اللعبة، ويفشلوا مخطط استعادة صنعاء إلى كنف السلطة الشرعية.
التحالف العربي -وعلى رأسه المملكة العربية السعودية- يقاتلون في اليمن بإرادة الحسم الكامل للمعركة، على نحو يؤمن الجبهة الجنوبية، قبل الانتقال إلى المعركة الأكثر تعقيدا وخطورة، وهي معركة إفشال الاحتلال الروسي الإيراني لسوريا.
الحكومة اليمنية قررت أن تستأنف تصدير النفط والغاز، بناء على توصية من البنك المركزي اليمني، وتستأنف أيضا برامج الدعم المقدمة من البنك الدولي والمانحين.
هذا القرار الذي اتخذته اللجنة الاقتصادية برئاسة نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح، يدل على أن الحكومة تتهيأ لدخول مرحلة البناء، وهي مرحلة تلي مباشرة انتهاء المعركة.
بثت قناة مملوكة لصالح قبل يومين تصريحا لسكرتيره الصحفي، أحمد الصوفي، حذر فيه من تداعيات الاختراق الذي حدث في شرق العاصمة باستعادة الحكومة لمعسكر فرضة نهم، وانتقد الحوثيين لأنهم أحيوا الذكرى الـ5 لثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011.
بدا الأمر بالنسبة للعديد من المراقبين بأنه محاولة من صالح لتحميل حلفائه الحوثيين الكلفة الأخلاقية والمعنوية لهزيمة تبدو قريبة جدا لقواتهم ولمليشياتهم، بعد أن كان قد توعد بنصر على ما يسميه "العدوان ومرتزقته".
لم يفقد صالح بعد التأييد من المحيط القبلي لصنعاء، لكن هذا التأييد يتركز حاليا في العسكريين الذين ينتمون لهذا المحيط ويشكلون عماد القوات العسكرية والأمنية التي اعتمد عليها صالح إبان حكمه لليمن، ويعتمد عليها الآن في مغامرته لاستعادة هذا الحكم.
لكن لا دلائل حتى الآن تشير إلى أن أبناء القبائل المحيطة بصنعاء سيشكلون جيشا احتياطيا للدفاع عن صالح والحوثيين، والأرجح أنهم سيذهبون إلى الحياد، وسيكتفون بإسهام من انخرط من أبنائهم في صفوف الحوثيين أو في الجيش والأمن، والمئات منهم عادوا جثثا هامدة من مختلف الجبهات المشتعلة على امتداد الساحة اليمنية طيلة الأشهر العشرة الماضية.
يتشكل في العاصمة صنعاء- وهي الرهان المقبل لطرفي المعركة- مناخٌ رافضٌ لسطوة الحوثيين ولمغامرة صالح، بفعل الممارسات السلطوية السيئة للحوثيين، التي حولت المدينة إلى سجن كبير، وباشرت في ممارسة الابتزاز، عبر دعم سوق سوداء واسعة لتجارة المشتقات النفطية.
وعبر فرض الإتاوات والإقدام على الاعتقالات والتغييب لشخصيات والمساومة على إطلاقها نظير مبالغ طائلة، كما حدث لنجل مصرفي معروف بصنعاء الذي اضطر أن يفاوض الحوثيين على مليوني ريال، حتى أطلقوا نجله من سجن تابع للأمن القومي، قبل أن يعودوا ويعتقلوه مع شقيقه.
الخطر الحقيقي الذي يشعر به
الحوثيون وصالح يتمثل في حالة الرفض الواسعة لهم في مدينة مثل صنعاء، التي ينظر إليها على أنها مجال مهم لنفوذهم التقليدي.
قد يبدو ذلك صحيحا، لكن هذا النفوذ بات مهددا؛ لأنه لم يعد ينطوي على مغريات بالنسبة لسكان صنعاء، المعروفين بحساسيتهم الشديدة تجاه العنف والاحتراب.
فصنعاء هي أكبر "هِجَر" اليمن، وفقا لتقاليد يمنية وقبلية قديمة، والتي كانت تتعامل مع المدن باعتبارها مناطق محايدة عن الصراعات، ومحل لاستقرار المهاجرين من أجل طلب العلم أو الرزق أو لتبادل المنافع.
ليس هناك ملاذات آمنة في صنعاء تضمن مواجهة طويلة الأمد بين مقاتلي صالح والحوثي من جهة وقوات الجيش من جهة أخرى، والأمر ينطبق أيضا على ريف صنعاء غير المهيأ لتدشين حرب عصابات.
أظن أننا أمام نهاية سريعة لمعركة استرداد الدولة التي تخوضها الحكومة عبر الجيش الوطني والمقاومة، وبإسناد من التحالف العربي.