كتب جون سفكيانكيز في مجلة "فورين بوليسي" مفندا ما يقال إن اقتصاد المملكة العربية
السعودية يواجه مخاطر، بل على العكس فهو في حالة صحية أكثر مما كان عليه قبل عقود.
وقال جون سفكيانكيز، الذي يعمل مديرا لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي في المجموعة الاستثمارية أشمور، إن انهيار
أسعار النفط إلى النصف لم يكن بدون أثار مؤلمة على السعودية ولكن من المبكر الحديث عن نهاية المملكة، فالاقتصاد السعودي اليوم محمي أكثر مما كان عليه في فترة الركود أثناء الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ حيث وصل سعر برميل النفط إلى 10 دولارات في عام 1998.
ويقول الكاتب إن النفقات زادت في أثناء فترة الطفرة النفطية التي شهدتها السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين إلا أن السعودية وفرت كمية من المال أثناء تلك الفترة. ووصل الاحتياطي النقدي في عام 2014 إلى 100% بالمقارنة مع الناتج المحلي الاجمالي للمملكة، فيما وصلت النسبة أثناء سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي إلى 35% فقط.
ويقول إن التفاوت في مستويات المعيشة تتراجع، وكما تشير دراسة مسحية؛ فإن مؤشر جيني، وهو المعامل الذي يدرس من خلاله التفاوت في الدخل السنوي للعائلة وصل إلى 45.9 في عام 2013 وهي نسبة أقل من 51.3 في عام 2007.
وبناء عليه فلن تتعرض السعودية لأزمة في الميزانية أو العملة من أي نوع خلال السنوات المقبلة، ويقول إن كشف حساباتها أظهر تطورا مهما، فقد انخفض الدين العام من 119% في نهاية التسعينيات من القرن الماضي إلى 1.6% في عام 2014، وهي أدنى نسبة في العالم. وهو أمر تحسدها عليه أي دولة متقدمة بحسب الكاتب.
ويقول الكاتب إن السعودية راكمت في زمن الوفرة ثروة كبيرة يجعلها تجتاز أزمة انخفاض أسعار النفط، ويبلغ احتياطي المملكة من العملات الصعبة 650 مليار دولار ولديها احتياطات أخرى محفوظة في خزائن القطاع العام.
ويرى الكاتب أن الهمسات الأخيرة حول انخفاض أسعار النفط والتي أدت إلى تكهنات لتأثيرها على قيمة الريال السعودي لا أهمية لها، وتدرك السلطات السعودية أن الوقت ليس مناسبا للحديث عن تغيير في قيمة العملة.
ويعتقد الكاتب أن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) مهيأة بدرجة كافية لحماية العملة، ففي سنوات التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين استطاع المضاربون التأثير على العملات وتسببوا بخسائر كبيرة لها.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه صندوق النقد الدولي عن عجز في الميزانية السعودية بقيمة 20% للعام الجاري إلا أن التاريخ يظهر قدرة الدولة على التعامل مع الوضع.
فقد شهدت الميزانية السعودية ما بين 1983 -1991 عجزا بلغ مستوى 52% ووصل في عام 1991 إلى أعلى مستوى عند نسبة 77%، وطلقت السعودية هذه السنوات التي كانت ميزانيتها تعاني من عجز رهيب ولم يعد
الاقتصاد يعاني من دوامة الركود التي شهدتها سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
ويعتقد سفكيانكيز أن القطاع المالي السعودي في وضع جيد لتجاوز البطء في النمو الاقتصادي، كما أن القروض الرديئة (المشكوك بتحصيلها) قليلة ولا تزيد نسبتها عن 1.1% من القروض العامة في نهاية عام 2014.
ويقول إن الاحتياطي لدى البنوك عال، فمقابل كل مليون ريال من القروض الرديئة هناك 1.8 مليون ريال احتياط في البنك.
ولاحظ صندوق النقد الدولي في معظم تقاريره عن البنوك السعودية أنها تتعرض لضغوط سيولة واضحة في حالة سحب ودائع بشكل كبير؛ وهو ما لم يحدث في الفترات السابقة التي شهدت تدهورا في أسعار النفط.
ويرى أن قرار
الملك سلمان لإصلاح مؤسسات الدولة خاصة إلغاء 12 لجنة وزارية وتشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من أجل تولي جزء من المسؤوليات كان وراء تفعيل وحيوية اتخاذ القرارات.
ويطلب الآن من الوزارات أن يكون لديها مكتب إدارة المشاريع من أجل متابعة المشاريع والتأكد من فعاليتها، وتمت مناقشة خفض الميزانيات منذ بداية أشهر الصيف.
ويقول إن حجم ومدة انخفاض أسعار النفط مهمة في تحديد أثرها الاقتصادي، وسواء كانت تحولا طويلا أم مؤقتا إلا أن النفقات الحكومية لن تزداد بشكل كبير، وعلى المدى المتوسط فستخفض الدولة من نفقاتها، وسيتم الانتهاء من مشاريع بنية تحتية ضخمة في القريب العاجل فيما سيتواصل الإنفاق على مترو الرياض وجدة لمدة طويلة وسيتم تأجيل مشاريع أخرى مثل بناء ملاعب رياضية.
وتعي الحكومة بشكل جيد أهمية خصخصة المطارات والموانئ وهي تتحرك في هذا الاتجاه، وقد بدأت عملية خصخصة المؤسسات المملوكة من الدولة ببيع جزء من حصة الدولة في البنك التجاري الوطني.
وتركز الحكومة على بناء سلسلة من المشاريع الصناعية حول النفط والتعدين ومشاريع مشتركة في المصافي والتعدين والبتروكيماويات وصناعة السيارات والأدوية والقطاع المصرفي.
يذكر أن السوق المالي السعودي الذي يملك أكبر سيولة في المنطقة فتح أبوابه هذا العام للمستثمرين الأجانب والذين كان حضورهم في الماضي محدودا.
ويقول الكاتب إن السعودية لا تزال تعتمد بشكل كبير على تصدير الطاقة، في مداخيلها على نسبة 87% من النفط كما تشير أرقام عام 2014.
وصحيح أن تنويع مصادر الثروة الوطنية من السهل الحديث عنه أكثر من تطبيقه إلا أنه يقتضي تعليما ورأسمال بشري كشروط لتحقيقه: وزادت معدلات التوظيف بنسبة 3.2% عام 2104 فيما زادت نسبة توظيف غير السعوديين بنسبة 2.2% أما توظيف السعوديين فقد وصلت إلى 4.4%، وهذا تطور إيجابي في اقتصاد ظل قطاعه الخاص يعتمد لعقود على الأجانب.
ويعتبر إصلاح سوق العمل مع الاستثمار في البيوت المتوفرة بأسعار معقولة عاملا في دخول الشباب والسكان من ذوي الدخل المحدود للدخول في سوق العقارات. وهما أمران رئيسيان في سياسة الحكومة.
وأعلنت الحكومة عن عدد من المبادرات التي استهدفت الشباب والنساء العاملات وفتحت عددا من القطاعات لتوظيف المرأة.
ويختم بالقول، صحيح أن عصر الوفرة وفائض الميزانية والأنفاق المبالغ قد انتهى زمنه، ولكن السعودية ليست على حافة الانهيار: فاقتصادها بعيد عن أن يتعرض للإفلاس والسعودية مهيأة أكثر من أي وقت مضى لمواجهة تحديات خلق فرص العمل، التعليم والتنويع أكثر من السنوات الماضية، صحيح أن السعودية تواجه تحديات في السنوات المقبلة لكن التقارير عن انهيارها المحتوم مبالغ فيها.