بدأ أحد أبرز المسؤولين النافذين في أكبر تجمُّع للمنظمات اليهودية الأميركية في الولايات المتحدة اللقاء بالسؤال عن
لبنان وأحواله، أجبت: أحواله معقولة مقارنة بأوضاع المنطقة. لكنها عملياً سيئة ويمكن أن تصبح أسوأ.
لذلك فان نصيحة أمريكا ودول أخرى لمسؤوليه وقادته وسياسييه هي عدم التسبّب بجعلها أسوأ. وهذا ما أتمناه. هناك فراغ في رئاسة الجمهورية، وهناك شلل في مجلس النواب. وهناك حكومة "جامعة" تمارس صلاحيات رئيس الدولة استناداً إلى الدستور. وهذه الممارسة جعلت كلاً من أعضائها يظن نفسه رئيساً للبلاد. ثم سأل عن طرابلس عاصمة الشمال وحالها.
فشرحت ما حصل فيها، ثم المعالجات الأمنية – السياسية لأوضاعها المتردّية وقلت إن وضعها الآن جيد إجمالا إذا ما قورن بأيام الجولات العنيفة التي فاق عددها الـ20. لكنه غير محسوم، والجيش موجود فيها والقوى الأمنية.
أنت تعرف أنه في لبنان لا يستطيع هؤلاء الذهاب إلى الآخر في مواجهة أي مشكلة تهدِّد الأمن والسلامة العامة بل السلام الوطني للأسباب الطائفية والمذهبية المعروفة.
تناولنا بعد ذلك بحديثنا البقاع والأخطار التي واجهها قبل أشهر، والتي يواجهها حالياً، والتي سيواجهها بعد ذوبان الثلوج (عرسال وغيرها). وأشرت إلى أن الجيش اللبناني يقوم بعمل جيد سواء داخل عرسال التي كانت محتلّة، بحسب وصف وزير الداخلية نهاد المشنوق، أو في محيطها وجرودها، حيث يتمركز مسلحو التيارات الإسلامية العنيفة وشديدة التطرّف، مثل "النصرة" و"
داعش". وهو يتبع سياسة القضم في بسط سيطرته على جرودها المحاذية للقلمون السوري. لكن، أيضا الوضع ليس محسوماً هنا. فالتسلّل لا يزال يحصل إلى عرسال ومحيطها على رغم وجود الجيش والقوى الأمنية.
ويثير ذلك تساؤلات كثيرة، ويثير مخاوف، وخصوصاً إذا قرّر "داعش" و"النصرة" أو احدهما الهجوم على الجيش و"حزب الله". أو اذا قرر الأخير الهجوم عليهما بالتنسيق مع الجيش السوري، وبالاعتماد على الجيش اللبناني داخل أراضي لبنان.
سأل: "هل لدى المسلحين الإسلاميين الإرهابيين الأعداد الكافية لشن حروب وهجمات؟". أجبتُ: لا أعرف. فهم ليسوا جيوشاً نظامية، بل فصائل وتنظيمات ومليشيات وعددهم بالآلاف. لكنهم دائمو الاقتتال في ما بينهم والتصارع على السلطة والنفوذ، علماً أنهم يتوحدون أحياناً في المعارك التي يعتبرونها مهمّة بل مصيرية.
وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن أي هجوم سوري نظامي على هؤلاء في القلمون ستكون انعكاساته على لبنان سلبية. ذلك أن فشله سيكرّس سيطرتهم على مواقعهم وسيغريهم بالتوجه نحو لبنان (البقاع). في حين أن نجاحه يتسبَّب بقتل قسم منهم وبتدفُّق الآخرين إلى لبنان.
وأشرت هنا إلى خطر آخر قد يتسبّب به محاولة المسلحين إياهم العبور إلى شبعا من جنوب لبنان في القنيطرة السورية التي تسيطر عليها إسرائيل بالنار، ما يعني أن حصول المحاولة يحظى بعدم ممانعتها أو ربما بموافقتها.
سأل: "هل يتورّط "حزب الله" في ذلك؟ لماذا لم تحصل حتى الآن في لبنان حرب سنّية – شيعية؟" أجبت: لأن "حزب الله" يرفض التورط في حرب أهلية داخل بلاده رغم المحاولات الكثيرة لاستدراجه إليها، والتي قامت بها التنظيمات الإسلامية السنّية المتطرّفة، وكذلك نظام الرئيس السوري بشار الأسد. فهو لا يريد القتال على جبهتين على رغم قوته العسكرية المهمة. وهو يعرف أن السقوط في مستنقع حرب كهذه سينهيه على المدى البعيد على رغم إمكان تحقيقه بعض الانتصارات فيها في البداية.
ولم تحصل
الحرب المذهبية أيضاً لأن المسلمين السنّة في فريق14 آذار المعادي للحزب وسوريا معتدلون مقارنة بالمنتمين إلى تيارات أصولية متطرّفة من أهل السنّة اللبنانيين، ولا يريدون الحرب عن اقتناع أولاً، وبسبب عدم امتلاكهم آلة عسكرية ثانياً. لكن اذا فُرضت الحرب عليهم، فان مواجهتها ستكون في البداية مماثلة لمواجهة السوريين للأسد ونظامه، أي عمليات انتحارية وتفجيرات. ولكن مع الوقت سيتحوّل هؤلاء إلى مييشيا، وسيصبح لبنان في وضع مشابه للوضع الحالي في اليمن.
بعد هذا الحديث كرّرت له رأيي في أن عبور المسلحين إلى جنوب لبنان في القنيطرة يحتاج "إيجابية" إسرائيلية. ثم سألته: هل تعتقد أن لإسرائيل مصلحة في ذلك؟ وهل لها تحديداً مصلحة في مرابطة "النصرة" وأمثالها على حدود لبنان معها، أو في مرابطة "حزب الله" باعتبار أن غياب أي منهما عنها لمصلحة دولة لبنان فقط أمر غير وارد حالياً؟ بماذا أجاب؟
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)