تناول لقاء قائد
عملية الكرامة خليفة
حفتر مع
السكاي نيوز نقاطا عدة، لكن ما يستدعي الاهتمام من بينها هو حديثه عن انتصارات كبيرة تحققت وقوله بأنه قد تم تدمير نحو 75% من قوة "العدو".
وأول ما يحتاج إلى تنبيه هو غياب المصداقية في تصريحات حفتر وقادة عملية الكرامة في ما يتعلق بمسار العمليات العسكرية في
بنغازي والمواعيد التي ضربها للحسم العسكري وإعلان تحرير المدينة، وهو الأمر الذي أثار سخط مؤيدي الكرامة من ساسة ونشطاء وغيرهم، حتى إن ثلة من أعضاء البرلمان عن منطقة بنغازي حملوا حفتر وعبدالله الثني المسؤولية عن الفشل في حسم المعارك في بنغازي وما ترتب عليها من دمار كبير لم يتطرق إليه حفتر في مقابلته.
تصريحات حفتر ربما تكون ذات بعد سياسي أكثر من كونها توصيفا دقيقا لواقع المعارك ونتائجها. فأن تتعالى الأصوات المعبرة عن قلقها من مسار الحرب ونتائجها الكبيرة دون أن يظهر مؤشر قوي على أن التضحيات الكبيرة والخسائر الهائلة في الأرواح والممتلكات بالاضافة إلى الدمار الاجتماعي بأبعاده المختلفة والذي سيجعل من مسألة إعادة الحياة في بنغازي إلى طبيعتها أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا على الأقل إلى عقد أو عقدين من الزمان تؤتي ثمار. ومع ازدياد القلق الذي يساور أنصار الكرامة وهم الأغلبية في بنغازي واحتمال أن يتحول القلق إلى شك يفسح المجال لارتفاع أصوات من سيطالبون بتغيير المسار والبحث عن بديل آخر للتعامل مع التحديات التي تواجهها بنغازي، فإن حفتر يحتاج إلى تهدئة أنصاره ودفع القلق والشك بعيدا عن دوائر التأثير في الرأي العام وهو ما يفسر تأكيده على التقدم وتدمير معظم قوات مجلس شورى ثوار بنغازي.
تتبع سريع لجبهات القتال اليوم وبحث بسيط في الشبكة العنكبوتية وفي مصادر كلا الطرفين يؤكد أن قوات مجلس شورى ثوار بنغازي تقلصت ولكن ليس بشكل يؤذن بقرب هزيمتها، بل إن انتشارهم لم يتغير منذ 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 وذلك بعد تراجعهم عن مواقعهم المتقدمة في بنينا وسي منصور وبوهادي، وأنهم لم يخسروا أي تمركز حيوي، وأن حجم الخسائر في الأرواح بين مقاتلي عملية الكرامة مرتفع حيث قدرها صقر الجروشي بنحو 2800 مقاتل، وهو عدد مأهول بالنظر إلى محدودية قوة مجلس الثوار ومحدودية عدد مقاتليهم. فأن يفنى هذا العدد الكبير من المقاتلين ويصحب موتهم خراب كبير ونزوح واسع في مقابل انتصار عسكري محدود فهو مؤشر على أن العلمية تواجه تحديا كبيرا سيعظم من آثاره الثغرات في عملية الكرامة التي باتت لا تخفى على أحد وتشكل قلقا للبرلمان وللحكومة المؤقتة ولكثير من مؤيدي عملية الكرامة.
من ناحية أخرى، لا يمكن القول بإمكان تحقيق انتصار كاسح يشل قوة مجلس شورى الثوار، فمسار المعارك ونتائجها لا يوحي بهذا كما أسلفنا، وفي حال النجاح في السيطرة على الأحياء داخل المدينة والتي تشهد اشتباكات عنيفة منذ أشهر وهي "بوهديمة" و"الليتي" و"فينسيا" و"بلعون" و"الصابري" و"سوق الحوت"، فإنه سيكون من الصعب القضاء على قوة المجلس في أطرافها خاصة "سي فرج" و"القوارشة" و"بوفاخرة"، مما يعني قدرة قوات المجلس على قصف المدينة في العمق، فالأسلحة الثقيلة متوفرة والمسافة مثلا بين القوارشة معقل أنصار الشريعة وسوق الحوت لا تتعدى 15 كم وهي مسافة تدخل ضمن مدى مدفع "الهاوز" وراجمات الصواريخ والدبابات.
الأخطر من ذلك هو سيناريو المفخخات، وهو خيار يتقنه تنظيم الدولة "داعش" والذي أصبح حضوره ملحوظا في المدينة بعد عملية الكرامة، فهؤلاء يمكن أن يلجأوا لـ"الدقمات" في حال هزيمتهم في المعارك المباشرة مما يعني إدخال المدينة في رعب جديد قد يوازي الرعب الذي تشهده الآن والذي يذكر بمفخخات العراق.
إذن، ففكرة الحسم العسكري وإمكان فرض الاستقرار من خلاله أمر في تصوري متعذر وكلفته خطيرة ولا مناص من وقفة صادقة لتقييم الحرب بموضوعية والبحث عن مخرج يوقف شلال الدم والخراب الذي يزحف كل يوم لينال من مباني المدينة وينال من لحمتها ومن الوضع النفسي والاجتماعي لسكانها.