صرخة استغاثة يطلقها المواطن الأردني سامر عبر أثير إحدى الإذاعات المحلية في العاصمة عمان تظهر مدى تردي الوضع الاقتصادي لبعض الأردنيين، بعد أن أُجبر المواطن على بيع مدفأته الوحيدة لتوفير حليب لطفله الرضيع.
استغاثة سامر تتزامن مع اكتساء شوارع العاصمة عمان بلافتات و جداريات تحمل
شعار (ارفع رأسك أنت أردني) الذي أطلقه
الملك عبد الله الثاني في خطاب متلفز مفاجئ قبل أيام، ليتساءل المواطن سامر: "يريدون أن أرفع رأسي وأنا لا أملك حليب أطفالي".
شعار يُطلق في وقت تعاني فيه المملكة من ظروف اقتصادية صعبة، وأرقام تؤشر على ارتفاع معدلات الفقر والبطالة واتساع رقعة الأسر التي تقع تحت خط الفقر والفقر المدقع.
تشير نتائج تقرير الفقر في الأردن الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة إلى ارتفاع قيمة خط الفقر المطلق (الغذاء وغير الغذاء) لتبلغ 1150 دولارا للفرد سنويا، وبلغ خط الفقر المدقع (الغذاء) 500 دولار للفرد سنويا.
إلا أن الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت يشكك بمصداقية الأرقام الحكومية الأردنية فيما يتعلق بنسب الفقر والبطالة، مستغربا في الوقت نفسه مما أسماه محاولة استغلال الشعارات التي يطلقها مسؤولون كبديل عن معالجة القضايا التي يعاني منها المجتمع الأردني على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي واختزالها بشعارات بالشوارع، معتبرا ذلك نوعا من "التضليل".
يقول الكتوت لـ "عربي21": "نسبة البطالة في الأردن حسب وقائع ومعطيات خبراء الاقتصاد تصل إلى 20% في الوقت الذي تشير فيه الحكومة إلى إن النسبة تبلغ 13% بينما يبلغ عدد الأسر التي تقع تحت خط الفقر في الأردن ما نسبته 44%، هذه القضايا بالإضافة للحريات التي تنتهك كل يوم وتزوير إرداة الشعب باختيار نوابهم مسائل نغيبها ونتحدث عن جملة واحدة ونطلق شعارات".
وتحول خطاب العاهل الأردني إلى "هاشتاج" على مواقع التواصل الاجتماعي (#ارفع_رأسك) وتضمن نقاشات بين مواطنين وسياسيين ونواب، انتهت بشن حملة على كل من غرد خارج السرب، ولم يتسع صدر المؤيدين للشعار لما كتبه النائب الأردني طارق خوري حول ضرورة اتخاذ جملة من الإجراءات حتى يتمكن المواطن الأردني من رفع رأسه ومن أبرزها: أرفع رأسك عندما يتم طرد السفير الإسرائيلي، أرفع رأسك عندما تلغى معاهدة وادي عربة.....".
يقول خوري تعليقا على الهجوم الذي تعرض له على خلفية التعليق على خطاب الملك "أنا كلامي واضح على الفيسبوك، كل يفهمه على طريقته، كما فهموه بشكل خاطئ من خرجوا اليوم في الاعتصام وحوروه عن مساره" .
وكانت مجموعة من الأشخاص اعتصمت أمام مجلس النواب الأردني الثلاثاء للمطالبة برفع الحصانة عن النائب خوري ومحاكمته لما اعتبروه "إساءة للأردن".
"اختلاف التفسير لما ورد في خطاب الملك هذا طبيعي ومطلوب" حسب مدير مركز هوية للدراسات محمد الحسيني، الذي قال لـ"عربي21": "من غير المعقول أن نفكر جميعا بنفس العقلية، ومن الطبيعي أن يكون هذا الاختلاف، فنحن لسنا دولة شمولية، والخطير أن هنالك أطرافا اعتبرت نفسها وصية على خطاب الملك كما فهمت؛ وبالتالي تخوّن كل ما يختلف مع تفسيرها وليس مع كل ما قاله الملك! وتضع المختلف بعداء مع الملك والخطاب، وهذا كان واضحا بالتفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي والصالونات السياسية".
وشمل الهجوم السفير الأردني المستقيل منذر الخصاونة، الذي استقال من وزارة الخارجية عقب التحقيق معه من قبل الوزارة على خلفية بوست على الفيس بوك اقتبس فيه شعار "ارفع رأسك" منتقدا وزير الخارجية الأردني ناصر جودة وقال السفير "ارفع رأسك عندما يكون هنالك تساوٍ بالفرص وعدالة وعدم وجود ظلم" في إشارة لما يعانيه من تمييز في الوزارة حسب تعبيره.
الكاتب في صحيفة الدستور عمر كلاب يرى في حديث لـ "عربي21" أن "الشعار جاء ملائما للحالة الأردنية لتعزيز المعنويات بعد استشهاد معاذ الطيار الكساسبة، وهو مهم و ضروري" إلا أنه يتساءل: "كيف سنحدد الروافع الوطنية لعكس الشعار على أرض الواقع؟ فالشعار وحده لا يكفي وسيبقى معلقا بالفضاء ما لم يدعم بروافع داخلية مثل البدء ببرنامج
إصلاح شامل يشمل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
ويثير كلاب مجموعة من التساؤلات، ويعتقد أن الإجابة عليها وحلها تخلق أرضية وطنية في الأردن لتطبيق الشعار الملكي وهذه الأسئلة: "هل ستكون السلطة التنفيذية حاملة مشروع وطني نهضوي؟ وليس مشروعا فرديا؟ وهل سيتغير البرلمان في آلية معالجته للقوانين وتنفيذ الرقابة والمحاسبة على السلطة التنفيذية والتعبير فعلا عن مزاج الشارع الأردني؟ وهل ستبقى مؤسسة القضاء مترهلة أم ستنتقل لحالة من الاستقلالية؟ وهل ستبقى سطوة الأمني على السياسي؟.
حديث كلاب يأتي في ظل جمود حركة الإصلاح في الأردن وتغول الذراع الأمنية في المملكة بعد حملة اعتقالات شنتها السلطات في صفوف الناشطين السياسيين والحزبيين والنقابيين مؤخرا، بالإضافة لفرض قيود على حرية التعبير شملت اعتقال صحفيين.
وقادت الحكومة الأردنية تحت وقع الربيع العربي إصلاحات عام 2013 وصفت من قبل المعارضة بأنها مجرد "حبر على ورق" ولم تشمل قوانين مهمة كقانون الانتخابات وآلية تشكيل الحكومات ومراجعة النهج الاقتصادي.
المحلل السياسي لبيب قمحاوي قال لـ"عربي21" إن شعارات من هذا النوع لن تجدي نفعا إذ إن الناس تعلم بوضعها المأزوم على الصعيد الأمني في المنطقة والوضع الاقتصادي السيئ". ويتفق القمحاوي مع الكاتب عمر كلاب على أن تطبيق الشعار "يجب أن يرافقه إجراءات، خصوصا أن الشعار طرح سابقا من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر".
ويعتقد القمحاوي أن شعار "ارفع رأسك أنت أردني" يهدف لخلق وهم عام بأن هنالك وطنية تفوق كل المشاكل التي تعصف بالمملكة، ويرى أن النظام الأردني "يستشعر صعوبة الأزمات القادمة لذا يلجأ للمناشدة العاطفية لرفع الرأس و تجميع الولاء للبلد واستثارة الحمية الوطنية للمرور من مأزق معنية".
المملكة التي تعاني من أزمات أهمها الأزمة الاقتصادية تواجه أيضا تحديات أمنية تتمثل بدخولها بحلف لمحاربة الإرهاب، وتحديات سياسية بعد سيطرة المحافظين على مفاصل الحكم في مؤسسات صنع القرار، كل هذا في وقت تشير فيه أرقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة حكومية)، إلى أن 80% من الأردنيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر (96 دولارا شهريا للفرد)، وتظهر الأرقام نفسها أن الثروة في المملكة الأردنية تتكدس لدى طبقة من الأغنياء لا تتجاوز نسبتهم 9 في المئة من المواطنين، بينما يقول وزير المالية السابق محمد، أبو حمور إن نسبة المواطنين الذين دون خط الفقر المدقع (40 دولارا شهريا للفرد) وصلت إلى ما يقرب من 39% من عدد السكان.
وكان الملك عبد الله الثاني دعا في خطابه الأردنيين إلى رفع رؤوسهم مكررا ذلك أكثر من مرة قائلا "ارفع رأسك بكل أردنية وأردني مثابر مؤمن بعمله، أميـنٍ على وطنه، ارفع رأسك بعمّان، عاصمتك التي ضمت أبناء البلد الواحد، وجمعت أحرار العرب، فصارت موئلاً ومقصداً لكل العرب، ارفع رأسك، فقد رفعت راية الأردن في كل محافظة ومدينة وقرية وبادية ومخيم، احتضنت الملهوفين والمظلومين، وكانت الـحمى لهم، وشاركتهـم كـل ما لديها حين ضاقت عليهم أوطانهم، وتركوها رغماً عنهم. ارفع رأسك، لأنك رفعت راية الأردن في ميادين العمل الإنساني في أرجاء العالم المنكوبة، ارفع رأسك لأن في قلبك نسرٌ يا أيها الأردني الباسل، تتحمل المسؤولية، وتضحـي وقلبك دائماً على وطنك وأمتك، ارفع رأسك، لأن في كل أسرة أردنية معاذ نفاخر به، ارفع رأسك، لأن العالم كله يقف احتراماً لك فقد بنيت هذا البلد بيديك، وكتبت مجده وتاريـخه ليكون عنواناً ناصعاً لأمتنا، وليكون صرحاً في الإنجاز أمام العالم كله".