وقف "أبو محمد" مع أطفاله أمام مطعم للمأكولات في مدينة
اللاذقية حين طلبوا منه شراء طعام، وعندما علم من البائع أن سعر سندويشة "الفلافل" 85 ليرة، وهو سعر مرتفع بالنسبة للدخل السوري، قال أبو محمد لأولاده: "يلا بابا منشتري لحمة بدل الفلافل"، لكي يتجنب الإحراج أمام البائع.
يقول "أبو محمد" في حديث لـ"عربي21": "في الواقع كنت أكذب على أطفالي كي أسكتهم وأتجنب الإحراج أمام البائع، فأنا لن أشتري اللحمة لهم، (فهي) تضاهي في ارتفاع سعرها الفلافل".
تُعد هذه الحادثة إحدى القصص التي تعبر عن
الغلاء الذي طال كل شيء، ما فرض واقعا مريرا على أهالي مدينة اللاذقية، لا سيما المناطق السنية فيها، حيث بدأت
النساء تعمل في مهن كانت مقتصرة على الرجال، مثل البناء.
وبث ناشطون صورا تظهر فيها نساء يحملن معاول وأكياس الأسمنت في حي الرمل الجنوبي المعارض للنظام السوري في اللاذقية، كما يعدّ هذا الحي من أكبر الأحياء المكتظة بالسكان، وبلغ عدد سكانه قبل الثورة أكثر من 250 ألف نسمة.
ولم تصدر أي إحصائية من قبل سلطات النظام السوري بعد انطلاق الثورة حول عدد سكان الحي الذي يضم أيضا مخيما للاجئين الفلسطينيين، إلا أن ناشطين أكدوا أن العدد تضاعف بسبب انخفاض سعر الإيجارات في الحي. غير أن الواقع الاقتصادي الحالي في داخل الحق ينذر بكارثة حقيقية، حسب نشطاء، خصوصا مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، في حين تقل أو حتى تنعدم الموارد وفرص العمل.
وأكدت إحدى الناشطات من المدينة، فضلت عدم ذكر اسمها، في تصريح لـ"عربي21"، أن الوضع مرشح لمزيد من السوء، وأن الواقع الحالي هو بداية مأساة إنسانية، مشيرة إلى أن النساء يبحثن عن عمل يؤمن لهن ولأطفالهن لقمة العيش.
وأشارت إلى أن فرص العمل غير متوفرة في ظل سيطرة مؤيدي النظام على أغلب الوظائف، ما اضطر نساء الحي للقيام بالأعمال الشاقة، فيما بينت أن حالات عمالة النساء في هذه الأعمال لم تتجاوز مئة حالة، لكن غياب المعيل والحاجة الملحة ربما ترفع من هذه الحالات.
وانخفضت قيمة الليرة السورية مؤخرا بشكل كبير، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 230 ليرة سورية، ما تسبب بغلاء الأسعار، الأمر الذي زاد من أعباء المدنيين بسبب وضعهم السيئ وانخفاض قدرتهم الشرائية.
ووصل سعر مادة الأرز إلى 300 ليرة سورية (أي أكثر من دولار)، وارتفع سعر مادة الخبز بنسبة 70 في المئة ليصل إلى 35 ليرة، بالتزامن مع اختفاء حليب الأطفال ومواد أخرى بسبب احتكار التجار لها في الأوضاع الراهنة.
وتشهد مدينة اللاذقية ظاهرة هجرة الشباب إلى الخارج هربا من التجنيد الإجباري في قوات النظام السوري، تاركين وراءهم أسرا وعائلات، ما أجبر النساء للتحول إلى معيل، فيما تنبأ نشطاء داخل المدينة بأنه مع استمرار تدهور الأحوال الاقتصادية، سيترتب مزيد من المظاهر السلبية، منها عمالة الأطفال، وسط عدم اكتراث سلطات النظام للأوضاع الاجتماعية.