بدا الكثير من نواب "اتحاد القوى" وهو الكتلة السنيّة الكبيرة، سعداء لأن رئيس الحكومة حيدر
العبادي فاجأهم بنحو غير مسبوق وجاء للمشاركة في اجتماع كتلتهم، في منزل رئيس
البرلمان سليم
الجبوري. وحسبما نقل فإنه جلس يستمع إلى عتب شديد بعد أيام من تهديد الأحزاب السنيّة بالانسحاب من الحكومة احتجاجاً على مرور أسابيع طويلة على الاتفاق السياسي الذي لم ينفّذ.
وفي اليوم التالي لمشاركته في هذا الاجتماع وضع العبادي على طاولة مجلس الوزراء، المطالب السنية ودفع بموضوعين رئيسيين: مراجعة قانون اجتثاث البعث، والموافقة المبدئية على قانون الحرس الوطني.
النواب السنة قالوا: العبادي وفى بوعده خلال ساعات! والأمر مفاجئ ،لأننا لم نتعود على رئيس وزراء "حنَيّن" كالعبادي، وهو يستحق الإشادة مرات ومرات على اهتمامه باللياقات الأخلاقية، التي يمكنها تخفيف احتقانات عديدة. لكن الأمر أبعد من قرار يحاول العبادي إقناع مجلس الوزراء به، ثم يحاول الجبوري إقناع البرلمان به، ذلك ان هذه القوانين ليست مجرد تشريع، بل ان مناقشة قانون الحرس الوطني والمساءلة والعدالة، هو أول اختبار كبير لمدى اقتناع التحالف الوطني بدخول حقبة جديدة من السياسة، وإيمانه بضرورة إبرام تسوية كبيرة مع المكوّن السني. فقد تحقق تقدم مهم مع أربيل، إلا أن الوضع مع السنة لا يزال يراوح مكانه كما يبدو، ولم يحصل سوى هذا "اللطف البالغ" كسجية وطبيعة عفوية عند العبادي.
والأمر سيكون أيضاً اختباراً لمهارات الساسة الشيعة في التعامل مع الصيغة الجديدة من التأثير الأمريكي، والتأثير الإيراني في آن واحد. ولكل من واشنطن وطهران رأي ولا شك في تشكيل الحرس الوطني، وما سيلحقه من منح المناطق السنية صلاحيات لا مركزية كبيرة وفق التعديل المعترف به للقانون 21، الخاص بمجالس المحافظات وصلاحيات الحكومات المحلية. فكيف سيتعامل أطراف التحالف مع هذا المسار؟ وهل ناقشت أحزاب الشيعة في اجتماعاتها، هذا الملف بما يكفي؟ وقبل أن يخبرونا بذلك، فإن عليهم أن يتذكروا أن إبرام تسوية مع السنة وسط حرب رهيبة تأكلنا معاً، هو أمر يخرج عن قدرة العبادي، ولابد من اقتناع أهم الأطراف الشيعية بذلك كي نضمن تسوية راسخة ووافية.
وقد أشبع العراقيون قصة الاجتثاث شرحاً ونقداً طوال سنوات، لكن مشروع الحرس الوطني أمر جديد علينا، ومن المفيد أن نتذكر كل يوم واحدة من أكبر فوائد هذا التشكيل، إذ إنه في ظروف استثنائية جداً، سيمثل شريكاً "سنياً" للحشد الشعبي والجيش في تحرير المناطق المختلطة. وبدل أن يدخل الحشد الشعبي بمفرده إلى هناك وتلاحقه الاتهامات، سيكون هناك تنظيم عسكري رسمي ينسّق مع بغداد ويتبع لمجلس المحافظة، ويعرف كيف يتعامل مع المكون السني في تلك المناطق لحل الحساسيات الطائفية وخليط الخوف والغضب والشك، الذي يتفاعل فينتج انفجارات عاطفية رهيبة ويتحول إلى جرائم أحياناً، وهي أمور تصب الزيت على نار الانقسام الدموي داخل المجتمعات العراقية المختلطة في وسط البلاد.
لم يعد مفيداً للزعامات أن يصمتوا أو يلتزموا الحذر في صياغة المواقف. إننا بحاجة لقرار يسمح بتطوير السياسة وجعلها مستعدة لمنعطف أساسي يتقبل الصلح القاسي والمؤلم.
ذلك أن كلفة الجدل السياسي غير المتطور، هي الموت المجاني المثير للسخرية. وكلفة التخلف السياسي وميزته العناد "والشك الوبائي" هي أن تكون الشعوب مخيّرة بين القسوة الصارمة لحكم القذافي وصدام، أو فوضى حروب القبائل والطوائف.
البلاد تحتاج إلى شيء أكثر من "سجية الحنان" لدى العبادي، وأكثر من بيانات الإشادة والاستنكار. وننتظر حواراً داخلياً شيعياً يقول لنا: هل هناك قرار بوقف عقلاني لأسباب الثأر المؤدي إلى الموت؟ كي نطلب من السنة أن يصوغوا قرارات أوضح بشأن العيش المشترك. وإلا فإن أمام خليفتنا المبجّل متّسعاً من الوقت للسخرية المؤلمة منّا شيعةً وسنّةً.
(نقلاً عن صحيفة المدى العراقية)