يجد
حزب الله اللبناني اليوم نفسه بموقف لا يحسد عليه، بما يتعلق في موضوع الرد على ضربة
إسرائيلية في القنيطرة السورية أودت بحياة ستة من رجاله، نصفهم من القادة وبينهم جهاد نجل الراحل عماد مغنية، فهو إما أن يبلع القرص المرّ ويسكت، أو أن يرد بطريقة ما، وفي كلتا الحالتين فإن المأزق كبير.
ويرى مراقبون أن الضربة التي تلقاها الحزب جاءت في وقت حرج له، بعد أن سقط في المستنقع السوري، وأصبح عنصرًا هاما في الحرب التي استزفت منه الكثير، على المستوى العسكري، في العتاد والأفراد، وعلى المستوى الشعبي، بخسارته الرصيد الداعم له.
أما على المستوى الداخلي، فهو يخوض مفاوضات صعبة مع تيار المستقبل للاتفاق على رئيس البلاد، بعد شغور المنصب أشهرا عديدة، بالتزامن مع مطالبات محلية بالخروج من سوريا وعدم توريط لبنان في حرب لا تعنيه.
استعداد إسرائيلي
على الجانب الآخر تختلف الأمور، "فإسرائيل خرجت من حرب غزة دون تحقيق أهدافها وتريد تحسين صورتها بعدما اهتزت في القطاع، وهي مستعدة لتقديم الكثير في سبيل ذلك"، هذا ما يقوله الخبير العسكري فايز الدويري.
ويضيف الدويري في حديثه لـ"عربي21"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو مستعد لخوض حرب يستعيد فيها شعبيته استعدادا للانتخابات المقبلة في آذار/ مارس، ليقول للشعب الإسرائيلي: "أنا الوحيد القادر على حمايتكم"، وهو ما ظهر في تصريحه أمس، بقوله إن بلاده "ستفعل كل ما هو ضروري وفي كل مكان دفاعا عن نفسها".
وهو ما كشفه المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" اليوم، عاموس هرئيل، بأن كلاً من نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون قد استغلا الخلاف بين العسكريين حول الضربة، وتبنيا موقف القيادات التي أيدت تنفيذ العملية، ملمحا إلى أن هناك ما يدلل على أن الاعتبارات الانتخابية كانت حاضرة بقوة.
إذن، نحن أمام طرفين أحدهما يستعد لخوض حرب طويلة (هو إسرائيل) واستنفر قواته لذلك، وآخر متورط بقضايا لن يتخلص منها عن قريب (هو حزب الله)، بالإضافة إلى انشغاله بمعرفة الاختراق الأمني الذي أسقط قيادته بالنيران الإسرائيلية، وعليه فستكون هناك عدة سيناريوهات متوقعة.
السيناريوهات المتوقعة
سيناريو عدم الرد مستبعد بحسب مراقبين، فهو سيورط حزب الله مع مؤيديه، خصوصا بعد تصريحات الأمين العام حسن نصر الله قبل أيام بأنهم لن يقفوا "مكتوفي الأيدي أمام الضربات الإسرائيلية للنظام الأسدي"، متوعدا بتحرير مناطق الجليل الأعلى لفلسطين، كما أن الحملة التي تقودها قناة المنار التابعة للحزب بتهييج المؤيدين ورفع صور "جهزوا ملاجئكم"، في إشارة لحرب مع الإسرائيليين، لا تشير لهذا الخيار.
أما خيارات الرد فتتنوع؛ أولها أن يقوم حزب الله بفتح جبهة جنوب لبنان مع إسرائيل على غرار الـ 2006، ويخوض حربا شاملة مع دولة الاحتلال، وهو ما لا يتوقعه الدويري، "فعلى الرغم من وجود صواريخ متطورة لدى حزب الله، إلا أن تورطه بسوريا لن يسمح بخوضها".
كما أن الرد على الرد سيكون قويا، ويقول الخبير العسكري إن الحزب يأخذ تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون قبل أشهر على محمل الجد، وهي أن "حرب 2006 ستكون نزهة بالنسبة للحرب القادمة، والضرر لن يبقى محصورا في الضاحية الجنوبية، بل سيشمل بيروت الكبرى، وسيعيدها للعصر الحجري".
وخاض الجيش الإسرائيلي وحزب الله حربا مدمرة في صيف 2006 أحدثت دمارا هائلا في لبنان وأوقعت 1200 قتيل في الجانب اللبناني، وفشلت إسرائيل، بالإضافة لخسارتها 160 قتيلا وعددا كبيرا من الآليات، في الخطة الرئيسة للحرب، فلم تحرر أسراها من حزب الله ولم ينزع سلاحه ولم يستعد الجيش هيبته أو قدرته الرادعة.
ثاني الخيارات التي يقف أمامها حزب الله، هو الرد في الداخل السوري، وبالتحديد في مناطق الجولان، لكن الدويري يستبعد هذا الخيار لأنه سيضر بنظام الأسد "لأنه سيسرع بفقدانه لنقاط الارتكاز العملياتية جنوب سوريا".
وما يرجحه الخبير العسكري هو الخيار الثالث بتنفيذ عمليات في الخارج، "إذا صح لهم فرصة اقتناص شخصية إسرائيلية، أو أن يطلقوا بعض الصواريخ على مناطق شبه خالية، أو استهداف دورية على الحدود، ولا يتعدى الأمر ذلك".
لكن السؤال: متى؟ يرد عليه عضو كتلة حزب الله في مجلس النواب اللبناني كامل الرفاعي لموقع "النشرة" المقرب من حزب الله، بأن "الحزب لن يستعجل في الرد على الغارة الجوية، وسيأخذ بعين الاعتبار الظروف الأمنية والسياسية".
أما
إيران التي فقدت ستة مقاتلين لها، أبرزهم محمد علي الله دادي، الذي يعتبر ظل قائد فيلق قدس قاسم سليماني، "فهي أذكى من أن تتورط في حرب مباشرة مع إسرائيل، خصوصا أنها مقبلة على توقيع الاتفاق النووي مع دول الـ(5+1)"، كما يقول الدويري، على الرغم من تصريح القائد العام للحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري بأن "على الكيان الإسرائيلي انتظار عواصف مدمرة".
ويضيف أن "لغة الأرقام سهلة، والإنسان في الثقافة الإيرانية، خصوصا بعد الثورة هو عبارة عن رقم، على الرغم من أهمية مركز البعض. لذلك فإن إيران لن تدخل في أي مواجهة مع إسرائيل، وستكتفي بليّ ذراعها في لبنان".