يرى محمد سعيد
قروق، أستاذ علم
المناخ، في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أن
المغرب أصبح يعرف تطرفا مناخيا سيصبح هو القاعدة وليس الاستثناء.
وأضاف
الخبير في علم المناخ خلال حواره مع "عربي21"، أن المغرب مطالب بتجاوز التعاطي مع التحولات المناخية بكونها استثناء لأنها اليوم هي القاعدة.
رئيس اللجنة الوطنية للتحولات الشمولية، التابعة للبرنامج العلمي الأممي حول المناخ في عاصمة السويد، أمد للموقع أن المغرب مطالب بالتغيير الجذري لبنياته التحتية حتى تواكب الوضع المناخي الجديد وتقليلا من حجم الخسائر البشرية والمادية، بالنظر إلى أن الحالية أسست على ضوء تصورات عمرها 100 سنة.
قروق الذي رشح لنيل جائزة "ألبرت أينشتاين" تقديرا لجهوده العلمية وإسهامه في الأبحاث العلمية حول التحولات المناخية على الصعيد العالمي، يشرح في هذه المقابلة التحول الذي بات يعرفه المناخ في المغرب والعالم، وأيضاً عن أسباب ارتفاع الحرارة في فصل الشتاء وعدد من التقلبات المطرية والجوية.
عضو اللجنة الحكومية للتحول المناخي للأمم المتحدة، يدق ناقوس الخطر ويؤكد أن القادم أسوء إن لم تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها الكاملة في ابتكار حلول استباقية لمواجهة الفيضانات التي سيعرفها المغرب مرات ومرات، كما تحدث عن بعض إيجابيات هذه التحولات المناخية الجديدة.
وفيما يلي نص المقابلة:
"عربي21": عرف المغرب خلال هذه الأيام فياضانات مفاجئة لعدة أَوْدِيّة، أَوْدَتْ حتى اللحظة بحياة 32 مواطنا وآخرون في عداد المفقودين، فهل تعني هذه الفيضانات تحولا ظرفيا أم مستمر في المناخ؟
قروق: من البداية أقول بأن الموضوع غاية في الخطورة، ويتطلب الجدية اللازمة لأن المغرب يعرف تحولا مناخيا جديدا غير ظرفي وهو ليس وحده في هذا الأمر، والسبب يعود لكون القسم الشمالي من الكرة الأرضية يعرف دورة هوائية جديدة، تسمى الدورة الهوائية الطولية وهي تجعل الكتل الهوائية الساخنة تتقدم نحو القطب الشمالي وبالمقابل الكتل الهوائية الباردة تتجه للاستوائي، وتنتظم العملية بتوالي موجات هوائية مرتفعة الحرارة وجافة البرودة. وبالتالي نحن في وضعية مناخ جديد، يفسر ما نعيشه هذه الأيام وما عشناه متقطعا منذ سنة 2008 ثم 2009 ثم 2012 و2013 وأيضاً عده السنة مع نوع من الارتفاع في حدته وخسائره.
طبعا، التغيرات المناخية يتعرض لها العالم أجمع اليوم وليس المغرب لوحده، ويمكن تعريف التغيرات المناخية باعتبارها ارتفاع حرارة الكوكب، وهذا الارتفاع أدى إلى تَسارُع وثيرة الحرارة وسرعة وثيرة الظَّواهر الطبيعية
"عربي21": هل هذا الاضطراب المناخي سيؤثر أيضاً على مواعيد التساقطات المطرية؟
قروق: كانت الأمطار تتساقط في فصل الشتاء من نهاية نوفمبر إلى فبراير وتبدأ كمياتها تَقلُّ خلال مارس، وحين لا تتساقط الأمطار داخل هذه الفترة نكون في دائرة الجفاف، حاليا هذا التوزيع لم يعد متاحا حيث أن الأمطار تغيَّرت في توزيعها وأصبح من الممكن أن تتساقط في شهر نوفمبر وصولا إلى مارس ولم لا أبريل. التوزيع الجديد أصبح مغايرا لما عرفناه قبلا وأصبح يمثل عرقلة بالنسبة للإنسان في قضاء حاجياته اليومية وكذلك أنشطته المختلفة وخصوصا ما تعلق بالأنشطة الفلاحية.
إضافة إلى ما سبق، أثرت درجات الحرارة المرتفعة على بقية الأنظمة الأخرى وعلى رأسها الدورة المائية على الأرض حيث أن التساقطات أصبحت تتميز بالغزارة وبتوزيع زمني ومجالي جديد، وهذا ما نَستشفُّه عبر العالم بظاهرة الفيضانات، فلا يمر يوم دون أن تُطالِعنا الأخبار بفيضان يجتاح أحد مناطق العالم وفي المغرب كذلك حيث أصبح المطر يعود بكميات كبيرة تتشكل معها فيضانات أحياء ومدن بأكملها.
"عربي21": ماذا تقترح للتعامل مع هذا الوضع المناخي الذي لم يعد استثنائيا؟
قروق: أولا من الناحية الثقافية ينبغي التعامل مع الوضع بأنه غير استثنائي، بل هو قاعدي، كما أن صفة الاستثناء تسقط المسؤولية على الجميع، فيما الوضع الجديد يُحَمّلُ المسؤولية للمعنيين، لأن تلك الأحداث كانت استثنائية واليوم هي قاعدية، وهي ظواهر بدأت في السنوات الأخيرة منذ 2005 وسوف تتكرر كل سنة. وما وقع يأتي في مجال جديد، حيث أن المجال الجنوبي لم يألفها وبالتالي فإن البنى التحتية غير مؤهلة بالنظر للتحولات المناخية الطارئة والمستمرة.
"عربي21": إذن في نظرك الوضع خطير يتطلب تدخلا في حجم الخطورة؟
قروق: الوضع كارثي ويتطلب الانتباه، وقد نبهت لهذا الأمر أكثر من مرة، وأكرر يجب أن نتعامل مع ما يقع بمنطق جديد وبمسؤولية جديدة وما وقع سيتكرر لمرات ومرات، وبالتالي من أجل التخفيف في عدد الضحايا والخسائر ينبغي التعامل الجدي مع الموضوع، بحيث ينبغي إعادة النظر في الطرق والأودية والقناطر والآليات الفلاحة والصحية وطرق الإنقاذ، كلها أمور ينبغي إعادة النظر فيها.
"عربي21": من بين الملاحظات المثيرة أيضاً في هذا الصدد استمرار ارتفاع درجات الحرارة حتى خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر كيف تفسر ذلك؟
قروق: ارتفاع درجة الحرارة ملاحظة في محلها، وهي تدخل ضمن التغير الجوي الجديد الذي بتنا نعيشه، وهو المغاير عن ذاك الذي عشناه إلى جانب آبائنا وأجدادنا مئة سنة الأخيرة، وعلاقة بالإنسان الذي أصبحت بنيته الجسمانية ضعيفة ومصاب بحساسية كبيرة لم يعد يطيق فصل صيف حار ولا فصل شتاء شديد البرودة، فهو يعاني الأمرين خلالها، صحيح أننا كنا نشهد " تطرفا مناخيا" من فترة للأخرى حسب الفصول الأمر الذي أصبح قاعدة اليوم فحين ترتفع الحرارة تكون بشكل كبير وحين يبرد الجو يبرد بشدة، إضافة إلى أنه حين تهطل الأمطار فهي تهطل بعنف كذلك هذه الأمور أصبحت القاعدة الآن ولم تعد استثناء.
"عربي21": ماذا تقصدون بـ"التطرف المناخي"؟
قروق: التطرف المناخي في المناخ بمعناه البائد، وأقصد بالتطرف المناخي التحول الذي يقع مقارنة بوضعية مستقرة، لكن اليوم التطرف عن المعتاد، سيصبح هو القاعدة فنحن اليوم في وضع جوي جديد، أصبح معه التطرف قاعدة.
"عربي21": هل تقترحون إعادة النظر في كل البنيات التحتية في المغرب على ضوء الوضع الجديد؟
قروق: ما وقع هو فقط القليل مما سيقع في المستقبل، وما البنى التحية ينبغي أن تكييف والوضع الجديد وأن تستعد لأمور صعبة ستأتي، فشبكة الصرف الصحي مثلا والتي وضعت ضمن تصور عمراني يعود لأزيد من 100 سنة والتي كانت تعرف في المعتاد تساقطات متوسطة، وعليه فالبنى التحتية والاقتصادية والاجتماعية ينبغي إعادة النظر فيها جميعا لأن الكل سيتأثر بهذا التحول حتى في المدن الكبرى.
"عربي21": هل من إيجابيات لهذه التحولات المناخية الحديدة أم فقط هناك الفياضانات والخسائر؟
قروق: طبعا هناك إيجابيات تتعلق بعلاقة الإنسان بالمناخ والطبيعة، فعلى المستوى الصحي ينبغي أن نفهم أن المناطق التي عرفت بالجفاف ستصبح رطبة، ثم أن الثلوج ستغدي الواحات المغربية وهذا أمر إيجابي، وأقصد هنا الواحات التي لم تعد كذلك منذ سنوات.
وهنا على الإنسان أن يطور أنشطته المختلفة حتى تنسجم مع الوضع الجديد، وكمثال على الأمر فالمنتوجات الفلاحية أصبحت تنضج بسرعة وبعضها الذي كان يحتاج إلى أزيد من عشرين يوما بات ينضج في أقل من هذه الفترة بأحجام كبيرة مقارنة مثيلاتها سابقا ويمكن أن تختلف في المذاق.